أزمة تجديد السياسيين وفشل المثقفين الموريتانيين في ظل الدولة ونظام مؤسسات الدولة..؟ بقلم: د. محمد المختار دية الشنقيطي لا شك أن التجديد والتغيير في المجتمعات الإنسانية، ضرورة من ضرورات الوجود وسنة من سنن البقاء للكائن الحي وهو سنة لا تحتاج فقط إلى توفر الشروط المعرفية والثقافية والسياسية، بل لابد أن يضاف لذلك، شروط الاستعداد النفسي والعملي وقبل دفع الثمن الذي يتطلبه التجديد في الفضاء الاجتماعي والثقافي والسياسي. ومما لاشك فيه كذلك أن طبقتنا السياسية وشبه المثقفة بل ومجتمعنا الموريتاني ككل المجتمعات الساكنة والجامدة، يكره التجديد والتغير أو يخاف على الأصح من التغيير والتجديد، وهذا الخوف في مثل ظروف مجتمعنا قد يتحول بفعل عمق الجمود والتكلس إلى مرض مجتمعي يحول دون أن ينفتح المجتمع على آفاق التغيير والتجديد وموجباتهما من كل ما تتطلبه مفردات التنمية قاعدة العدالة والحرية ومن ثم التحديث والحداثة أهم حاجيات الفرد والمجتمع والدولة عندنا. وهذا هو أهم ما هو غائب من وعينا الجمعوي والذي لا يملك أغلب السياسيين عندنا الوعي به أحرى القدرة على جعله منهجا جمعويا وبرنامجا سياسيا عليه تتشكل الأحزاب وفي ضوئه تختار القيادة المجتمعية وتصاغ برامج التنمية وهذا الغياب لذلك المنهج وعدم الوعي بأهميته والعجز عن إنتاج آليات وأدوات إيجاده وتطبيقه هو الذي أوجد في حياتنا المدنية تلك المفارقة الصارخة، التي يعيشها مجتمعنا الجامد والراكدة نخبته ثقافيا وسياسيا. فمجتمعنا وسياسيينا ومثقفينا الكل يعيش في بحبوحة من التخلف والجمود والسكون على كل الأصعدة، و يعتمد حتى في مفردات وعيه على غيره من منتجي الأفكار والقيم من قادة ومفكري الأمم والمجتمعات الأخرى في كل شيء، والأخطر من ذلك كله هو الرضا بكل متواليات ذلك الواقع السيئ، والتبرير الوحيد الماثل لهذا الواقع والذي لا يصرح به هو الخوف من التغيير، وترفض التجديد، وتقبل العيش في ظل ذلك الواقع السيئ.. ولعلي لا أبالغ حين أقول: إن الخوف من التغيير والتجديد، في كل المجتمعات لكنه في مجتمعنا أكثر حدة وإيلاما للحياة عندنا من الآخرين، نعم هو حالة شعورية من العجز والخوف والإحباط تبدوا وكأنها من خصائص المجتمعات المتخلفة والجامدة مثلنا، بصرف النظر عن أيدلوجيتها وبيئتها.. فما نشاهده في الحيات الفكرية وما نلمسه في واقعنا وواقع من يتقاطع معنا أن كل المجتمعات الجامدة بسبب غياب النخبة ودورها تخاف من التغيير، وتخشي من التجديد الذي هو ثمن الحداثة وأساس التنمية والعاصم من ثقافة العولمة ومفهوم الاستعمار الجديد. وفي ضوء ما سبق ومن وحيه نقول إن لحظة الانطلاق الحقيقية لمجتمعنا لن تكون لا في ظل الديمقراطية ولا في شمس الدكتاتورية حتا نتجاوزحالة الخوف من التغيير والتجديد ولن نتمكن من كل ذلك حتى نتصر على ثقافة الأبوة السياسة واحتكار رشد التدبير لما يسما عندنا" بالنخبة السياسية" أي الزعامات القبلية والعسكرية والحركية التي أفرزتها الظروف الاستثنائية التي يحدد مجالها الحقوقي البارز والشاعر الإنساني الوطني محمدا ولد إشدو"بالمائة سنة الماضية من حياتنا". فحين يمتلك الجيل الجديد من سياسيينا القدرة على تمكين كل شعبنا من معاول هدم ثقافة الجمود وهواجس الخوف من التغيير والتجديد، حين ذلك يتسنى المجتمعنا أن يبدأ دورة الحياة الحقيقية، التي تمكنه من إجتراح إرادته وتجربته ودون تحقيق هذا المنهج وتلك الآليات فإن مجتمعنا سيستمر في التقهقر والتراجع على جميع الأصعدة والمستويات.. وستظل الفئات والنخب التي لها مصلحة في استمرار التقهقر والجمود، ماضية في العمل على استستثمار هذه الحالة المرضية والتي تبني عليها الكثير من المواقف والإجراءات، لتعمق حالة التخلف وتزيد حالة الخوف المرضي من كل آفاق ومتطلبات التغيير والتجديد التي تتطلبها بشكل محلح حياتنا وواقع السياسة والدولة عندنا التي ندير آلياتها