القاهرة: يفتتح كتاب "في الطريق إلى المشترك الإنساني: مؤشرات وتداعيات" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للمؤلف د. عبد الله التطاوي قائلا: "تأتي فكرة المشترك نتاجاً لحالة القلق، أو منطق الإضطراب الجدلي أو الحيرة الذهنية التي باتت تؤرق الأوساط الثقافية عبر حواراتها حول مشكلات الصراع الحضاري والتصادمية الفكرية، إلى الخروج من الأزمة بحثاً عن مستويات الحوار، أو تحالف الحضارات أو التثاقف أو التلاقي أو التفاعل قياساً على فلسفة "البرجماتية" وتطبيقاتها النفعية في زحام هذا التيه من التردد والقلق بما عمق منطق "فوكوياما" حول نهاية التاريخ أو "هينتنجتون" حول صراع الحضارات، أو ما ردده "بيرلسكوني" حول القضية ذاتها، أو ما طرحه الرئيس الأميركي "بوش" حول الحرب الصليبية، أو غير ذلك من صيحات غربية ليس لها حدود أو توصيف دقيق". يضيف التطاوي - كما نقلت عنه صحيفة "النهار" الكويتية - أننا نحتاج إلى دراسة المشترك والبحث عن متسع لدراسة المنطقة المشتركة والتي قد تبدو على المستوى الإنساني قادرة على الجمع بين الفرقاء مهما اتسعت بينهم شقة الخلاف التي قد ينتهي إليها الحوار باعتباره نمطاً من الجدل المستمر، خاصة أن الجدل يقوم بذاته بين أطراف قابلة للتنافر بقدر أوفر من قابليتها للتلاقي، حيث ينتهي الأمر- غالباً- إلى تعميق الخصومة أو ربما صناعة القطيعة لاسيما إذا بدأ من التعصب أو التشدد أو الإنغلاق حول رؤية المتحدث أو الإصرار على تغليب النظرة أحادية الجانب بما لا يفيد المساحة الجدلية إلا خسراناً. ولعل ما دعا إليه الإسلام ورسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم هو أرقى الأنماط الجدلية في التاريخ من الجدل "بالتي هي أحسن" بناءً على منطوق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وهو مقياس حضاري رائع وراق حيث صدر عن الرسول الذي جاء على خلق عظيم، فكان بالقوم رؤوفاً رحيماً، ولم يكن فظاً ولا غليظ القلب. ويضيف الكتاب: البحث عن المشترك يتجاوز منطق اللدد وتعميق الخصومة حتى مع اختلاف، سواء الفرقاء الذين يبذلون الجهد للتعارف على أوجه التلاقي واحترام مساحات التشابه بين الأمم والشعوب على مستوى الفكر والإبداع وما يدور حولهما من افرازات عقلية ووجدانية بات من الواجب تحديدها وتحليلها وقوفاً على أرض صلبة ورؤى متجانسة يحكمها ذلك التقارب وليس التطابق بالضرورة، حيث يظل المشترك غالباً ضامنا لاحترام الخصوصية والهوية والذاتية لكل أمة على حدة دون التضحية بمقدراتها ولا بتاريخها أو تراثها الإنساني في زحام قراءة المشترك خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار دلالات ست جمل فقط تمثل خطاً رفيعاً من أنماط الخطاب الديني الحضاري الجامع بين احترام الوحدة والتنوع معاً حيث خاطب الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم الناس قائلاً: أيها الناس ان ربكم واحد.. وان أباكم واحد.. كلكم لآدم.. وآدم من تراب.. ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى.. ان أكرمكم عند الله أتقاكم. فكانت تلك الإشارات المبكرة ارهاصات حقيقية للمشترك كما مثلت مداخل رحبة للتعارف بين الشعوب والقبائل التي انحدرت من "ذكر وأنثى" لتنتهي إلى شعوب وأمم. يؤكد الكتاب ان البحث عن مشترك يشكل مشروعاًَ علمياً وثقافياً جاداً الى حد الضرورة منذ تجلت نماذجه مثلاً من إنشاء طه حسين قسماً للدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الآداب، ومنذ سجل رؤيته حول مستقبل الثقافة في مصر، وحرص العالم لنشر السلام الإنساني ونشر قيم الصفح والتسامح بدلاً من الدموية والتدمير والعنف، لاسيما في ظل ما يدعو إليه البعض في الغرب من استخفاف غير مبرر، بمقدرات الحضارة العربية الإسلامية أو المساس بتراثها الإنساني.