القاهرة: ظهرت بوادر أزمة محلية بين الحكومة المصرية من جهة، ومستثمرى القطاع الخاص وخبراء الاقتصاد من جهة أخرى، وذلك على خلفية لجوء وزارة المالية إلى طرح سندات محلية واستبعاد طرحها خارجيا بالعملة الأجنبية، بهدف سد العجز فى الموازنة العامة للدولة من خلال العملة المحلية. وأثارت تأكيدات المالية على توجهها الجديد لاستخدام السيولة المحلية فى سد عجز الموازنة، حفيظة المستثمرين من رجال القطاع الخاص، إذ رأوا أن الحكومة بدأت فى "مزاحمة" المشروعات الاستثمارية على السيولة المتاحة داخل البنوك. وأوضحوا أن توجه وزارة المالية إلى سد العجز فى الميزانية, والتى تعدت 8.5% خلال عام 2008 /2009, بأن طرح السندات محليا سيجذب البنوك إلى شراء هذه السندات بمختلف الآجال (قصير، متوسط، وطويل الأجل)، وهو ما يقلص من حجم الائتمان المخصص للقطاع الخاص. ودعم خبراء اقتصاد ما أثاره القطاع الخاص بقولهم "طرح السندات محليا سيكون له أثر سلبى على حجم الائتمان للقطاع الخاص، وهو ما يؤثر بدوره على معدلات النمو، فضلا عن إحداثه تضخما فى الأسعار". وعلي الجانب المقابل, أكد المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، أنه "لا مخاطر حالية من تمويل الحكومة لعجز الميزانية عن طريق الاقتراض الداخلى من خلال طرح سندات محلية". وقال رشيد فى تصريح لصحيفة "المصرى اليوم" إن هذه العمليات محسوبة عبر سياسات وزارة المالية، موضحا أن المالية تشرف على السياسات الكفيلة بتوفير الاعتمادات المالية الخاصة بسد العجز، سواء عبر الاقتراض الداخلى أو إصدار سندات أجنبية، حسبما ترى من سياسات تنسجم مع توجه الحكومة لتلقيص العجز. من جانبه اعتبر أدهم نديم، المدير التنفيذى لمركز تحديث الصناعة، لجوء الحكومة إلى طرح سندات محلية لسد العجز فى الموازنة بمثابة منافسة "غير عادلة" للقطاع الخاص على الائتمان من البنوك. وأكد نديم ان مستويات الاقتراض تراجعت فى سوق الائتمان المحلية، مشيرا إلى أن البنوك "مازالت متخوفة من ظهور قوائم جديدة للمتعثرين من كبار العملاء". كان هنرى جييمان، العضو المنتدب لبنك كريدى أجريكول، الذى يمارس أنشطته فى مصر منذ عام 2001 ويملك حصة قدرها 2% من السوق، قد قال أمس الأول إن السوق المحلية "تأثرت تأثرا طفيفا جراء أزمة الائتمان كما شهدت بعض التباطؤ فى نشاط الإقراض". ورأى الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن السوق المحلية تسمح بطرح الحكومة سندات خلال الفترات المقبلة سواء سندات "سباعية" أو لمدد تصل إلى 10 سنوات. وقال الفقى إن الحكومة تصدر بالفعل سندات قصيرة الأجل لتمويل عمليات الإنفاق من رواتب واستيراد مواد سلعية وخدمات. وأضاف أن الحكومة تستهدف من طرح السندات بالعملة المحلية وليست بالأجنبية عدة أمور، منها سد عجز الموازنة، وتنشيط سوق السندات، فى ظل نشاط سوق الأسهم، وزيادة متوسط قيمة السندات التى يتم طرحها ويتراوح ما بين مليار و2 مليار جنيه شهريا لتمويل النفقات الجارية. واعتبر توجه الحكومة لطرح السندات محليا واستبعاد طرحها بالخارج "تجنبا" لتقلبات أسعار الصرف، وعدم زيادة حجم الدين الخارجى، الذى تعدت نسبته المتعارف عليه دوليا، إذ بلغت 90% مقابل الناتج المحلى، فى حين تقول المعايير الدولية ألا تزيد هذه النسبة على 60%. وقال الفقى إن الدين الداخلى سيزيد على الحكومة فى حالة طرح السندات، موضحا أن الفوائد على السندات تصل إلى 30 مليار جنيه وهو ما تتكبده الحكومة فى وقت تصل فيه رواتب الموظفين إلى 65 مليار جنيه. وحذر من ارتفاع معدل تضخم الأسعار جراء طرح السندات محليا، فضلا عن ارتفاع تكاليف المعيشة. وكان حجم إجمالى الدين المحلى بلغ, وفقا لتقرير البنك المركزى فى نهاية مارس الماضى, 745.03 مليار جنيه، والدين الخارجى 30.88 مليار دولار وبلغ معدل إجمالى الدين نحو 90% من الناتج المحلى الإجمالى.