ونضيغ برامجها بعقلية وحكمة الابرطور الصيني الذي كانت أهرته "سلالة هان (220-25) تحكم الصين" حيث ينقل لنا مؤرخو الحضارة، أنه وفي ظل سلالة هان (25- 220ب م) صدر مرسوم إمبراطوري ينص على انه لا يجوز لأي متأدب أن يطرق، بصورة شفهية أو خطية، أي موضوع لم يعينه له أستاذه فليس يحق لكائن من كان أن يتخطى ميراث معلمه، وكل من تسول له نفسه أن يتعدى الحدود المرسومة يغدو مبتدعا وهكذا تأسس رهاب البدعة الذي شل قدرة المثقفين الصينيين على التفكير كما على التخيل، فلكأن عقولهم قد حبست في أكياس من البلاستيك حتى لا يتسرب إليها أي جديد. وهذا هو عين ما يطبقها مع المجتمع الموريتاني مثقفي البادية وضحايا دولة المؤسسة العسكرية القابضة على مفاصل الحياة في ظل دلة العقيد الفاسد المفسد تماما كحال دولة الديمقراطية عندنا ، وتحدي الكبير الذي لا تخطئه عين المراقب لسياسة عندنا أننا لا نملك نخبة سياسية قادرة على خلق وعي وإنتاج آليات تمتلك القدرة على تغير واقعنا. نعم أعترف هنا بأنني شخصيا ألمس في واقعنا أثرا لإرهاصات بروز نخبة سياسية خارجة في وعيها وجرأتها على المألوف السائد في مجتمعنا لمفهوم السياسة والثقافة من نماذجها الحية التي سمع الناس أصواتها في الساحة السياسية في العقد الأخير وساهمت في تشكيل الوعي السياسي لشباب الجامعة عندنا وفي طبقات العمال وبعض الزوايا القصية أو الهامشية في المجتمع ، واستطاعت أن تسمع الآخر صوتها وتقدم رؤيتها السياسية في قوالب ثقافية تلامس العصر وتستخدم آلياته نستطيع التمثيل لذلك ب : الأستاذ محمد ولد إشدو- بابه مسكه-بدر الدين- الخليل النحوي - جميل منصور – بدي ولد أبن – د لكرموا عبدول– جمال ولد اليسع - ما لمسنا أنه يميز هذه النماذج من جيلي الشيوخ والشباب السياسيين هو القدرة على التمرد على المألوف والجرأة على مواجهته رغم القيود والصعاب والأخطار الأمر الذي نحسب أنه أعطاهم نوعا من البروز والتميز لا نعترف أنه استطاع أن يؤسس لمنهج التغير وإن بذلوا في ذلك مجهودا يذكر فيشكر في مجتمع تحكمه قهرا ثقافة النزوع إلى رفض التغيير والخوف من التجديد، الأمور التي تدفعه دائما إلى مزيد من البؤس والشقاء والحرمان والانحطاط ، وتبقيه تحت ضغط الجمود والتخلف. ما نريد أن نصل إلى قوله هنا للسياسيين عندنا : أن مشاكل المجتمعات من فعل التغيير والتجديد أهون بكثير من استمرار حالة التخلف والجمود.. وإن المجتمعات لن و لم تتقدم إلا حينما ينخفض فيها منسوب الخوف من التغيير والتجديد إلى حدوده الدنيا. وبدون ذلك ستبقى مقولات التقدم والتجديد والتغيير، مقولات جامدة ومنفصلة عن الحياة الاجتماعية كما يقول الكاتب السعودي محفوظ:" وهذا ما يفسر لنا حالة بعض المجتمعات العربية والإسلامية على هذا الصعيد، فهي مجتمعات مليئة في الإطار النظري بمقولات التقدم والحرية والتجديد، إلا أن واقعها الفعلي، أي واقع النخب وأغلب الشرائح والفئات الاجتماعية، تتوجس خيفة من هذه المقولات، وتنسج علاقة مرضية مع مقتضيات التقدم والحرية والتجديد. فتجد الإنسان يصرخ ليل نهار باسم التغيير والتجديد، إلا انه في ذات الوقت يقف موقفا سلبيا من كل الوقائع الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تنسجم ومقولة التغيير والتجديد، فتتضخم لديه الخصوصيات إلى درجة إلغاء مقولة التجديد.. فهو باسم الثوابت يحارب المتغيرات، وباسم الخصوصية يحارب التجديد، وبعنوان عدم التماهي مع الآخر الحضاري يقف ضد كل نزعات التغيير والتجديد. فهو على الصعيد النظري، جزء من مشروع الحل، إلا انه على الصعيد الواقعي، جزء من المشكلة والمأزق". لهذا كله فإننا نحن هنا نجد من الضروري في حياتنا إنشاء علاقة جدلية ونقدية بواقعنا وكل مقولاته وشعاراته، حتى لا تتحول تلك المقولات والشعارات إلى أقانيم مقدسة، تحارب التجديد والتنمية في العمق والجوهر، وهي تتبناه في المظهر. صحيح أن كل السياسيين في