في كتابها " الغريبة " الصادر عن دار التنوير- 2007 - بيروت والذي قام بترجمته " حسين عمر " فور صدروه عام 2006 عن دار غراسيه الفرنسية تكتب مليكة عن الرغبة في استعادة الحياة، وها هي تواجه مرحلة الخروج من السجن والإقامة الجبرية في المغرب لمدة خمس سنوات حيث المراقبة والمضايقة من قبل رجال الملك وهي تكتب هذه المرة وحدها بدون شريكتها وصديقتها ميشيل فيتوسي. وتدون على مدار 246 صفحة من القطع الوسط المواضيع التالية: الرجل الأول في حياتي / الحرية المرة / ايريك الشرقي / الخوف من الآخرين / هيبيرناتا في باريس / حينما كان المال ملموساً / البؤس / الشهية / الكتابة شهادة على حياة / مغربي / الملتحيان / سجينة الصحراء / أن أكون أماً, أخيراً / الحب في الأربعين / الحلم الأميركي / موت ملك / الولادة من جديد / التعويض. بالإضافة إلى ثلاثين صفحة بقلم ميشيل فيتوسي جاءت كمقدمة تحدثت فيها بالتفصيل عن علاقة الصداقة التي تربطها بمليكة وعن المصاعب التي واجهتها أثناء كتابة " السجينة ". تتحدث مليكة في "الغريبة" عن حياتها في باريس حيث شجعها فرار شقيقتها الوسطى "ماريا" من المغرب في 25حزيران/ يونيو 1996 على متن سفينة، برفقة مايكل، ابنها بالتبني، وابنة عمها، عاشورا التي كانت مسجونة معهم وتمت عملية الفرار عبر الأراضي الإسبانية إلى فرنسا. لقد كانت عملية الفرار نهاية لما عاشته عائلة أوفقير من معاناة فالضغوط الدولية أجبرت الحكومة المغربية على إعادة جوازات السفر إلى أفراد العائلة ومنحهم الإذن بمغادرة أراضي المملكة المغربية0 في 16 تموز/يوليو 1996، غادرت مليكة المغرب برفقة أخيها رؤوف وأختها سكينة. وكان عمرها في ذلك الوقت ثلاثاً وأربعين سنة. في باريس كان ينتظرها ايريك الرجل الأوربي الذي له قلب وروح رجل شرقي لقد ورث المحبة والتسامح من عائلة بروتستانتية عريقة متأصلة في "نتم وارييج". والداه شخصان غير عاديين. والده، بيير بوردروي، عالم آثار، وهو رجل عاطفي جداً إلى حد غير واقعي. ومع أن ايريك قد ولد في ستراسبورغ إلا أنه وصل إلى القدسالشرقية في زيارة دراسية في الثالثة من عمره مع عائلته ثم كبر في لبنان حيث كانت والدته فرانسواز مديرة لثانوية بيروت البروتستانتية وعاشت أيام الحرب اللبنانية استقبلت بشجاعة ومسؤولية كافة الأطراف المقاتلة من مسيحية وإسلامية بل فتحت أبواب مدرستها حتى أمام الفلسطينيين وكان من بينهم شقيق ياسر عرفات، وبينها وبين مليكة إحدى عشرة سنة فقط. في " الغريبة " تتحدث مليكة عن صعوبة التأقلم مع المجتمع وعن الخوف من الآخرين والتغيرات والتطورات التي حدثت في حياة البشرية خاصة في إدارة شؤونها اليومية. كانت مليكة تحتار كيف تتعامل معها وتحدث معها أحياناً أشياء لا تصدق تصيبها بذهول حقيقي وهي أمور عادية وبسيطة جداً بالنسبة إلى غيرها من البشر. ظلت مليكة سنوات عديدة تخاف من الآخرين وتتوجس خاصةً من رجالة الشرطة ولباسهم العسكري ويصيبها تقزز عند رؤيتهم لأنهم يرمزون إلى السلطة والقوة والوحشية وهي كانت تغير الرصيف الذي تمشي عليه بدون سبب سوى وجود أحدهم باللباس العسكري حاملاً ترسانته المدهشة من المسدسات والأغلال والهراوات والقنابل المضادة للاعتداءات. لقد كانت تجد في تعاطفها مع المتسولين والمتشردين سعادة كبيرة خاصةً حين كانت تساعدهم وتشفق عليهم وكانت تشعر بأنها في أفضل حالاتها النفسية في أوقات مصاحبتهم عكس ما كانت تشعر به عندما تكون برفقة الناس الأحرار وتراهم صادقين لا يغشون ولا يخدعون ولا يتغيرون وهي تجد نفسها في طريقتهم الساذجة والبائسة في التوجس من العالم. إنها لا تتردد في إعطائهم نقوداً عندما تراهم في الشارع أو في المترو أو على السلالم أو في نفق. لكن مليكة تخلصت من كل ذلك واستعادت قدرتها على الحياة والعيش والاندماج في شؤون الحياة ومواجهة مصاعبها بكل جسارة وشجاعة وقوة وعادت إلى توازنها اثر محاولة اعتداء عليها من قبل أحد اللصوص ذات ليلة ماطرة في شوارع باريس عندما كانت برفقة نوال ابنة أختها وابنتها بالتبني ولاحظت أن نشالاً قصيراً سميناً يتعقبهم بهدف الحصول على حقيببتها، تجنبت مليكة اللجوء إلى الشرطة خوفاً من ألبستهم العسكرية, وفي زاوية خالية من البشر وشرطة الحراسة انقض النشال بهزات عنيفة على كتفها من اجل انتزاع الحقيبة وهي بدورها تشبثت متكززة بالحقيبة لأنها تحتوي على أوراقها وصورها ومالها ومفاتيح بيتها فكان من الصعب أن تنتزع حياتها بالإجمال في لحظة كهذه في زاوية شارع. ** منشور بصحيفة "المستقبل" اللبنانية 9 مايو 2009