الكاتب العربي لا يستطيع أن يتعرى بأوجاعه طالب الرفاعي محيط – شيرين صبحي بالرغم من أن الأديب الكويتي طالب الرفاعي يرى أن الكتابة تجعل حياة المبدع مرهونة بالوحدة، إلا أنه يؤكد أنها تمنحه فرصة العيش في أزمنة مختلفة.. كذلك يظن الرفاعي أن الحياد المطلق، يكاد يكون مستحيلاً في أي كتابة، فحين يكتب الإنسان، فإنما يترجم مشاعره وآراءه وأهواءه، وهو في كل ذلك لا يستطيع أن ينزع عنه جلده وميوله ومعتقداته. قبل شهرين انتهى الرفاعي من كتابة مجموعة قصصية بعنوان "سرقات صغيرة"، وقبلها بثلاث أشهر طبع روايته "الثوب"، والآن يعمل على مشروع رواية جديدة بطلها شاعر كويتي كبير كان متمردا ووُجه بقسوة كبيرة من المجتمع، وبهذا يتحدث عن فترة تخص المجتمع الكويتي من خلال شخصية هذا الرجل. على هامش ملتقي القاهرة الدولي للقصة العربية القصيرة، إلتقينا صاحب "سمر كلمات" الذي تشعر دائما أنه مشغول وعلى موعد، يمشي بخطوات واسعة يساعده عليها طول قامته الواضح.. هو مبدع مسكون دائما بالقراءة وضيق الوقت . محيط: في روايتك "رائحة البحر" رصدت أجزاء من سيرتك الذاتية، رغم اعترافك برجم المجتمع لمن يفعل ذلك فهو عندهم "يدين نفسه بنفسه، ويعري ذاته".. فلماذا كتبت سيرتك ؟ ربما في رواية "ظل الشمس" و"سمر كلمات" وأخيرا في رواية "الثوب" تناولت سيرتي الذاتية بشكل صريح ولكن متقاطعة مع حدث متخيل ضمن سياق الرواية، وهذا يرجع لأكثر من سبب أولا قلة كتب السيرة الذاتية الصريحة لأسباب معروفة من سقف الحريات في المجتمع العربي، وعدم قدرة الكاتب أن يتعرى صدقا بأوجاعه وآلامه ودونيته ومخاوفه وثقافته، وبالتالي أنا أحاول أن أكتب ما يسمى برواية "التخييل الذاتي" التي تجمع ما بين السيرة الذاتية للمؤلف مندمجة ومجاورة لحدث متخيل، وهذا موجود في "ظل الشمس" وباسمي الحقيقي أحاول أن أنقل تجربتي العملية أثناء عملي كمهندس مشاريع، وفي "سمر كلمات"، وفي رواية "الثوب" أخذت القضية بعدا آخر، وتضمنت حياتي باسمي الحقيقي أيضا بل وزوجتي وبناتي ومكان عملي في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وأصدقاء لي. أحاول من خلال كتاباتي أن أقدم جزء من سيرة الكاتب لأني مؤمن أن الكاتب لا ينفصل عن عمله بشكل أو بآخر وبالتالي القاريء عندما يقرأ جزء من معاناة وحياة الكاتب مندمجة ضمن عمل فني، سيلمس واقعا يوازي واقع الحياة، ولكن العمل الأدبي يمتاز بقدرته على كسر قوانين الحياة تلك التي لا أجرؤ ولا يجرؤ الآخرين على كسرها في الواقع وإلا تعرض لضريبة فادحة ، وهذا تحديدا ما يجعلني أكتب السيرة الذاتية . من رواياته نظرة خاصة! محيط : هل تعتقد أن هناك نظرة استعلائية من النقاد تجاه ما ينتج من أعمال إبداعية خليجية؟ لا أريد أن أؤكد على وجود نظرة استعلائية من النقاد العرب، ولكن أؤكد على قضية أخرى هي أنه مازالت هناك نظرة "خاصة" تفرق بين العربي الذي ينتمي إلى الشمال الأفريقي أو سوريا ولبنان ومصر، والعربي الذي ينتمي إلى الخليج، وأنا أدرك خلفية هذا الفرق تاريخيا وثقافيا، ولكن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن دول الخليج ستبقى متأخرة. نظرية المركز والأطراف أكاد أجزم انها انتهت خصوصا مع حضور العواصم العربية الخليجية الآن، فمن يزايد على دور دبي والشارقة والكويت وقطر؟ دول الخليج الآن ضمن المنظومة الثقافية العربية لها حضورها الكبير، تبقى إلى أي حد يستطيع المبدع الخليجي أن يصل إلى المقياس العربي في الإبداع، هذه علاقة ليست مرتبطة بالجنسية، فليس بالضرورة المصري يكتب رواية أفضل من الأردني، والعراقي يقول شعرا أكثر من اللبناني.. يجب أن نتخلص كمثقفين من أي نظرة تحاول أن تضع الجنسية مقياسا ومقدارا للنقد. محيط: أكدت أنك ملتزم بضوابط الرقابة الاجتماعية وتخشى رد فعلها، وبأنك لا تستطيع "التعري" أو كتابة بعض اللحظات غير السوية، لماذا ؟ لا أنا ولا كثيرون يستطيعون أن يكتبوا كل شيء بصراحة، فمجتمعاتنا لا تحتمل هذا، حتى المجتمعات الأوروبية عندما كتب هنري ميلر "مدار الجدي" لم تتقبله، أعمال أوسكار وايلد كانت تقابل بشيء من الضجة في إنجلترا، وأعمال جوستاف فلوبير وغيرهم، وبالتالي نفس الشيء لا يستطيع كاتب عربي أن يتعرى بدواخله وهواجسه الخاصة، ولا يستطيع أن يكتب كل ما يدور بذهنه تجاه الحكم والدين، فهناك حدود لنا يصعب جدا تجاوزها ذاتيا واجتماعيا ورقابيا .. الكاتب أمامه رقابة ذاتية واجتماعية قوية تهدد الجميع، ورقابة الدولة وأعتقد انها أقل الرقابات التي تتمثل في نشر الكتاب من عدمه.. فليس سهلا على أي كاتب ومبدع على أن يكتب كل شيء. والمبدع يؤرخ لهذه اللحظات الحرجة بطريقة غير مباشرة والناس تفهم هذا، ويكفي إشارة لكي تصل المعلومة، والتاريخ يسجل، وبالتالي كل ما يمكن أن يقال عن نظام ما أو وضع اجتماعي يقال. من رواياته ارتهان بالوحدة محيط: ترى أن من يرتض أن يكون كاتبا فعليه أن يختار العيش معزولا، معتبرا أن مقايضة الحياة بالكتابة أسوأ ما يكون.. هل لو عاد بك الزمن ستختار فعل الكتابة أم تتحاشاه؟ الكتابة قضية مؤلمة هذا واقع بالنسبة لي، لأنك تضطر أن تكون وحيدا طول وقتك، حينما تقرأ فأنت وحيد وعندما تكتب يجب أن تكون وحيد، ومتى ما أصبحت الكتابة والقراءة هما الهم الأكبر في حياتك أصبحت حياتك مرهونة بالوحدة.. ثم في مجتمع عربي لا يقيم وزنا للإبداع حتى هذه اللحظة بما يستحق والتضحية المبذولة، فأنت تضحي تضحية كبيرة والمردود قليل جدا إن لم يكن معدوما فأنت تستمر عاما أو اثنين أو ثلاث تكتب عمل وبعد أن يطبع يتم تناوله بموضوع أو اثنين نقديين وينتهي الأمر عند هذا، وبالتالي الكتابة أرى فيها نوع من القدرية الكبيرة. لو عاد الزمن وأنا لا اعتقد أنه سيعود، بالتأكيد سأكون بوعي لربما أقدم على نفس العمل الذي أقدمت عليه. محيط: ما الهاجس الذي يسكن طالب الرفاعي اليوم؟ هاجس القراءة والكتابة والتحصيل الثقافي، فأنا مسكون بأن أقرأ وأقرأ، والآن أمامنا مشكلة كبيرة أننا يوميا أمام إصدارات جديدة روائيا وشعريا ونقديا واجتماعيا وفلسفيا وغيره وأنت ككاتب يجب أن تقرأ من كل بستان زهرة، فالهاجس أنك ليس عندك الوقت الكافي لكي تقرأ كل شيء، ومسكون بأن أكتب عملا جديدا دائما يكون أفضل مما كتبت. انتهيت من مجموعة قصصية كتبتها قبل شهرين بعنوان "سرقات صغيرة"، وقبلها بثلاث أشهر طبعت رواية "الثوب" والآن أعمل على مشروع رواية جديدة قد يستغرق عاما ونصف.. في ذهني الفكرة والبطل وهو شاعر كويتي اسمه "فهد" أعمل في البحث حول حياته وكان شاعرا كبيرا ومتمردا ووجه بقسوة كبيرة في المجتمع، فأنا أتحدث عن فترة تخص المجتمع الكويتي من خلال شخصية هذا الرجل