باراك أوباما وجون ماكين في مقال سابق تحت عنوان "لصالح ماكين .. لا مانع من هجمات إرهابية صديقة"، ذكرت أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، كتبت مقالاً نشرته في عددها الصادر في 24-6-2008 تقول فيه: "صرح مستشار المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة "تشارز بلاك" في حديث أدلى به لصحيفة "فورتشن"، بأن وقوع عملية إرهابية على الأرض الأمريكية مشابهة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر2001 التي وقعت على واشنطنونيويورك، سوف يصب في مصلحة "جو ماكين"، ويزيد من فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة على المرشح الديمقراطي "باراك أوباما".
وهنا أكرر ثانية، أنه ليس مستغرباً علي مستشار المرشح الجمهوري "جون ماكين" أن يصرح بأن وقوع عملية إرهابية من هذا القبيل هو في صالح "ماكين"، الذي يَعْتَبِِِرُهُ وبوش وجهين لعملة واحدة.
هذا التصريح ينطوي على مدلولات خطيرة تتصل بتمني المحافظين الجدد والإنجيليكيين المتصهينين الذين يدعمونهم، والذين تحكمهم جميعاً دعاوي عقائدية (لاهوتية)، بنجاح ماكين في الانتخابات القادمة على المرشح الديمقراطي "باراك أوباما"، ليس لأن الأخير من أصول أفريقية أو لأنه يدين بالإسلام .. وما إلى ذلك، وإنما بسبب المعارضة الشديدة التي يمثلها الحزب الديمقراطي للسياسة الداخلية التي انتهجتها إدارة بوش في إدارة الاقتصاد الأمريكي طيلة ثماني سنوات، وفي السياسة الخارجية التي تمثلت في الحروب المكلفة التي شنتها على أفغانستان والعراق وغيرها من الدول العربية والإسلامية بدعوى محاربة ما أسمته بالإرهاب. فضلاً عن تخريب علاقات أمريكا بحلفائها الأوروبيين، وبخاصة فرنسا وألمانيا بسبب الحرب على العراق.
وامتداداً لهذا المنهج في إدارة البلاد، نراهن على أنهم مستعدون للقيام بأي عمل من شأنه التأكيد للأمريكيين، بأنهم والأرض الأمريكية ما زالو مستهدفين للإرهاب بقوة ، ولإقناعهم بأن إعطاء أصواتهم ل"ماكين" هو السبيل الوحيد الذي يكفل لهم استمرار أمريكا في الحرب على الإرهاب وحماية الأمن القومي الأمريكي والأرض الأمريكية من شرور الإرهابيين.
هجمات سبتمبر وليس في ذلك مغالاة، ذلك أنهم يؤمنون بأن استمرار مخططاتهم الإجرامية نحو العالمين العربي والإسلامي، والتي بدأوها باحتلال أفغانستان والعراق .. هي رهن ببقاء نفوذهم في مراكز صنع القرار في واشنطن. لذا بات "إقناع الناخب الأمريكي بأنه ما زال معرضاً للإرهاب"، هدفاً غائياً جهدوا كثيراً في تحقيقة خلال الحملة الانتخابية للجموريين، ولإيمانهم بأن "جون ماكين" هو الخلف الصالح لبوش في تبني مخططاتهم التي تستهدف مواصلة الحرب على "الإرهاب".
وهكذا يثبت المحافظون الجدد ومن والاهم المرة تلو الأخرى، أنهم لا يأبهون بما يهم المواطن الأمريكي بقدر ما يهمهم تنفيذ مخططاتهم التي تخدم عقائدهم "اللاهوتية" من ناحية، وتحقق المنافع "المادية" لحلفائهم من أباطرة صناعة السلاح وشركات النفط والرساميل الأمريكية واليهودية من ناحية أخرى.
في ضوء هذه الحقيقة وغيرها، يبدو واضحاً أن الأزمة التي يواجهها النظام المصرفي في أمريكا، وتأثيراتها السلبية الخطيرة على الاقتصاد الأمريكي برمته، بل وتهديدها للنظام الرأسمالي بالانهيار .. يبدو أنها لا تحظى على الأولوية بالنسبة للمحافظين الجدد، وإنما استمرار الحرب على الإرهاب هو الهدف الغائي الذي يحظى على الأولية المطلقة في سلم اهتماماتهم، أيا كانت الآثار السلبية على اهتمامت المواطن الأمريكي، وعلى أمن العالم واستقراره، وعلى النظام الرأسمالي السائد فيه.
وفي هذا الوقت الذي لم يتبق سوى عدد قليل من الساعات على بدء الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تجرى يوم الثلاثاء القادم 4-10- 2008 .. لا يستطيع المرء أن يعقد الرأي حول من سيفوز فيها، بسبب مفارقة غقل ما تظهر في الدول الأخرى في عالمنا المعاصر. هذه المفارقة، تتمثل في مدى تأثير عنصر "التخويف" من الإرهاب الذي تمارسه إدارة بوش على الناخب الأمريكي، بهدف دفعه لانتخاب المرشح الجمهوري "جون ماكين".
غالبية الأمريكيين مقتنعون بأن الحروب التي خاضتها الإدارة الأمريكية على ما أسمته بالإرهاب، كانت السبب الرئيس فيما يعانية الاقتصاد الأمريكي من بوادر الركود، الأمر الذي قد يزيد من احتمال تصويتهم لصالح المرشح الديمقراطي "باراك أوباما"، ليس لشخصه، أو لأنهم يؤيدون الحزب الديمقراطي، أو تنازلاً عن تعصبهم العنصري والعرقي والديني .. وإنما لضرورات الحفاظ على حياة الرفاه والشعور بالأمن والأمان اللذين اعتاد عليهما المواطن الأمريكي في العقود الأخيرة الماضية.
وفي الوقت ذاته، قد يكون تخويف المواطنين الأمريكيين من وقوع عمليات إرهابية جديدة على أمريكا وعلى مصالحها في الداخل والخارج .. دافعاً قوياً لهم، لتغليب المرشح الجمهوري "جون ماكين" على منافسه الديمقراطي "أوباما" في الانتخابات القادمة، على خلفية ان الجمهوريين هم أكثر حرصاً على دعم قوة أمريكا عسكريا، وأكثر تصميماً على محاربة الإرهابيين أينما وجدوا.
وهكذا نرى أن هذه المفارقة تكمن في أن عنصر "التخويف" من الإرهاب، قد يكون سبباً مهماً في فوز أو فشل أي من المرشحين على الآخر في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وما دام الأمر كذلك، فهل نتوقع أن تمر الساعات القليلة التي تسبق بدء الانتخابات وحتى أثناءها، دون وقوع هجمات إرهابية؟.
بالأمس نشرت وكالات الأنباء نبأ مفاده أن السعودية، أفشلت خططا لإرهابيين كانوا يخططون للاستيلاء على طائرة ركاب أمريكية وإسقاطها فوق مدينة لوس أنجلوس الأمريكية التي تكتظ بالسكان. فهل نشر هذا النبأ وفي هذا الوقت بالذات، يمكن أن يحتسب في سياق هذه المفارقة؟. وهل نتوقع وقوع هجمات إرهابية على غرار ما تمناه مستشار المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة "تشارز بلاك" ؟!!.