في كتابه "السجين" الصادر عن دار "أطلس" للنشر والإنتاج الإعلامي ، يكشف الكاتب الصحافي محمد منير جوانب مثيرة عن المساجين المشاهير ويبحر في أعماقهم ليلتقط أسراراً خطيرة وشهادات مهمة على عصور لم تعشها الأجيال الحالية من واقع ذكرياتهم التي سردوها له في حواراتهم معه والتي نال عنها جائزة أوسكار الصحافة العربية. في البداية يستعرض المؤلف وفقاً لجريدة "السياسة" الكويتية بعض المعلومات الطريفة والنادرة حول تاريخ السجون في العالم وحكاية أشهر السجون والمعتقلات قبل أن ينقل إلينا شهادات مشاهير المساجين في مصر أمثال: عبدالرحمن الأبنودي ومحمد سيد أحمد وجمال بدوي وصلاح عيسى ومحمود أمين العالم وسامي شرف وسامي خشبة وغيرهم. في اولى شهادات الكتاب يكشف الكاتب صلاح عيسى أشهر "المشاغبين السياسيين" في مصر, الكثير من أسراره فقد نشأ وسط أيديولوجيات مختلفة ومر بظروف سياسية واجتماعية متنوعة وعرف طريقه للمعارك السياسية مبكراً مع سخونة الأحداث التي عايشها اول حياته بدءاً من معركة الأسلحة الفاسدة ومروراً بمعارك الاستقلال والأحلاف والتسليح وتأميم قناة السويس ثم نكسة يونيو 1967 وصولاً لمعركته مع الرئيس الراحل أنور السادات بسبب زيارته لاسرائيل وتوقيعه على اتفاقية كامب ديفيد. ويكشف صلاح عيسى عن انتماءات عائلته السياسية المتنوعة فوالده كان وفدياً وعمه عضواً في حزب "مصر الفتاة" اليساري وأبناء عمومته كانوا من الاخوان ولذلك اندفع صلاح بقوة الى السياسة حتى غرق في أمواجها العاتية فاعتقله جمال عبدالناصر على خلفية انضمامه لتنظيم شيوعي سري, وذاق ألوان التعذيب في "سجن القلعة" الذي أودع فيه يوم عيد ميلاده, ثم تجربة اعتقاله الثانية بعد سنة واحدة من الإفراج عنه بسبب اتهامه بالتحريض على التظاهر .. ويكشف عيسى لماذا قال عنه الرئيس جمال عبدالناصر "الواد ده مش هيخرج من السجن طول ما انا عايش"! عندما تدخل خالد محيي الدين والزعيم الفلسطيني نايف حواتمة للإفراج عنه, ثم يروي حكايته مع السادات وسر استدعائه أكثر من مرة للنيابة قبل صدور أمر بالقبض عليه للمرة الثالثة العام 1977 وتفاصيل نجاحه في الهرب لمدة عشرة أشهر حتى قبض عليه!! ثم يعترف عيسى بصحة ما أشيع عنه أنه كان أول عربي توجه إليه تهمة القيام بعمل عدائي ضد إسرائيل العام 1981 وتأثير هذا الاتهام في الدفع به لجملة اعتقالات سبتمبر التي دخل خلالها 1536 شخصاً إلى السجن .. ومن الطرائف التي يتذكرها عيسى ، وفق "السياسة" ، وجوده في زنزانة واحدة في اعتقالات سبتمبر مع فؤاد محيي الدين الذي كان يهتف بسقوطه من قبل العام 1950. ووفق صحيفة "السياسة" الكويتية نقرأ ما ذكره المؤلف الأديب جمال الغيطاني الذي لاقى الكثير من التعذيب والإهانة في السجن حتى يعترف على زملائه لكنه قرر الا يفعل هذا, وكان يرى أن الموت أرحم , ويسترجع الغيطاني ذكرياته الأليمة منذ أن اقتحموا بيته في فجر أحد أيام العام 1966 وظلوا يفتشونه حتى اشرقت الشمس قبل اقتياده إلى "سجن طره" بتهمة الانتماء لتنظيم "وحدة الشيوعيين" وكان معه معظم المثقفين آنذاك في الليمان منهم الشاعر عبدالرحمن الأبنودي وسيد حجاب ويحكي للمؤلف ذكريات العذاب في السجن بإجبارهم على النوم واقفين والتعرض للإيذاء عند حدوث أي مخالفة وحالة الخوف التي أصابته عندما انتقل لمعتقل القلعة المرعب وحكاية الرقم 37 في حياته والذي كان ينادى به في الزنزانة الانفرادية ويتذكر وقائع التعذيب بالكهرباء والضرب بجنون وحكايته مع العسكري الأسود الذي كان يغتصب المعتقلين! من بين الشخصيات الثرية التي يضمها كتاب "السجين" المؤرخ جمال بدوي الذي كشف ذكريات مثيرة اذ اعترف بانحرافه عن مساره بعد وفاة والده وهو في سن المراهقة وتأثير ذلك على انضمامه الى الاخوان المسلمين رغم نشأته الوفدية الأمر الذي كان نقطة تحول مهمة في حياة جمال بدوي ثم يمضي متذكراً تفاصيل القبض عليه بعد "حادث المنشية" الشهير ونماذج التعذيب التي تعرض لها وقصة طابور أم كلثوم في السجن الذي كان يعتبر من الفقرات الرئيسية لتعذيب المساجين نفسياً وبدنياً حيث كانوا يجبرون على الوقوف في حر الشمس الحارقة في طوابير طويلة ويرددون أغنية أم كلثوم " يا جمال يا مثال الوطنية.. أجمل أعيادنا الوطنية برياستك للجمهورية" !! ويقول منير: لا شك في أن الأمر قد تطلب شجاعة كبيرة ممن قمت بمحاورتهم، حيث إنهم تحلوا بالبوح الصادق، وقالوا كثيراً من «المسكوت عنه» في العلاقة بين السلطة وبين الفكر المستقل، وقد اتضحت من خلال كلماتهم الصريحة ملامح بعض الأساليب البوليسية للسلطة، وكيفية تعاملها مع الفكر والثقافة في فترات من تاريخ مصر الحديث، كما تبدى كيف أن الحقيقة جرى تنازعها بين الفوقيين والتحتيين بعد ثورة يوليو 1952. ويشار إلى أن محمد منير؛ 31 عاماً؛ يعمل صحفياً في مؤسسة الأهرام، وهو عضو بالمنظمة العالمية للصحفيين الدوليين، وقد حصل في عام 2002 على جائزة التفوق الصحفي من نقابة الصحفيين المصريين عن كتابه «فنان الشعب» الذي صدر في شكل عدد خاص مع مجلة نصف الدنيا عن الفنان الراحل يوسف وهبي.