التنمية المحلية تتلقى تقريرًا حول نتائج المرور الميداني على 10 مراكز تكنولوجية في قنا    رشوة أوروبية في ملفي الهجرة وغزة.. أبرز نتائج زيارة المنقلب السيسي إلى بلجيكا    استشهاد طفل بنابلس، والاحتلال يقتحم طوباس بالضفة الغربية    أحمد حجازي يقود نيوم ضد الخليج بالدوري السعودي    أحياها محمد ثروت ومروة ناجي.. ليلة في حب حليم ووردة بمسرح النافورة    جديد سعر الدولار اليوم وأسعار العملات أمام الجنيه    مصطفى البرغوثي: الموقف المصري أفشل أخطر مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني    الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين: نجاح الجهود المصرية بتثبيت وقف النار إنجاز كبير    انخفاض جماعي في أسعار الفراخ والبيض اليوم 24 أكتوبر    طقس اليوم الجمعة.. تنبيه لتغيرات مفاجئة    تعرف على الحالة المرورية اليوم    موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر 2025.. تعرف على تفاصيل تغيير الساعة وخطوات ضبطها    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    محمد ثروت: «القلب يعشق كل جميل» غيّرت نظرتي للفن.. والأبنودي الأقرب إلى قلبي و50% من أعمالي معه    التفاصيل الكاملة ل اللوتري الأمريكي 2025 (الشروط ومن يحق له التقديم)    قاذفات «بي-1» الأمريكية الأسرع من الصوت تحلق قرب ساحل فنزويلا    تعطيل الدراسة أسبوعًا في 38 مدرسة بكفر الشيخ للاحتفال مولد إبراهيم الدسوقي (تفاصيل)    «مبحبش أشوف الكبير يستدرج للحتة دي».. شريف إكرامي يفاجئ مسؤولي الأهلي برسائل خاصة    سعر الدولار الأمريكي مقابل بقية العملات الأجنبية اليوم الجمعة 24-10-2025 عالميًا    بعد «أقدم ممر فى التاريخ» و«موكب المومياوات».. مصر تستعد لإبهار العالم مجددًا بافتتاح المتحف المصرى الكبير    عمرو دياب يتألق في أجمل ليالي مهرجان الجونة.. والنجوم يغنون معه    برعاية النائب العام الليبي، معرض النيابة العامة الدولي للكتاب ينظم مسابقة محاكاة جلسات المحاكم    استخراج جثة متوفي من داخل سيارة اشتعلت بها النيران بطريق السويس الصحراوى.. صور    في أجواء روحانية، طوفان صوفي في الليلة الختامية لمولد أبو عمار بالغربية (فيديو)    نوفمبر الحاسم في الضبعة النووية.. تركيب قلب المفاعل الأول يفتح باب مصر لعصر الطاقة النظيفة    أسماء المرشحين بالنظام الفردي عن دوائر محافظة بني سويف بانتخابات مجلس النواب 2025    الاتحاد الأوروبي يسعى لدور أكبر في غزة والضفة بعد اتفاق وقف إطلاق النار    في قبضة العدالة.. حبس 3 عاطلين بتهمة الاتجار بالسموم بالخصوص    فتاة تتناول 40 حبة دواء للتخلص من حياتها بسبب فسخ خطوبتها بالسلام    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء نيابات الأسرة    «مش بيكشفوا أوراقهم بسهولة».. رجال 5 أبراج بيميلوا للغموض والكتمان    وكيل صحة الفيوم تفتتح أول قسم للعلاج الطبيعي بمركز يوسف الصديق    «بالأرز».. حيلة غريبة تخلصك من أي رائحة كريهة في البيت بسهولة    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    الشناوي يكشف مكافأة لاعبي بيراميدز عن الفوز بدوري الأبطال    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة