الإسكندرية معقل المسلمين السنيين، خبر جديد علينا مكتشفه هو مراسل صحيفة النيويورك تايمز فى مصر، هذا أولاً كما يقول سيادته فى تقرير رفعه ونشرته جريدته أمس الأربعاء، أضاف إلى اكتشافه السابق اكتشافات أخرى أهمها أن المصريين يجهلون على إطلاقهم نظرية دارون التى ضمنها فى كتابه: "حول أصل الأنواع" والتى قال فيها إن الإنسان والقرد انحدار من سلالة واحدة ؛ بينما يعتقد المصريون - حسب قوله - أن الإنسان أصله قرد، وأنهم ما زالوا يعتقدون ذلك بعد 150 سنة من نشر دارون لكتابه. وعندما قرر المجلس الثقافى البريطانى الذراع الثقافية للحكومة البريطانية عقد مؤتمرا دوليا بشأن نظرية دارون فى مصر.. اكتشف صاحب الثقافة البيضاء (نسبة إلى لونه وبما أننا ننتمى للهنود الحمر) أن الأمر تحول إلى نقاش صدامى بين الدين والعلم لذلك قرر أن الإسكندرية معقل للمذهب الدينى السنى فى مصر. ومن هذا الحكم الذى جعله المراسل بديهية، انطلق يهيل التراب على التعليم الذى يتصادم مع مشاكل أصولية ليس فى مصر فقط ، ولكن فى المنطقة وكذلك الثقافة وجوائزها (ربما يقصد أو يلمز إلى جائزة سيد القمنى) ويمضى المراسل الأبيض يحاكم التعليم الذى يقوم على التلقين وينعدم فيه التفكير الإبداعي، وينعى نظرية النشؤ والإرتقاء لسالف الذكر دارون، حيث لا يتم تدريسها إلا فى مدارس قليلة.. وفى فقرة تالية يذكرّنا الرجل الأبيض أن تصنيف مصر فيما يخص جودة التعليم فى المدارس الأولية، جاء متأخراً جداً فى قائمة المنتدى الإقتصادى العالمى فمن بين 133 دولة جاءت مصر رقم 124 وهى المفروض أنها تمثل رأس مال العرب فى الثقافة والفكر.. وماذا بعد؟! هذا هو السؤال الذى يجب أيضاً أن نؤسس عليه بديهيتنا.. ماذا بعد.. هل يريدنا هذا التقرير أو هذه الصحيفة أو هذا المؤتمر الذى عقد فى الإسكندرية أن نصلح تعليمنا متدهور الحال بالفعل واليقين كما نعلم؟ الأجابة: لا أعتقد. وما أعتقده هو أن إصلاح التعليم من وجهة نظر هذا الرجل الأبيض وقرنائه يتمثل فى أن نسقط من حساباتنا أى قيم دينية، وإذا ما حدث هذا فإن الخطوة التى تليها سوف تكون دفعنا وحثنا على إدخال الإله للمعمل ووضعه على طاولة التشريح وإخضاعه لما تخضع له المادة.. فهذا هو التطور الذى تم فيه التخلص من الدين فى الغرب، والذى أوصل الغرب إلى إفلاسه الروحى الكبير الذى يعانى منه الآن هذا الإفلاس الذى هو ضد طبيعة الإنسان وفطرته حتى أن البعض الآن يخترع آلهة أو يبحث عند حاخامات اليهود عن آلهة فى أساطير القبالة وعن تفسيرات للغيبيات فى فلسفات الشرق الأدنى.. هذا ما وصل إليه الغرب وهو يريد منا السير على نفس الدرب ولإن التغيير لا يحدث فجأة فهو يأخذ بيدنا لنبدأ الطريق من أوله، فنطرد أولاً إله الديانات الكتابية ثم يبحث كل واحد منا عن إله يناسبه.. منتهى الجاهلية.