معظم المسلمين المنتشرين في شتى بقاع الأرض يقدرون ويعظمون قدر ومكانة السيدة الطاهرة الشريفة العفيفة السيدة حفصة (رضي الله عنها) ، ورغم ذلك فإن معظمنا لا يعرف شيئاً بسيطاً عنها أو عن حياتها ، وذلك بفضل ما كانت تمارسه سياسات النظام التعليمي البائد وجهات الثقافة الرسمية في تجهيل المصريين بصفة عامة والمسلمين في مدارسنا وجامعاتنا بصفة خاصة عن معرفة الشخصيات الإسلامية تحديداً الشخصيات النسائية المتميزة. ولقد نشأت السيدة حفصة في بيت عمر بن الخطاب (رضي الله عنه ) نشأة صالحة فكانت مؤمنة قانتة صادقة تمتعت بصفات الصدق والخشوع ، وكانت صوامة تائبة مجاهدة . ولقد تزوجت الطاهرة الشريفة السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب ( رضي الله عنهما ) من خنيس بن حذافة السهمي ، وهو أحد المهاجرين ، وهذا الرجل شارك في غزوتي بدر وأحد التي استشهد فيها ، وبعد وفاة زوجها وانقضاء عدتها أخذ عمر بن الخطاب في السعي إلى زفافها لأحد الصالحين ، فعرض زواجها على عثمان بن عفان ( عفا الله عنه ) لكنه لم يوافق على الأمر بقوله : " بدا لي ألا أتزوج اليوم" ، ثم طفق يعرض الأمر نفسه على الصديق أبي بكر ( رضي الله عنه) ، ولكنه لم يجبه بشئ يذكر بشأن هذا الموضوع ، وعن هذا يقول عمر : فلقيت أبا بكر الصديق ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة ، فلم يرجع إلي شيئاً . ثم طفق يعرض الأمر. فحزن عمر بشأن زواج ابنته ، فعرض حاله على حبيب الله ( صلى الله عليه وسلم )، فقال له : " يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، وتتزوج عثمان من هي خير من حفصة" . ثم خطبها لنفسه ، فزوجه عمر، وزوج عثمان بابنته رقيه ( رضي الله عنها) بعد وفاة أختها. وأكرمت السيدة حفصة بشرف الزواج بالنبي (صلى الله عليه وسلم ) ، فتعلمت الدين من مصدره السليم والصحيح، واكتسبت مكارم الأخلاق الحميدة على يد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ، ولولا أن السيدة حفصة كانت بعيدة عن أضواء الحياة السياسية بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لذاع صيتها كالسيدة عائشة في طلب العلم والحديث على يديها ، إلا أنها كانت أيضاً تعرض حديث الرسول حتى وفاتها أيام ملك معاوية بن أبي سفيان ( عفا الله عنه). ومن أشهر الحوادث التاريخية في عصرها هو حادثة جمع القرآن الكريم الذي تم في عهد الصديق أبي بكر ( رضي الله عنه) حينما عرض الأمر على عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) وتشاورا في الأمر ، حتى انتهى بهما المطاف إلى جمعه فجمعه الصحابي الجليل زيد بن ثابت. وبعد أن تم جمعه أخذت النسخة ووضعت عند أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه) ، فلما توفاه الله تعالى أخذ النسخة عمر بن الخطاب ، ولما استشهد الفاروق وهو يصلي على يد أبي لؤلؤة المجوسي ، أوصى عمر بن الخطاب أن تكون النسخة محفوظة لدى السيدة الطاهرة حفصة. وبعد أن تولى الخليفة عثمان بن عفان الخلافة ، توالت الفتوحات الإسلامية في عهده، ودخل الكثير من غير العرب الإسلام ، فأثروا في اللغة العربية ومقاماتها كما تأثروا بها أيضاً ، وكانت نتيجة هذا التأثر اختلاف القراءة القرآنية لاختلاف الألسنة واللهجات ، فعمد عثمان بن عفان أن تحرق كافة النسخ الموجودة للقرآن ، ذلك أن يوجد به أخطاء تحرف المبنى والمعنى، وخوفاً من اللحن في اللفظ القرآني الشريف الذي تعهد الله بحفظه. وسعى إلى الاعتماد على نسخة واحدة أصيلة ، وكانت هذه النسخة الأصيلة والسليمة هي الموجودة عند السيدة الفاضلة حفصة بنت عمر ( رضي الله عنهما ) ، فأخذت النسخة من عندها وتم نسخ القرآن أكثر من نسخة ووزعت على كافة الأمصار ، وأصبحت نسخة مصحف حفصة هي المرجع الرئيس لنسخ القرآن الكريم. ولابد للتاريخ الإنساني أن يحفظ دور السيدة حفصة عليه ، فتخيل لو ضاعت هذه النسخة من بيت السيدة حفصة ، ولكن كيف تضيع وهي امرأة أمينة حافظة ضن زماننا الحالي بامرأة مثلها نرى فيه الزوجة تهدر مال زوجها بغير حق ، وزمان نرى فيه امرأة حاكم تتصرف في مقدرات شعبها وكأنه ميراث خاص لها. ولكم أن تتخيلوا وجه الإسلام الحضاري الجميل ، فلم نر مثلاً رجالاً ومن هم ؟ هم صحابة رسول الله أن يعترضوا على وجود النسخة الوحيدة للقرآن عند سيدة ، ولكم من هي أيضاً ؟ هي زوج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . هكذا كان الإسلام ولعله يعود مجدداً كما كان.