مجتمعنا يرفعون شعار التجديد، إلا أنهم على الصعيد النفسي والثقافي والسياسي يخافون من تبعات والمتطلبات التجديد والتغير والتي هي في النهاية شروط التنمية، فهم مع التجديد الذي لا يتعدى أن يكون شعارا فحسب، أما التجديد الذي يتحول إلى مشروع عمل وبرامج عملية متكاملة، فهم يرفضونه ويخافون منه مالم يكونوا ربان سفينته والتي لا يملكون في الأصل مقومات قيادتها ، ولا مستعدين لتحصيل ذلك وفق ما هو معروف من شروط علمية ومعايير واقعية خولتها الإنجازات الماثلة في حياة الناس كل ما يملكونه لذلك هو "الكزرة" الأمر الذي حرمهم وحرمونا به من الاستفادة من فرص الحياة ومكاسب الحضارة الحديثة. 1- إن التجديد والتغيير ضرورات التنمية في مجتمعنا المتخلف والمأزوم يتطلب قبل توفر الشروط المعرفية والثقافية والسياسية، تجديد النخبة السياسية في المجتمع والاستعداد النفسي والعملي لدفع ثمن من المجتمع وقادته فذلك هو أهم مطلب من متطلبات التجديد في الفضاء الاجتماعي، وبدون ذلك فلن نتمكن من الوصول إلى تنمية تمكننا وتسمح لنا بإيجاد دولة العدل والحرية تمار الديمقراطية. ولابد أن يدرك الفاعلين السياسيين عندنا أن طريق الديمقراطية والحرية والعدالة ومن ثم التنمية، ليس معبدا ولا سهلا، بل أمامه العديد من الصعوبات والمآزق، والمطلوب دائما وأبدا ، هو توفر الجهد الإنساني الموازي لطموحاتنا وتطلعاتنا. وبدون ذلك ستصبح مطالبنا بالحداثة والديمقراطية والتنمية نوع من العبث أو الحرث في البحر فالتجديد يتطلب وجود مجددين، يجسدون قيم ومبادئ التجديد، ويعملوا من أجل بناء حقائقه ووقائعه في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية وأوله السعي من نخبتنا لأعداد المجتمع علميا وسياسيا وذلك بإعلان الحرب على الجمود والتخلف وجنودهما والتي من أولها وأخطرها تأثيرا الأمية فالمجتمعات الأمية لا يمكن أن تبنا فيها الديمقراطية أبدا ولا تقام فيها التنمية وهذا ما أثبتته التجارب الإنسانية. يقول المفكر العربي جورج طرابيشي في كتابه "هرطقات عن الديمقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية) يقول:" والواقع أن قانون الترابط بين حركة الإصلاح الديني والتقدم الثقافي دلل على فاعلية نموذجية في الدول الصغيرة الحجم في المقام الأول، وتلك هي حالة السويد التي كانت أول بلد في العالم يطور برنامجا شاملا لمحو الأمية. فانطلاقا من فكرة لوثر البسيطة القائلة إن جميع المسيحيين بلا استثناء كهنة، وبما أن الكاهن هو بالتعريف في تصور بشر ما قبل الحداثة من يعرف القراءة، بات واجبا على البشر، كي يكونوا كهنة أي محض مسيحيين، أن يتعلموا القراءة. وعلى العكس من الكنيسة الكاثوليكية التي عارضت وصول العامة إلى النصوص المقدسة، شجعت الكنائس البروتستانتية أهالي المدن والأرياف على السواء على تعلم القراءة. ومنذ مطلع القرن السابع عشر أطلقت كنيسة السويد اللوثرية، بمساندة من الدولة، حملات واسعة النطاق لمحو الأمية، وفي أقل من قرن، كان ثمانون في المائة من السكان، ! في ذلك البلد القروي، قد أضحوا من المتعلمين. وما إن أطل القرن الثامن عشر حتى كان تعميم التعليم في السويد قد أضحى ظاهرة جماهيرية ناجزة، وهذا بدون وجود شبكة موازية من المدارس والأجهزة التربوية "وقطعا أن تلك المؤسسات التربوية لم تكن من جنس مؤسساتنا التي أصبح حالها وواقعها ينفر من العلم والتعليم، والذي يتجاهل دوره كل الفاعلين السياسيين في حياتنا. وفي ظل الانتخابات الأخيرة وما بعد حكومتها تابعت اهتمامات كل السياسيين وأحاديثهم في الموالاة والمعارضة فلم نجد أحدا منهم أعطى عناية أو اهتماما للتعليم الجامعي عندنا، بل كان نصيبه حتى في الكلام الإستهلاكي التجاهل وتلك والله رسالة خطيرة في زمن ما يسمى بالديمقراطية والبحث عن التنمية ومفهوم الدولة الخادمة للمجتمع . ** منشور بوكالة الأنباء الموريتانية "الأخبار" 19-6-2007