عادت الحياة ببطء يوم الجمعة الماضي إلى شارع المتنبي، الذي طالما اخذ حيزا كبيرا من تاريخ العاصمة العراقية بغداد، وذلك في اليوم الأول من رفع حظر التجوال النهاري على أيام الجمعة، الذي فرض قبل 15 شهرا. وأعيد افتتاح شارع المتنبي وفقاً لجريدة "البيان" الإماراتية بعد «الانتهاء من تأهيله واعماره»، عقب التفجير الذي تعرض له في مارس الماضي، باحتفال بسيط تخللته بعض القصائد الشعرية. وقد سمي الشارع العريق نسبة إلى الشاعر أبي الطيب المتنبي، وهو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي الذي ولد سنة 303ه الموافق 915م في الكوفة. وتاريخ الشارع مع الكتب يعود إلى العصر العباسي الذي بدأ في القرن التاسع، وتزايدت فيه أعمال التأليف والترجمة للكتب العلمية، وازدهرت خلاله حركة الشعر العربي في بغداد، بالإضافة إلى الفنون والآداب الأخرى. وغالبية محال بيع الكتب الموجودة في الشارع صغيرة الحجم، ويتركز أغلب نشاطها يوم الجمعة، حيث ينشر الباعة الكتب العربية والانجليزية على حصير فوق أرصفة الشارع المتربة والمتهدمة، ليقوم الجمهور بالاطلاع عليها وشرائها، وليتحول المتنبي إلى سوق مفتوح للكتب في قلب بغداد. ويرتاد هذا الشارع، وخاصة في يوم الجمعة رواد الثقافة العراقية الذين يتجمعون فيه، ويتبادلون المناقشات الثقافية كما يتبارى الشعراء بقصائدهم. وشارع المتنبي حسبما ذكرت "البيان" تعرض كغيره من مناطق بغداد والعراق لعدة تفجيرات بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إلا انه تعرض يوم 5 يوليو 2007 إلى هجوم بسيارة مفخخة، أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 30 متسوقا، وتدمير العديد من المكتبات والمباني، حيث تم تدمير المكتبة العصرية بشكل كامل، وهي أقدم مكتبة حديثة في الشارع تأسست العام 1908. كما تم تدمير مقهى الشابندر الذي يعد من معالم بغداد العريقة، إضافة إلى تدمير واحتراق العديد من المكتبات والمطابع والمباني البغدادية الأثرية في الشارع. ورغم ما تعرض له هذا الشارع، إلا أنه ما زال مصرا على القيام بدوره، حتى لو اضطر رواده للبحث عن الكتب وسط أكوام التراب وعلى الأرصفة. وقال جاسم عبد الله - كاتب 46 عاما ل"البيان": أنا لا أتصور كيف تكون حياتي بدون شارع المتنبي، وبدون الكتاب الذي دلّني عليه هذا الشارع الذي أعده المعلم الأول لي والمدرسة التي تخرجت فيها. وأضاف: ان التكلم عن شارع المتنبي يعني التكلم عن تاريخ امة كاملة كتبت تراثها وثقافتها وأدبها بهذه الأوراق، التي لم تجد من يحتضنها إلا هذا الشارع. وناشد جاسم المثقفين العراقيين: أن يعودوا إلى ارتياد هذا الشارع وان يكسروا الخوف وان يتحدوا اولئك الذين يمكنهم أن يغتالوا البسمة والطفل والمرأة، لكنهم لا يستطيعون اغتيال القلم والكلمة الحرة. وقال طارق حرب الخبير القانوني: إن شارع المتنبي عاصمة المثقفين العراقيين وإمامهم وفكرهم وسليلهم وهو يغني عن علم الجامعات والمؤسسات التعليمية. وأضاف: ان كل واحد من النساخين والوراقين وأصحاب مكاتب الطباعة والمكتبات في هذا الشارع خبير في كل فرع من فروع الثقافة. وأكد حرب: أن تعليمي وتدريسي ووصولي إلى ما وصلت إليه ليس بالبكالوريوس أو الماجستير، وإنما بتوجيه وترشيد أصحاب المكتبات في شارع المتنبي.