لأسرتك    نصائح أسرية للتعامل مع الطفل مريض السكر    سيلتا فيجو يفوز على نيس 2-1 فى الدورى الأوروبى    فحص فيديو تعدى سائق نقل ذكى على فتاة فى التجمع    طعن طليقته أمام ابنه.. ماذا حدث فى المنوفية؟.. "فيديو"    لماذا لم تتم دعوة الفنان محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يرد    مجلس الوزراء اللبناني يقر اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص    مدرب بيراميدز يتغنى بحسام حسن ويرشح 3 نجوم للاحتراف في أوروبا    محمد كساب: ستاد المصري الجديد تحفة معمارية تليق ببورسعيد    نجم غزل المحلة السابق يشيد ب علاء عبدالعال: «أضاف قوة مميزة في الدوري»    ماكرون: العقوبات الأمريكية ضد روسيا تسير في الاتجاه الصحيح    بعد المشاركة في مظاهرة بروكسل.. أمن الانقلاب يعتقل شقيقا ثانيا لناشط مصري بالخارج    رئيسة معهد لاهوتي: نُعدّ قادةً لخدمة كنيسة تتغير في عالمٍ متحول    راقب وزنك ونام كويس.. 7 نصائح لمرضى الغدة الدرقية للحفاظ على صحتهم    النيابة تكشف مفاجأة في قضية مرشح النواب بالفيوم: صدر بحقه حكم نهائي بالحبس 4 سنوات في واقعة مماثلة    إكرامي: سعداء في بيراميدز بما تحقق في 9 أشهر.. ويورشيتش لا يصطنع    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم بلغة الإشارة    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"فيروس سردي" مجموعة قصصية جديدة ل رشا فاضل
نشر في محيط يوم 10 - 08 - 2008

القاهرة: عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام، صدر للأديبة العراقية "رشا فاضل" مجموعتها القصصية "فيروس سردي". وهي المجموعة القصصية الفائزة بجائزة ناجي نعمان 2007م تقع المجموعة في 118 صفحة وتضم 12 نصًا قصصيًا.
من أجواء المجموعة القصصية "شرفة لا يطالُها الضوء" نقرأ:
يتكوّرُ المساءُُ عند شرفتِها معلنًا اقتراب تلك اللحظات المرتقبة، التي استوطنتْ أحلامَها وكيانها لليالٍ طويلةٍ، ها هي تمارسُ طقوسها الحميمةَ. كلُّ يومٍ تراه فيه بمثابةِ عرسٍ لها. ترتدي أبهى ما احتوته خزانتها. تغسلُ بالعطر الذي يعشقُ، ودون هذا كله يكفيه أن يرى ذلك الوهج الملتمع في عينيها، لكي يَعِي البهجة التي تستوطنُ روحها كلّما طرق بخطواته جدران انتظارها.
الوهج يُغطّي كلَّ شيءٍ، بيتُها الصغير، حديقتُها العابقة بزهور الكاردينيا، البيوت المجاورة، الشوارع، الفنادق الأنيقة، يغطي بغداد كلَّها. ها هو معجزتُها الأخيرة في زمن اللامعجزات. انتهت من لذّة انتظارها له. يبتلعها الثقب في جدار فضائه المفعم بالغبطة والدفء.
قبل أن يبتلعها الثقب، كانت هناك الكثير من الكلمات تعوم في بحيرة ذاكرتها. أقسمت؛ وكما في كل مرةٍ؛ أن تقولَها له، لكنْ الآن! عبثًا تشحن ذاكرتها المتلاشية مع دخان لفافته الهارب من نافذة السيارة. ينظر إليها بتلك العينين الصغيرتين وصوته المتعب يسألها:
- كيف حالك؟
لا تدري ما الذي يجب أنْ تقولَه.. كيف حالها؟! لما يسألها؟ ألم ير ذلك الوهج يشعُّ من كل مسامات جسدها الفضي؟!
ألم يشعر بحرارة كفها الصغير، وهي تقبضُ على كفه الكبيرة، كأنَّها تقبضُ على حلمِ حياتها؟
ترتبكُ، لفرط السعادة أو الحب. تحاول القبض على الحروف الهاربة "لا شيء. إني مشتاقةٌ إليكَ".
