في إطار مشروع وزارة التراث والثقافة بنشر إبداعات الكتاب العمانيين في سلسلة إصدارات متتابعة صدر حديثا للقاص العماني حمود بن حميد العدوي مجموعة قصصية بعنوان "تَبَسَّمَتْ ضَاحِكَةً" ويقع في ستين ورقة، تضمنت أحد عشر نصا قصصيا قصيرا تنوعت مضامينها ونقتطف من الإصدار قصة قصيرة وهي التي حمل الإصدار عنوانها "تبسمت ضاحكة" ونقرأ وفق صحيفة "الوطن" العمانية: "غصون تتمطى..تتفرع..تورق..أوراق يانعة، تثمر..قطوف دانية، حمراء كالرمان، أو أقل قليلا، كل غصنٍ يخفي بداخل رحمه برعما صغيرا، مشيجا يتخلق، تتشابك، تتداخل، يحتضن بعضها البعض بحرارة...ثم تفترق أفواجا، بعضها يمتد من منتصف الذراع أو أقرب قليلا إلى باطن الكف أو ظاهره، تمتد بغنجٍ فاضحٍ، وبعضها يتخلق من الرسغ وإلى باطن الكف أو ظاهره أيضا. وبأطراف الأنامل تنتهي بحدود متناسقة كأنها ندوب حمراء أو قريبة للحمرة، متسللة إلى الأضافر التي تبدو أقل احمراراً، ربما لأن الحناء صَعُب عليه طبع الاحمرار كما هو في باقي الأجزاء. تتمرأى كل الغصون والأوراق والأثمار في الذراع الآخر وفي ظاهر الكف، باطنه، الندوب الحمراء، الأضافر، قد يختلف قليلا بوجود جرحٍ قديمٍ على باطن الذراع، أما ما عداه فكل شيء كما يجب. تنام باكرا، مستعجلة شروق شمس العيد، تريد رؤية الشمس ما بين إغفاءة وإفاقة، ليكون اليوم الفصل بينها وبين رفيقاتها، لم تكن نائمة، تسترق النظر ليديها المليئتين بنقوش الحناء، تبتسم، واثقة من نفسها كثيرا، تتذكر... زهرة، مريم، فاطمة، شيخة، سالمة، حليمة، أصيلة، تتذكرهن جيدا وكيف كنَّ في العيد الماضي، وكيف كانت نقوش الحناء على أيديهن...وكيف تحلقن ومددن أرجلهن وأيديهن وصارت كل واحدة تقلب بصرها على نقوش الأخرى. وتتذكر جيدا كيف كانت تسرح نظرها بنقوش الحناء الجميلة على يد سالمة ابنة الشيخ، وكيف كانت "دشداشتها" الأجمل. صرخت زهرة: - "أنا حنايَّ أحلى". ردت سالمة: - "لا أنا حنايّ الأحلى". احتدم النقاش من أجل وضع آلية أو تنظير لمقاييس الجمال. واتفقن على الآتي: أولا: الاحمرار القاتم الأقرب للسواد أو أخف بقليل. ثانيا: النقوش واضحة لا غموض فيها، حاوية كل العناصر الجمالية. ثالثا: خروج القدمين من دائرة الاحتكام والمفاضلة. بينما هي انسحبت مبتسمة لاقتناعها التام بنقوشها البسيطة والاحمرار الباهت لديها. وتذكر يومها كيف عادت باكيةً للبيت سائلةً جدتها..."حبوه ليش حنَّا سالمة أحلى عن حنايّ"؟ لم تجاوبها الجدة واكتفت بتهدئتها. ومع ذلك تكابر، واثقةً من نفسها منتظرةً أختها الكبيرة لتضع الخَلَفَ الأول، وبنفس النسق المنقوش على يديها. الدرج الأول " الدشداشة" الوردية اللون المليئة بورودٍ حمراء، صغيرة، كبيرة، متوزعة، متقاربة، مكثفة، تُربّت عليها، ترجعها مكانها. الدرج الثاني: السروال، يأخذ نفس قماش "الدشداشة"، وينتهي بمنطقة مليئة بخيوط فضية تتخذ شكلا معينا، يبدأ ببؤرة لمعين صغير، فمعين أكبر، فأكبر تربت عليه، ترجعه للدرج. الدرج الثالث: تحاول الوصول إليه، لا تستطيع، لم تتأخر الفكرة هذه المرة...الوسادة الأولى فوقها الثانية فالثالثة، مشبك شعرها الجميل على شكل فراشة كبيرة صفراء، تتوزع عليها بعض النقاط السوداء، تهزهز جناحيها لأدنى حركة. حذاؤها الأحمر المتمنطق بوردة سوداء، جلبته لها أختها الكبيرة من مكان لا تعلمه، سمعت بأنه مكان بعيد جدا. ترجع كل شيء. تطمئن. تبدأ الرحلة من جديد مع وسائد جدتها، وإعادة كل شيء كما كان. تعود للنوم... تسترق النظر ليديها، تبتسم كأنها متأكدة بتفوقها على جميع رفيقاتها، لأن النقوش وضعتها لها أختها الكبيرة، والتي ربما أتت أيضا من هناك من المكان البعيد جدا. لم تخرج من البيت حتى لا تُغَش نقوشها أو يسترق النظر إليها. ترمي بالغطاء من جديد،لا بد من تذكير أختها حتى لا تنسى: - "أريد نقشي أحلى من نقوش سالمة". تتذكر...أنها ترددت عليها ولأكثر من مرة لتؤكد عليها وبذات العبارة، وفي كل مرة تجيبها بود. كم ستسعد غدا، عندما تسكتهن بنقوش يديها...كم ستسعد. يحتضنها الفراش مهادا، يؤويها يتيمة، فقيرة، تسترق النظر...الخِرق ستحجب ضوء الشمس، تنهض، تزيح الخرق... ترجع للفراش، تمد يدها منتظرة. يُسفر الصبح، يتجلى، يتكشف.. تفتح عينيها.. تسترق النظر ليديها، أردفت..أرجفت، أوجفت، تبسمت ضاحكة..".