النقاد : "سلام" رواية المحاكمة الصعبة جانب من الندوة اجتمع ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب مجموعة من كبار النقاد الأدبيين المصريين في ندوة ناقشت رواية "سلّام" لمؤلفها الإعلامي السعودي هاني نقشبندي والذي حضر الندوة ، وتحدث كل من أ. د صلاح السروي أستاذ الأدب العربي ، أ. د مدحت الجيار أستاذ النقد والبلاغة ، بينما أدارها الأديب والناقد فؤاد قنديل والذي رأى أن الرواية مبادرة جيدة من كاتبها وبها قدر من الجسارة أيضا . في رواية نقشبندي الأولى "اختلاس" رأينا إيزابيل التي تعد رسالة الماجستير عن موقف الحضارة الإسلامية في الأندلس ولعلها كانت إرهاصة لرواية "سلام" الحالية . نقشبندي يتصور أننا بحاجة لطرح أسئلة حول تاريخنا نحن العرب والمسلمين والذي يزيد عن 14 قرناً ، وذلك بغية إزالة الأوهام ولنصل لمزيد من الحقائق .وتتميز الرواية بأنها لا تهدف لإمتاع القاريء بقدر إجباره على التفكير لأنها رواية مثيرة للإشكاليات ، ونحن بحاجة لهذا النوع من الروايات التي تطرح الفكر والفن معاً . الأسئلة الكبرى اعتبر د. الجيار أن الرواية خادعة ؛ إذ تظل حتى منتصفها تقريباً تبحث عن البطل "سلام" ولا تجده ، ورأى أن العناوين من هذا النوع جيدة للأعمال الأدبية لأنها لا تكشف بسهولة أسراره ويظل هناك نوعاً من الإثارة ورغبة من القاريء لمعرفة ما الذي أراد الكاتب قوله من العنوان . أما عن موضوع الرواية فهو شائك يتحدث عن الخروج المأساوي للمسلمين من الأندلس والذي جاء بقيادة أمير مهزوم هو عبدالله الصغير وقالت له أمه الأميرة عائشة " ابك كما تبكي النساء .. ملكا لم تحافظ عليه كالرجال " وكان الملكان الأسبانيان حينها قد سكنوا بالفعل قصر الحمراء واحتلوا غرناطة وانتهى عهد المسلمين هناك . وهذه القضية مر عليها إلى الآن أكثر من ستة قرون إذا احتسبناها منذ هزيمة المرابطين على يد الأسبان في الوقت الذي كانت القارة الأمريكية يتم اكتشافها على يد الرحالة الأوروبيين ، وفيها دخل العثمانيون للشام ومصر لملء فراغ الشرق الأوسط بعد خروج الحملات الصليبية . وقد ناقش المؤلف القضية كاملة من زاوية المحاكمة العادلة ولهذا نراه يكرر كلمة "العدل" ومشتقاتها في الرواية كثيرا ، وهذا يعني اننا بصدد مناقشة قضية قانونية وإنسانية وفقهية . ذكر الروائي اسم الأمير السعودي في الورقات الأخيرة من الرواية ، وهو دهاء منه ، لأنك حينما تقرأ ان اسمه "عبدالرحمن" تحال مباشرة للبداية الزمنية لفتح الأندلس على يد عبدالرحمن الداخل ، أي أن نقشبندي أراد أن يقول أن الأندلس وقعت بدخول الأمير السعودي في العصر الحديث بين عبدالرحمن الداخل "صقر قريش" ، وعبدالرحمن الأمير السعودي والذي يريد إعادة بناء قصر الحمراء في الرياض ولكن تأتيه التحذيرات من لعنات ستصيبه إن فعل ذلك ، وتنتهي سلسلة التحذيرات ب"سلام" وهو الذي قدمه المؤلف باعتباره باني قصر الحمراء الأول ومهندسه وهو الذي يمثل الحقيقة في الرواية . وكأن الرواية تريد أن تتساءل : هل انتشر الإسلام في أسبانيا انتشارا ذاتيا كما جرى في آسيا وأفريقيا ، وهل بذل المسلمون الأول مجهودات لنشره بهذه الصورة ، ويرى الروائي أن ستمائة عام لم يتمكن المسلمون في الأندلس إلا من فعل مناوشات عسكرية ما بين أندلسي وقرشي وانتهت الأمور وخرج المسلمون ! المؤلف يحاكم الأمير عبدالرحمن محاكمة صعبة للغاية ؛ فهو يلقنه درسا أن التاريخ أيها الأمير لا يمكن شراؤه بالمال ، فأن تقلد قصرا تاريخيا لا يعني أن القصر الجديد هو الآخر سينعم بالأسرار والتاريخ مثله ، وبالمناسبة فالبعض ظن أنه لو امتلك قصرا في برشلونة أو غرناطة فهو يساهم في تحرير جزءا من أسبانيا وإعادتها للمسلمين . والبطولة في هذه الرواية للمكان ، فقصر الحمراء هو البطل بامتياز ، وتعمد المؤلف وضع الرواية كاملة بضمير الغائب وتحدث من زاوية السارد ليقول أنني أنظر للتاريخ من الخارج وأنا لست من أبطاله في الرواية ، وقد عدنا في الرواية للتاريخ فعلا ، ولولا وجود الهاتف المحمول بالرواية لأمكن تخيلها في أي زمن من الأزمنة . وتميزت أيضا بدقة الوصف لأن مؤلفها زار أسبانيا وعاش فيها وتأمل مليا قصر الحمراء لهذا في دقيقة بوصف الأماكن التاريخية وعمارتها وتاريخها . نقشبندي خلال الندوة رواية مستقبلية ثم تحدث د. السروي عن الرواية "سلّام" ورأى أنها تهدف لعمل تواؤم مع الماضي ، ذلك الماضي الذي لا زال يثير دهشتنا وأحيانا يوجهنا نحن العرب ، فنحن قوم ماضويون وهي مقولة نستعيرها من الشاعر السوري أدونيس ، ويعني ذلك أننا ننظر للزمن باعتبار أن خير ما جرى كان قديما في الماضي واننا نعيش في نهاية التاريخ وبالتالي لا ننظر للمستقبل فلا داعي لذلك ، وهي حالة حضارية مرتبكة وملتبسة . كما اعتبر أن الرواية ذات طابع معرفي وجمالي وتتميز وفق الناقد بأنها " تقف جوار أعمال المفكرين الكبار أمثال طه حسين والعقاد" وغيرهم ، والذين تساءلوا عن علاقة الماضي بالحاضر . كما رأى أن علينا تعلم دروس الماضي بدون أن نسجن أنفسنا فيه . الأمير السعودي شخصية مركزية عبر عنها نقشبندي في روايته ، ورسم له صورة أمير عربي نمطي تحيط به الحاشية وينفق عن سعة ودون حساب ، ويرافقه شخص " رماح" يشبه بهلول وهذا المرافق لذائذي يحب النساء ومنكب في شهواته وتفسيره للأشياء سطحي رغم امتلاكه معرفة تاريخية محدودة ، ولكنه عموما لا يعدم بعض الحكمة ، ويتنافس المقربون من الأمير لاحتلال أقرب مكان منه والفوز برضاه . وهنا المؤلف رسم مشهدا اجتماعيا وسياسيا عربيا عاما نرى به حاكما يملك ورعية لا تبغي سوى رضاه ، الأمر الذي جعل الأمير بالرواية يهيأ له أن يستطيع بماله شراء أي شيء ، هكذا قالها فعلا ، وتبدو أفعال الأمير في الرواية ذات طبيعة شهريارية . والمفارقة أن الحكام العرب الأقدمين كانت تتملكهم السطوة واستغلال النفوذ ولكنهم كانوا قادرين على صنع حضارة اما اليوم فالسطوة استمرت مع من لا يستطيعون بناء حضارة فيلجأون لشرائها . نقشبندي استعان بالتاريخ القديم ليطرح أسئلة كبرى تعيد خلخلة الوعي العربي الذي يحوي أساطير ممتزجة بالحقائق ، فصخرة طارق بن زياد لا وجود لها ، والذين فتحوا الأندلس لم يكونوا عربا بل بربر . الرواية ذات طابع خطي الحدث فيها يبدأ من نقطة لينتهي عبر تسلسل تراتبي منطقي لأخرى ، أما الشخصية فهي نامية ومتطورة وبها قدر هائل الإقناعية . والمؤلف في داخله يؤيد ما كتبه على لسان "سلام " باني قصر الحمراء ، وكان يصفعنا على يد هذا البطل ، ولكني أرى أن تصويره للعداء بين الإسلام والمسيحية كان مبالغا فيه . ويرى البطل أن إعادة بناء قصر الحمراء هو تمجيد لتاريخ لا أخلاق فيه ، وليس المهم هو مدى صحة ما ذكره المؤلف بقدر أنه يكرس لنقد تاريخنا بموضوعية ، ولذا فالرواية مستقبلية وليست تاريخية ، وتقول للعرب انظروا للمستقبل بموضوعية حتى لا تكرروا أخطاء الماضي . انتقلت دفة الحديث بعدها للمؤلف هاني نقشبندي ، والذي عقب على حديث النقاد بأنه أكثر العاشقين للأندلس وقرأ تاريخها بنهم ، وأنه يهدف من وراءها لنبذ الصدام الإسلامي الغربي ، وهو صدام مرشح جدا للتكرار حاليا . عرض لأحداث الرواية المثيرة للجدل