موسي .. وفرعون وبينهما عزمي تتراكم العلامات الخضراء والإشارات الحمراء، يوما بعد يوم ليتأكد معها أن مصر بطريقها حثيثا نحو تطبيق النموذج المزيج بين السياسي والعسكري، الذى جري تطبيقه فى دولتين بالتحديد هما "باكستان" .... و"تركيا"، وبالتالي اكتسب مسمي "النموذج التركي" باعتبار أن الأخيرة هي الأقرب لنا تاريخيا وجغرافيا وشعبيا.... وسياسيا. وبقراءة سريعة للمشهد الانتخابي، فيما يتعلق بعدد المترشحين الرئاسيين نجد أن عددهم قد تقلص إلى أربعة، على المستوي الواقعي، ووفقا لاستطلاعات الرأي غير الرسمية (لا توجد في مصر أية مؤسسة رسمية متخصصة فى استطلاعات الرأي، كأحد إفرازات النظام البائد الذي لم يُعر أي اهتمام لرأي الجماهير) بحيث لم يبق فعليا كأفراس رهان على مضمار الانتخابات الرئاسية سوي "عمرو موسي" – "د. محمد مرسي" – "أحمد شفيق" – "عبد المنعم أبو الفتوح"، فيما يناوش "حمدين صباحي" من بعيد، دون أمل إلا فى معجزة حقيقية، ربما تجعله يقبض على قصب السبق فى الرمق الأخير. من هنا لا يخفي على المراقب عن كثب، أنه وفى ظل الخسائر التى مني بها تيار السياسة المتأسلمة أخيرا، سواء على مستوي العمل السياسي، فى البرلمان والشوري، أو على المستوي الجماهيري، وحتى الثوري، (اعتصام وزارة الدفاع الفاشل – نموذجا) فإن أصوات كثير من المصريين، سوف تنقسم إما باتجاه مرشحي النظام البائد "عمرو موسي" و"أحمد شفيق"، وإما باتجاه مرشحي التيار الإسلامي، "مرسي" و"أبو الفتوح". الكتلة القبطية والمواطن العادي وتمثله الأغلبية الصامته (حزب الكنبة فى أيام الثورة) قد فقد ثقته بدرجة واضحة فى المتاسلمين، إلى حد ميله بشدة نحو مرشح يمثل كل سلبيات نظام فاسد مثل "أحمد شفيق"، أو قد يميل أكثر باتجاه فلوليِّ آخر هو "عمرو موسي"، أحد مهندسي عمليات التطبيع مع العدو الصهيوني، وأحد كبار رجال الأنظمة العربية – وليس نظام مبارك فقط – التى اندلعت الثورات ضد فسادها وديكتاتوريتها فى أكثر من بقعة مازالت ملتهبة على خريطة المنطقة. هناك أيضا الكتلة القبطية، وهي لا يستهان بها إطلاقا، نظرا لما تمتلكه من ثقل ونفوذ مالي وإعلامي، وعلاقات وثيقة بالغرب وأمريكا على وجه التحديد، ومن هنا فليس غريبا، أن تتوحد الرؤي المتفقة على شخص "عمرو موسي"، بين الغرب الخائف من كل ما "أخضر اللون" من جهة، وبين أقباط مصر من جهة أخري، وهؤلاء الأخيرين، كاد معظمهم يهرعون إلى مساندة أحد أخطر فلول النظام البائد على الثورة – اللواء عمر سليمان، كرد فعل طبيعي للاستحواذ السلفي – إخواني على المشهد السياسي الراهن، وهو رد الفعل الذي ازداد حدة، وبالاتجاه ذاته، بعد المشاهد المرعبة لفيلم "اعتصام العباسية" الدامي، من بطولة رجل القاعدة الأول فى مصر "محمد الظواهري"..! جرائم حرب أضف إلى ذلك، تلك التصريحات المثيرة للجدل التى أطلقها أخيرا "عمرو موسي"، لإحدى وكالات الأنباء العالمية الكبري، وأعلن فيها أنه إذا اصبح رئيسا فسوف يحرص على منح "العسكري" وضعا خاصا سواء فيما يتعلق بوضع السياسات العليا للبلاد، أو من حيث وضعه اللاحق، من خلال "مجلس أمن قومي"، يضم كبار رجال الدولة (عادي) ... أما غير العادي، فهو أن هذا المجلس سوف يضم قيادات المجلس الأعلي للقوات المسلحة، بما يضمن لهم الحصانة التى يحلمون بها لتحميهم من المساءلة القانونية والجنائية، سواء بشأن الفشل الذريع الذي اتسمت به إدارتهم للمرحلة الانتقالية، أو الجرائم – بما فيها جرائم الحرب - التى ارتكبت ضد المدنيين، فى نحو سبعة مجازر على الأقل، دون الأخذ فى الاعتبار أحداث فض اعتصام العباسية الأخير. تتكامل الصورة شيئا فشئيا إذن ويتأكد الأمر يوما بعد يوم، لتمضي مصر باتجاه النموذج التركي، قبل .... وليس بعد الحقبة "الأوردوجانية"، حيث كانت المؤسسة العسكرية هي الحاكم الحقيقي من وراء ستار، لمدة تربو على النصف قرن، إلى أن تمرد الشعب أخيرا، ويصعد بحكومة مدنية منتخبة، قام قائدها بخوض معركة كبري، تمكن فى نهايتها من تحجيم نفوذ العسكر، وكشف مؤامراتهم ، معيدا لكثير من قياداتهم إلى – مكانهم الطبيعى - ثكناتهم، وعاشت بعدها تركيا أزهي عصورها فى العصر الحديث، تماما تماما .. على عكس ما يُتوَقَّعْ لمصر..!