الظلام يؤرق المصريين والحكومة تطالب بالترشيد محيط كريم فؤاد أحد المحال التجارية بدون كهرباء تشاهد "أم حسن" مسلسل الجماعة المثير للجدل يوميا، ألا أنها مع تكرار انقطاع التيار الكهربائي لا تتمكن من متابعته باستمرار خصوصا أن مشكلة "التيار" أصبحت تؤرق أغلب المصريين، ومع تخطى درجات الحرارة 40 درجة مئوية وتزامنها مع شهر الصوم الفضيل، تضاعفت المعاناة. وقالت السيدة البالغة من العمر "45 ربيعا" إنه عند الاتصال بشكاوى أعطال الكهرباء يرد عليها "السنترال" سريعا: "ساعة وتعود الكهرباء"، ومع إلحاح "أم حسن" ومحاولتها توضيح حجم معاناتها مع انقطاع الكهرباء الذي يعقبه فصل للمياه التي تعاني أصلا من ترهل شبكاتها القديمة ولا تكفي لتلبية الطلب المحلي يجيب عليها "السنترال" بأنه ليس "رئيس الجمهورية" ليحل مشكلة المحروسة كلها. وعندما أوضح "السنترال" إن انقطاع التيار الكهربائي يرجع إلى تقليص وزارة البترول الحصة المقررة من الغاز الطبيعي إلى محطات الطاقة، أجابته "أم حسن" بكل تلقائية "كيف نضخ الغاز إلى الصهاينة ونشكو نحن من نقصان الطاقة!" ، ويرد "السنترال" ماذا لو علمتي أن "مصر سادس دولة تمتلك احتياطي غاز طبيعي على مستوى العالم!". وهددت أم حسن أنها سترسل قيمة فاتورة التليفون إلى وزارة الكهرباء لتقوم بتسديدها لأنها بكل بساطة لا تتصل إلا بخدمة الأعطال كل يوم أكثر من خمس مرات. وأعقب انقطاع الكهرباء قلق الخبراء من حدوث اضطراب للاستثمارات الأجنبية الحالية والمستقبلية والبالغة 18.7 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، حيث أكد الدكتور حمدي عبد العظيم الرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية في حديثه ل"محيط" أن "تأثير انقطاع الكهرباء يؤدي إلى تعطيل عمليات الإنتاج خصوصا في الصناعات كثيفة الطاقة مثل الأسمنت والحديد والألمونيوم بخلاف اعتماد الصناعات الأخرى على ورديات طول اليوم حيث يتعطل عمل الورديات الليلية خلال هذه الفترة". ويضيف عبد العظيم "انقطاع الكهرباء يؤدي إلى تعطيل عملية الإنتاج وإلى مزيد من الخسائر الاقتصادية للشركات المنتجة فضلا عن ارتفاع تكلفة الإنتاج في الوحدة وهو ما ينعكس على الأسعار المحلية وأسعار التصدير مما يفقد ميزة تنافسية في الخارج ويغذي معدلات التضخم البالغة وفقا للأرقام الحكومية 9.9% خلال شهر يوليو. ويشير عبد العظيم إلى أنه في حال تكرار انقطاع الكهرباء لفترات طويلة تتجه المصانع إلى تخفيض العمالة وهذا معناه زيادة معدلات البطالة البالغة أكثر من 9%. مصر تمتع بمناخ يساعد على استخدام الطاقة المتجددة وطالب الحكومة بتنويع مصادر الطاقة من خلال الطاقة الشمسية والمائية والنووية وعدم الاعتماد فقط على طاقة الناتجة من البترول والغاز حتى تستطيع الحفاظ على مستويات نمو اقتصادي مرتفعة. وحول تملص الحكومة من رفع الدعم عن الطاقة، فند ذلك بأن في حال تكرار الأعطال في التيار الكهربائي يؤدي ذلك إلى زيادة اعتماد الحكومة على القطاع الخاص لتوليد الطاقة وهو ما يوضح اتجاه الحكومة إلى تقليص الدعم. وقال مصدر أخر رفض الكشف عن اسمه في حديث ل"محيط" إن الولاياتالمتحدةالأمريكية اشترطت على الحكومة المصرية من خلال برنامج المعونة ترشيد استهلاك الكهرباء وهو ما قوبل بالترحاب حيث بدء التطبيق الفوري من خلال تقليص حجم الإنارة في الشوارع. وقال إن انقطاع الكهرباء خلال الأيام الأولى من شهر أغسطس/أب الحالي يرجع إلى تعطل العمل في 3 محولات للكهرباء في السد العالي. ومن وزارة الكهرباء أطل علينا الدكتور محمد عوض رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر بتصريح مفاده أن انخفاض نسبة الغاز الطبيعي المورد لمحطات الكهرباء أدى إلى زيادة استخدام المازوت الغير مطابق لمواصفات تشغيل محطات التوليد مما تسبب في انخفاض كفاءة وقدرات تلك الوحدات بسبب تآكل أجزاء كبيرة من مكونات الغلايات مما تطلب ضرورة إيقافها للإصلاح. وقال إن انخفاض ضغط الغاز المورد للمحطات وسوء حالة المازوت أدى إلى نقص في قدرات التوليد وانخفاض قدرة الوحدات بحوالي 1600 ميجاوات وهو ما جعل شركات الكهرباء تلجأ إلى إجراء عملية التخفيف. مصر تعاني من شبكات تحتاج إلى صيانة دورية وأضاف الدكتور عوض أن هذا التخفيف حدث نظراً لأن وحدات الشبكة الكهربائية مجهزة للعمل بالغاز الطبيعي كوقود أساسي والمازوت كوقود احتياطي إلا أنه في الفترة الماضية انخفضت نسبة الغاز الطبيعي المستخدم في محطات الكهرباء إلى حوالي 79% بعد أن كانت حوالي 98%. ووعد بقيام وزارة الكهرباء بإنشاء محطات جديدة لتوليد الطاقة، إلا أن مشروع إنشاء أول محطة نووية للطاقة الكهربائية في البلاد بمنطقة الضبعة على ساحل البحر المتوسط ما زال قيد الدراسة، ولم تستطيع الحكومة حل المشكلة إلا من خلال مطالبة المشتركين بضرورة الترشيد والاستخدام الأمثل للطاقة الكهربائية وهو ما قابله اعتراض واسع من جانب المواطنين المتضررين بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة بدون أمل سريع في عودته.