فهمي هويدي الإصلاحيون فى الجامعات المصرية لم يعودوا مختلفين فى نظر الأجهزة الأمنية عن المتطرفين والإرهابيين، ولذلك استحقوا أن يلاحقوا ويعتقلوا وينذروا بالفصل والتأديب جراء اقترافهم تلك «الجريمة. هذه ليست خيالات أو افتراضات، لأن أخبار الملاحقات وإنذارات الفصل نشرتها صحف الأسبوع الماضى وكأنها ضمن «الأنشطة» التى مورست فى مختلف الجامعات بعد افتتاح العام الدراسى. صحيح أن كلمة إصلاحى فى مفهومها اللغوى وحتى الاصطلاحى، محملة بمعان إيجابية لا توصل أى إنسان إلى السجن ولا تعرضه لأى عسف أو إيذاء. * فالصلاح فى القاموس المحيط نقيض الفساد، وهو سلوك طريق الهدى، وقيل هو استقامة الحال على ما يدعو إليه العقل والشرع. * لكن المصطلح أصبحت له معان سلبية أخرى فى الوقت الراهن، رغم أن الصحف كانت قد أطلقت شائعات يوما ما عن إصلاح سياسى فى مصر، وتحدث البعض عن تيار إصلاحى داخل الحزب الحاكم لكن الذين تداولوا المصطلح آنذاك كانوا يعلمون أن الإصلاح السياسى كان مجرد فرقعة إعلامية أريد بها تجميل النظام فى مرحلة معينة، وتسويغ تمرير التعديلات الدستورية التى أعادت مصر إلى الوراء عدة سنوات، بإطلاق يد الأجهزة الأمنية فى احتجاز الناشطين ومراقبة هواتفهم إلى جانب التوسع فى المحاكم العسكرية. * كما أجازت محاكمة المدنيين أمامها. وتكفلت بتضييق الترشح لرئاسة الجمهورية بحيث يظل ذلك مقصورا على مرشح الحزب الوطنى الذى هو بالمصادفة البحتة إما الرئيس مبارك أو ابنه. إن شئت فقل إن هدف الإصلاح السياسى الذى جرى تسويقه آنذاك كان تثبيت الوضع الراهن وتأبيده، لكن الأمر اختلف حين تشكلت هذا العام الجمعية الوطنية المصرية للتغيير، التى أدركت منذ اللحظة الأولى أن الإصلاح الحقيقى على النقيض تماما من الشعارات والإجراءات التى رفعها الحزب الحاكم، * وحين تبين لبعض الشباب أنه لا سبيل إلى تحقيق الإصلاح إلا بتغيير ما هو قائم بدلا من تأبيده، تحول مفهوم المصطلح من الإيجاب إلى السلب. وأصبحت الدعوة إلى الإصلاح شبهة تصنف أصحابها ضمن المتطرفين الإرهابيين الساعين إلى الإساءة لسمعة البلد وتكدير الأمن العام. حسب التقارير التى نشرتها الصحف المصرية فإن جريرة الطلاب الذين لاحقتهم الأجهزة الأمنية لم تكن فقط أنهم اعتبروا أنفسهم إصلاحيين داعين إلى التغيير، ولكن أن عددا غير قليل منهم كانوا من الإخوان المسلمين الأمر الذى يعنى أنهم محظورون رفعوا شعارا محظورا. وهو ما جعل تهمتهم مضاعفة ووفر «ظرفا مشددا» للجرم الذى اقترفوه. فى عام 1948 حين حاول بعض الوطنيين فى اليمن الانقلاب على طغيان الإمام يحيى، وأعلنوا وقتذاك أنهم يطالبون بوضع دستور للبلاد، ولكن أبواق الإمام وبطانته أشاعوا أن مطلبهم يعنى رفض الاحتكام إلى كتاب الله وتطبيق شريعته، الأمر الذى أغضب العوام وهيج الرأى العام ضدهم، وبسبب تلك التعبئة أصبحت الدعوة إلى الدستور تهمة وسبةَّ، وحين كان يساق أولئك النفر من الوطنيين إلى المحاكمة كان الناس يوجهون إليهم الإهانات، باعتبار أنهم «مدَّسترين»، بما يعنى أنهم من المارقين الضالين. ليس جديدا هذا اللعب بالمصطلحات، فكلمة الإرهاب كانت فى بداية الثورة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر) عنوانا إيجابيا مسكونا بقيمة الدفاع عن الثورة ضد أعدائها، * لكن الكلمة ذاتها أصبحت لاحقا عنوانا على الانقضاض على المجتمع وترويع أهله، وهو ما يعنى أن المفهوم الاصطلاحى للكلمة يمكن أن ينصرف إلى الشىء ونقيضه، إذا كان الطرف الذى يستخدمه يملك من أسباب القوة ما يمكنه من فرض المعنى الذى يريده، سلبا كان أم إيجابا. إن الأجهزة الأمنية التى تلتزم بتوجيهات السياسة ومقاصدها لم تعد تكتفى بالتحكم فى حريات الناس ومصائرهم، ولكنها أصبحت تتحكم أيضا فى غسيل أدمغتهم وفى اللغة التى تتداولها ألسنتهم.***