تصمت فجأةً، ثُمَّ تعود تردد بصوت خافت "مشتاقةٌ جدًا".
يُخيّل إليها أنَّ العالم يغتسلُ بمطرٍ أزرق، يغسلُ كلَّ شيءٍ، عيوب العالم، القلوب الحاقدة، الآثام. ويداعب سيارته الحمراء ذاتها التي كانت تسير بهما على ذلك الجسر الملتوي، وكأنّه يشدُّها إلى صدره بقوةٍ غير آبهٍ للمقود الذي يتحرك كيفما يشاء، وكما في الأحلام. ظلت السيارة تدور، وتدور، وظل هو يشدُّها إلى الحنايا السمر، من دون الاكتراث بصراخها وخوفها من الاصطدام.
لا تدري إن كان وجهُها يتصبب عرقًا، أم أنَّها قطرات المطر التموزي المعجزة، قد تسللت إليها عبر النافذة. يفاجئها صوتُه الجافُ المنهكُ وهو يقولُ لها:
"لقد أتعبتني عطلات السيارة الكثيرة. أكاد أشرف على الإفلاس".
- اغفر لها، فهي سيارتي الأثيرة على أية حال. إنَّ لنا فيها ذكرياتٍ موسومةً بالقلب والذاكرة.
تنبعث ضحكتُه من أرجاء السيارة، حتى تكاد تتخيل أنَّ له أكثرَ من حنجرةٍ. لا تفهمُ سر ضحكه المفاجئ. تصمت. تنطوي على نفسها، بينما يستمرُ هو في الضحك تارة، وفي النظر إليها تارةً أخرى. تهمس مع نفسها بما يُشبه الإقناع "لا بأس إن أضحكته، فإضحاكه في يومٍ من الأيام كان غايتي". تقبضُ على يده بشدة وتهمس:
-افتقدتك في الأيام الماضية. خلتك للحظاتٍ لن تعود، وإنني فقدتك للأبد، وقد تفاقم هذا الإحساس بعد الكابوس الذي بدأ يراودني أثناء غيابك.
تصمتُ قليلاً، ثُمَّ تعود تسترسل في الحديث كعرافةٍ تكشفُ عن مصيرٍ مفزعٍ:
- كنتَ بعيدًا عني. لحقتُ بكَ. ناديتُكَ. صرخت باسمكَ. استدار وجهُك إليّ وبدا لي أنَّكَ لا تسمعُ ندائي، ولا تعي حتى لغتي. كدت أُجنُّ بسبب هذا الكابوس، حتى أنني أوشكت على تصديق نبوءته. عندما طال غيابُك. تصوّرْ! إنني حلمتُ به البارحة أيضا!
يجيبُها بابتسامةٍ خاطفةٍ مغلفةٍ بالرضى وهو يقول لها:
- لقد ذكرتني بمأساة البارحة!
- ماذا حدث ؟
- لقد ساءت صحة أمي كثيرًا بسبب مشاكل أخي الذي يبعثرُ أمواله على الخمر، وأخي الآخر الذي عجز الأطباء عن إيجاد علاج لابنه المريض، أما أختي!... ينظر إليها. يجد عينيها شاردتين، كأنها تستمعُ لحديثٍ آخرَ.
- لماذا تصمتين؟!
- لا شيءَ، وماذا عن أخيك الآخر؟
- لقد تشاجرتُ البارحة معه. المشكلة إنّي أحبُّه ولا أقوى على رؤيته وهو يبعثرُ أمواله هكذا.
- يا إلهي!
- ماذا؟!
- انظرْ إلى بغداد!
- إنَّه انقطاع التيار الكهربائي. لا تشْغَلي بالك.
"كنتِ في أعماقي شعلة أضواءٍ ملونةٍ كأضواء العيد والفرح والطفولة. كان الوهجُ لا التيارُ يضيئُك. سأذكّره بذلك اللقاء الحار على متن هذا الجسر، قليل من الذكريات ينعش ذاكرة الحب".
