السؤال: أنا لا أحب الذهاب إلى طبيب ، وأفضِّلُ الطبيبة ، والطبيبة الماهرة الوحيدة التي أعرفها مسيحية ، وقد ارتحت لمعاملتها معي ، ونشأ بيننا كلام ، وأنا لما أتكلم مع أحد يجري على لساني دائما الدعاء له بقولي : ربنا يكرمك ، ربنا يعزك ، ربنا يبارك فيك . هل دعائي هذا صحيح أم لا ؟ ***الحمد لله الدعاء للكافر الذمي أو المعاهد ينقسم إلى قسمين : القسم الأول : أدعية تتعلق بالآخرة : كالدعاء له بدخول الجنة ، أو بالمغفرة والرحمة ، أو بالعتق من النار ، أو بنيل شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ونحو ذلك من الأدعية . وهذا النوع لا يجوز الدعاء به ، فقد نهى الله سبحانه وتعالى عنه فقال : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) التوبة/113. وفي صحيح مسلم (976) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ) . قال النووي في "المجموع" (5/120) : " وأما الصلاة على الكافر ، والدعاء له بالمغفرة : فحرام بنص القرآن والإجماع " انتهى . القسم الثاني : أدعية تتعلق بالدنيا : كالدعاء له بكثرة المال والولد ، أو الدعاء له بالشفاء ، أو الدعاء بالتوفيق والسعادة ، ومن أهمها وأعظمها : الدعاء له بالهداية . وهذا النوع من الأدعية جائز لا حرج فيه ولا إثم ، وذلك لوجوه عدة : 1- عدم ورود النهي عنه ، والأصل الجواز حتى يرد دليل المنع . 2- ما جاء في السنة من جواز رد السلام على الكافر إذا ألقى السلام بلفظ واضح ، وردُّ السلام هو دعاء بالسلامة والعافية ، وكذلك جاء في السنة جواز رقية الكافر ، والرقية هي دعاء بالشفاء ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (6714) ، (47322). 3- لما فيه من مصلحة تأليف قلب هذا الكافر ، وهي مصلحة عظيمة معتبرة في مقاصد الشريعة . فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً يهودياً كان مريضاً ، ودعاه إلى الإسلام وأسلم . 4- ورود مثل هذه الأدعية عن بعض السلف ، ومن ذلك : عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه مر برجل هيأته هيئة مسلم ، فسلَّم ، فرد عليه عقبة : وعليك ورحمة الله وبركاته ، فقال له الغلام : إنه نصراني . فقام عقبةُ فتبعه حتى أدركه فقال : إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين ، لكن : أطال الله حياتك ، وأكثر مالك وولدك . رواه البخاري في "الأدب المفرد" (1/380). وعن الحسن البصري أنه قال : إذا عزَّيتَ الذمي فقل : لا يصيبك إلا الخير . أورده ابن القيم في "أحكام أهل الذمة" (1/438) وأورد مجموعة من الآثار بنحوه . 5- وقد أجاز الفقهاء رحمهم الله هذا النوع من الدعاء أيضا ، وهذه بعض النصوص في ذلك : جاء في "كشاف القناع" (3/130) للبهوتي الحنبلي : " يجوز أن يقال له : أهلا وسهلا ، وكيف أصبحت ؟ ونحوه مثل : كيف حالك ؟ ويجوز أن يقول المسلم للذمي : أكرمك الله ، وهداك الله , يعني بالإسلام ، قال إبراهيم الحربي لأحمد : يقول له : " أكرمك الله " ؟ قال : نعم ، يعني بالإسلام " انتهى باختصار . وجاء في حاشية "نهاية المحتاج" (1/533) ، وحاشية "تحفة المحتاج" (2/88) من كتب الشافعية : " ويجوز الدعاء للكافر بنحو صحة البدن والهداية " انتهى . وقال المناوي في "فيض القدير" (1/345) : " ويجوز الدعاء للكافر أيضا بنحو هداية ، وصحة ، وعافية ، لا بالمغفرة " انتهى . وبناء عليه ، فلا حرج عليك في دعائك للطبيبة النصرانية بالكلمات المذكورة في السؤال : " أكرمك الله ، أعزك الله " وتقصدي بها أن الله تعالى يكرمها ويعزها بالإسلام . وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن الرجل المسلم يقول للرجل النصراني : أكرمك الله ؟ قال : نعم ، يقول : أكرمك الله ، يعني بالإسلام . "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/369) . والله أعلم . المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب