بيروت: صدرت مؤخرا عن "دار الجمل" ترجمة جديدة إلى العربية لكتاب "النبي" تأليف جبران خليل جبران، وقام بالترجمة الشاعر العراقي الكبير سركون بولص الذي رحل قبل أشهر وترك المخطوط جاهزا، كما جاء بجريدة "المستقبل" اللبنانية. يعتبر كتاب "النبي" من أشهر كتب جبران على الإطلاق، يدور الكتاب حول زاهد يدعى "المصطفى" هم بالرحيل من مدينة "أورفليس" التي أحب أهلها، فتألم لفراقهم بالرغم من شدة لهفته، إلى مسقط رأسه، ولما تجمع الناس لوداعه طلبوا منه أن يزودهم بتعاليمه ونصائحه. في عام 1931، كتب جبران بخصوص "النبي": "شغل هذا الكتاب الصغير كل حياتي. كنت أريد أن أتأكد بشكل مطلق من أن كل كلمة كانت حقاً أفضل ما أستطيع تقديمه". وقد تحقق ذلك فقد بيع من هذا الكتاب في الولاياتالمتحدة وحدها، تسعة ملايين نسخة. وترجم إلى أكثر من أربعين لغة. فبدأت بذلك "المطرة"، وهي أول مرأة آمنت به، وسألته عن الحب الذي هو أساس الحياة، ومقرّب بين البشر، وكما أنه يسبب السعادة كذلك يسبب القلق والعذاب، وحديثه عن الحب حمله على التحدث من الزواج المثالي القائم على المحبة والمساواة وعن الأولاد، والعطاء، والألم، الخير والشر، والموت. ومن عناوين النصوص التي يحتويها الكتاب: المصطفى، المطرة، الزواج، الأبناء، العطاء، اللذة، الجمال، الحزن والفرح، الألم، الصداقة، الزمان، الدين، البيع والشراء، الخير والشر، الحرية، القانون، الجريمة والعقاب، الموت، الوداع. ومن الكتاب نقرأ: ..ها هي سفينتك قد جاءت، وينبغي لك الذهاب..لكننا نطلب منك، قبل أن تغادرنا، أن تخاطبنا، وأن تعطينا شيئاً من حقيقتك. لكي نعطيها نحن بدورنا لأولادنا، وهم، بدورهم، لأولادهم، وهكذا لن تمّحي. فأجاب المصطفى وقال: يا أهل أورفَليس، عمّ يمكنني أن أتكلّم سوى عن ذاك الذي تختلج به نفوسكم في هذه اللحظة بالذات؟ "الحب"..آنذاك، قالت المطرة: ألا فلتكلّمنا عن الحب. بصوت عظيم قال: عندما يومئ إليكم الحبّ اتبعوه، حتى لو كانت طرقاته وعرة وشائكة. وإذا ما طواكم بأجنحته فاخضعوا له، رغم أن السيف الخبيء بين براثنه قد يجرحُكم. وعندما يكلّمكم، صدّقوه، رغم أن صوته قد يحطّم أحلامكم كما تفتك ريح الشمال بالحديقة. ولا تفكر أنك تستطيع أن توجه الحب في مساره، فالحب، إن وجدك جديراً به، هو الذي يوجّه مسارك. ليست للحب رغبة أخرى غير أن يحقّق ذاته. وقالت امرأة تضم وليداً الى صدرها: حدّثنا عن الأطفال. فقال: أطفالكم ليسوا أطفالاً لكم. إنهم أبناء الحياة وبناتها في اشتياقها إلى ذاتها. ومن خلالكم يأتون، لكنهم ليسوا منكم، ورغم أنهم معكم فهم لا ينتمون إليكم. يمكن لكم أن تمنحوهم محبّتكم لكن ليس أفكاركم، فلهم أفكارهم هم أيضاً. يمكن لكم أن تقدموا مأوى لأجسادهم، لا لأرواحهم، لأن أرواحهم تسكن في بيت الغد، ذلك الذي لا تستطيعون زيارته، حتى ولو في الحلم. يمكنكم أن تجاهدوا لتصيروا مثلهم، لكن لا تحاولوا أن تجعلوهم مثلكم. لأن الحياة لا تمشي إلى الوراء، ولا تتلكأ بصحبة الأمس.أنتم الأقواس التي منها يُطلَقُ أطفالكم على شكل سهام حية. حامل القوس يرى الهدف على درب اللانهائي، ويُحنيكم بجبروته لتنطلق سهامه بأشد سرعة إلى أبعد ما يكون. دعوا انحناءكم في يد القوّاس يتمّ بغبطة؛ فهو وإن كان يعشق السهم في طيرانه، يحب أيضاً أن تكون القوس ثابتة في يده. ثم قالت امرأة: حدثنا عن الفرح والحزن. فأجاب: فرحكم هو حزنكم مجرداً من القناع. ونفس البئر التي كانت ترتفع منها ضحكاتكم، كانت مليئة بدموعكم في أكثر الأحيان. عندما تحس بالفرح، أنظر عميقاً في قلبك، وسوف تجد أن ما أعطاك حزناً في السابق، وحده الذي يعطيك الفرح الآن. عندما تشعر بالحزن، تطلع ثانية في قلبك، وسوف ترى أنك في الحقيقة تبكي من أجل ذاك الذي كان بهجة لك. البعض منكم يقول: "الفرح أعظم من الحزن". ويقول آخرون: "كلا، بل الحزن هو الأعظم". لكنني أنا أقول لكم، لا يمكن الفصل بينهما. معاً يأتيان، وحينما يجالسك واحد منهما بمفرده على الطاولة، تذكر، أن الثاني ينام في سريرك. وعن العطاء يقول: وهل الخوف من الحاجة إلا الحاجة ذاتها؟ أليست خِشْيَةُ الظَمأ، وبئرك ملأى، هو العطش لا تُروى له غلَّة؟ جميلٌ أنْ تُعطيَ من يسألك، وأجملُ منه أنْ تُعطي من لا يَسألك وقد أدركْتَ عَوَزَه ؛ ما أكثر ما تَقُول : لَتَصْبُوَنَّ نَفسي إلى العطاء، ولكن لا أُعطي إلا من يستحق ليس ذلك قول الأشجار في بُستانك، ولا القُطعان في مرعاك إنها تُعطي لتحيا ؛ لأن الاِمتناع عن العطاء سبيل الفَناء فالحق أنَّ الحياة هي التي تُعطي الحياة، ولستَ أنت. ويقول عن العمل: ولَعَمري إنَّ الحياة ظلامٌ إلا إذا صاحبها الحافز، وكُلُّ حافِزٍ ضرير إلا إذا اِقتَرَنَ بالمَعرِفَة، وكُلُّ معرفةٍ هباء، إلا إذا رافقها العمل، وكل عَمَلٍ خَواء، إلا إذا اِمتزج بالحُبِّ، فإذا اِمتزَجَ عَمَلُكَ بالحُبِّ فَقَد وصَلْتَ نَفسَكَ بنفسِك، وبالناس وبالله. وما يكون العمل الممزوج بالحُبِّ ؟ هُو أن تَنْسِجَ الثوب بِخيوطٍ مَسْلولةٍ من قلبك، كما لو كان هذا الثَّوب سيرتديه من تُحِب، هو أن تبني داراً والمَحَبَّة رائدك، كما لو كانت هذه الدَّار ستضُمُّ مَنْ تُحِبُّ. هو أن تنثُرَ البُذورَ في حنانٍ وتَجْمع حَصادَكَ مُبْتَهجاً، كما لو كانت الثِمارُ سيأكُلها مَنْ تُحِب، وإذا أنتَ عَصَرْتَ الكَرْمَ مُتَبَرِّماً، فَسَوفَ يتقاطرُ تَبَرُّمُكَ في الخمر سُماً. وعن الصداقة يقول: إن صديقك هو كفاية حاجاتك هو حقك الذي تزرعه بالمحبة وتحصده بالشكر. وإن فارقت صديقك فلا تحزن علي فراقه، لأن ما تتعشقه فيه، أكثر من كل شئ سواه، قد يكون في حين غيابه أوضح في عيني محبتك منه في حين حضوره. لأن الجبل يبدو لمن ينظر إليه من السهل أكثر وضوحا مما يظهر لمن يتسلقه. ولا يكن لكم في الصداقة من غاية ترجونها غير أن تزيدوا في عمق نفوسكم. وليكن أفضل ما عندك لصديقك.فإن كان يجدر به أن يعرف جزر حياتك.. فالأجدر بك أيضا أن تظهر له مدها. وليكن ملاك الأفراح واللذات المتبادلة مرفرفا فوق حلاوة الصداقة. لأن القلب يجد صباحه في الندي العالق بالأشياء الصغيرة، فينتعش ويستعيد قوته.