- هل تذكر هذا الجسر؟
- هذا الجسر؟ وكيف أنساه؟!. الحمد لله هذه هي الصيدلية لا أريد أنْ أنسى الدواء لأمي.
الشارع يَغْرَق في العتمة. المصابيح الذابلة تصطف على الأرصفة كالأشباح البليدة. الحرُّ رهيبٌ. تختنق، وتشعر أنَّ هناك غمائم دخان تسبحُ في الجوِّ. تحاول خنقها. تفتح ياقة ثوبها الزهري مطيحة بأناقته.
يخيل إليها أنَّها هدأتْ قليلاً. تَعْبَث يدُها بأزرار المذياع القريب منها. يشدو صوتٌ عذبٌ يتغنى ب"من غير ليه" تبتسمُ مع نفسها وهي تردد كمَنْ وجد حبلاً للنجاةِ "أشعر أنِّ الحظ يقف بجانبي للمرة الأولى".
- إنَّها الأغنية التي تمنيت أنْ أُسمعَك إياها.
يُشعل لفافةَ تبغ بلا مبالاة. ينفث الدخان، بينما تبحث عيناه عن محطة الوقود. تظلُّ هي تعبثُ بأزرار المذياع، وهي تدندن الأغنية الأثيرة. يعلو صوتُ الأغنية. ترفع رأسها، لترى وقع كلماتها عليه، وهي هائمة في رسالة الحب المغناة. لا شيءَ سوى عينين شاردتين في بحثٍ مستميتٍ عن محطةِ الوقودِ، وفَمٌ يدندن الأغنية بحيادٍ. لا تدري لماذا تذكرت فجأة ذلك الرجل الإنجليزي، الذي كان يقبّل حبيبته وهو يقرأ الجريدة.
- إنَّها الأغنية التي حدثتك عنها.
يُدير رأسه نحوها. ينظر إليها. يصرخ.
- "إنَّه بلدٌ نفْطِي، وينبغي أنْ تملأ محطات الوقود كلَّ مكانٍ"
تشعر أنَّ رائحة الوقود تنبعث من فمه. يصرخ مرة أخرى :
- "اطفئي المذياع. لا أستطيعُ التركيز في البحث عن المحطة اللعينة"
كان الليل طويلاً جدًا، غارقًا في العتمة. لم تجد أمامها مفرًا من الانطواء على كيانِها الصغير. إنّه كيانُها الزاخرُ بمشاعر الخيبة والفقدان. كان صوت عبد الوهاب للمرة الأولى يبدو حزينًا جدًا، ووحيدًا جدًا، وهو يردد بألمٍ حقيقي:
"خايف طيور الحب تهجر عشها، وترحل بعيد.
خايف على بحر الدفا، في ليلة شتا يصبح جليد."
جليدٌ وصوت منقوع في السخرية واللامبالاة، هما كل ما تملك في ليلتها الموحشة هذه.
- "انظري يا حبيبتي، لقد عاد التيار الكهربائي، ها هي الأضواء الملونة تشتعل من جديد".
لكنَّها في الأعماق ازدادتْ غرقًا في الظلمة. كمْ تشتهي لو أنَّها تتذكّر البكاء. تمتنع عن كَبْحِ دموعها للحظات، ففي غمرة هذا الظلام لن يتمكن أحدٌ من رؤية دمعها.
أُطفأتْ الأنوار، وانحبس صوت عبد الوهاب أمام محطة الوقود الشاخصة نحوهما، الساخرة منهما بضحكة.
والمؤلفة رشا فاضل هي أديبة وإعلامية عراقية من مواليد عام 1975م، بكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة تكريت، سنة 1997م، عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين. حازت العديد من الجوائز الأدبية، منها:
جائزة ناجي نعمان الادبية العالمية في مجال القصة القصيرة، الجائزة الأولى في المسابقة الأدبية في الموسم الثقافي في جامعة تكريت 2004م، جائزة تقديرية في مسابقة الزمان للقصة القصيرة، عام 2005، وجائزة من إذاعة صوت البلاد - العراق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.