صدر مؤخرا عن دار شرقيات كتاب "الإسلام وعصر التنوير" للدكتور صادق محمد نعيمي، ويقع في 180 صفحة من القطع المتوسط. يتصور الغرب صورة الحريم في المجتمع الإسلامي بقطيع من النساء البيضاوات يقوم على حراستهن قطيع من العبيد السود، داخل ثلاثة أبواب مغلقة لا يستطيع الدخول منها إلا سيد السراي، عالم مزيج من الشهوة والحرمان، النساء اللاتي تستبد بهن رغبة جنسية جامحة والعبيد الخصيان. ووفقا لشادي صلاح الدين بصحيفة "القبس" الكويتية، فإن تلك الصورة في المتخيل الأوروبي صارت مدعاة لاستلهام أدبي وتوظيف في نقد بعض القيم الاجتماعية في الغرب، ومن بين أهم من وظف هذه الصورة مونتسكيو في الرسائل الفارسية، وشاردان في من تبريز إلى أصفهان. ويبرز الكتاب صورا تلخص في لمحات سريعة كيف كان الغرب يرى الشرق الإسلامي في القرن الثامن عشر. ويشرح نعيمي في مقدمة كتابه لماذا اختار تعبير عصر التنوير بدلا من عصر الأنوار رغم أن الأنوار أصوب، مؤكدا أنه انحاز للأكثر شيوعا. أما عصر الأنوار في أوروبا فيرجع إلى محاولة الإجابة عن سؤال من أين يأتي النور الذي يعرف به المرء الخير من الشر، ويرشده إلى الصواب والأخلاق؟ ويجيب نعيمي بأن الفكر التقليدي المتراكم من العصور الوسطى والمدعوم من الملكيات الحاكمة ومن الطبقتين المميزتين (النبلاء ورجال الدين) يرى أن الوحي هو مصدر النور الذي يهدي الإنسان في هذه الحياة، في حين أن اتجاها فكريا نابعا من أبناء الطبقة البرجوازية الناشئة بدأ في بث آراء ترى أن العقل هو الأساس الذي ينبغي للمرء أن يتبعه لمعرفة الخير من الشر ولتحديد مفهوم الأخلاق. ويضيف نعيمي وفق "القبس" : كان التيار الأول هو الغالب بحكم أنه يستمد قوته من السلطتين: الزمنية / الحاكمة, والروحية / الدينية. بسبب توافق مصلحتهما مع هذا الرأي الذي يرى في الدين المصدر الوحيد للأخلاق ولمعرفة الحسن من السيئ، وكان التيار التنويري يبحث عن رؤى جديدة للكون وللعالم وللدين وللأخلاق، ويحاول أن يجد طريقا وسط هذه السلطة الطاغية لعادات وتقاليد أنتجتها الثقافة الموروثة وجعلت من موافقتها أو مخالفتها معيارا للصواب والخطأ. وينقل نعيمي صورة أخرى على النقيض من مونتسكيو وشاردان لفلاسفة عصر التنوير في أوروبا، فينقل عن فولتير تصحيحه للصورة المغلوطة عن المسلمين قائلا تحت عنوان "حرية الاعتقاد في القاموس الفلسفي" إن صلاح الدين قدم بنفسه إلى ليزينان – وهو أسير – كأس ماء مرطب، إلى غير ذلك من صور التسامح. ويمضي فولتير في القاموس الفلسفي إلى تأكيد أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما يدعي الكثيرون ولكن بالإقناع، وأن الكلمة كانت وسيلة الدعوة. وفي القاموس ذاته يصف فولتير المسيحيين بأنهم غير متسامحين، اعتمادا على وقائع بعينها، بينما يصف حكومة الباب العالي العثماني في اسطنبول بأنها حكومة متسامحة، وقد قارن بين ما حدث بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا خاصة في مذبحة بارتليمي، والصورة التي كان عليها الموقف في الشرق فيما يتعلق بالحرية، قائلا "انظروا إلى السلطان التركي كيف يحكم مجوسا ووثنيين ومسيحيين يونان وأرمن ورومان، وكل أولئك يحيون في كنفه في هدوء". ويؤكد نعيمي أن فلاسفة عصر الأنوار كانوا يمقتون رجال الدين لما يبثونه في النفوس من روح الفرقة والتعصب.