تناقلت وسائل الإعلام المصرية خبرا صغيراً حول لجوء الفنانة الكبيرة نادية لطفي لبيع مذكراتها الشخصية من أجل الحصول على مصاريف حياتها اليومية و تحديدا نفقات علاجها بعدما قاربت على الافلاس و الاستدانة بعد ان باعت كل ما تمتلكه في الحياة و اتى الدور على مذكراتها وهو الموقف الذي يعيد تكرار نفسه بعدما اجبرت الظروف القاسية العديد من الفنانين في مصر و العالم العربي على تكرار الشئ ذاته و ربما تكون العظيمة الراحلة زينات صدقي خير دليل عىل تكرار تلك المأساة ولدت زينب محمد سعد التي ستعرف فيما بعد باسم "زينات صدقي" في 20 مارس عام 1913بحي الجمرك بمدينة الإسكندرية. التحقت في طفولتها بالمدرسة الابتدائية لكن والدها قرر إلغاء تعليمها وإبقائها في المنزل حتى يأتيها "ابن الحلال". كانت زينات صدقي جميلة في صغرها فكان قوامها ممشوقا وعيناها خضراوان . تزوجت لأول مرة عندما كانت في الخامسة عشر من عمرها من احد أقاربها وعاشت معه فترة قصيرة، وقبل أن تصل للسابعة عشرة اضطرت لمواجهة الحياة بمفردها فغنت في ملاهي الإسكندرية، حيث كانت في طفولتها تردد ما تسمعه من اسطوانات مشاهير المطربين في عصرها. انتقلت إلي القاهرة للبحث عن فرصة عمل حيث عملت كمضيفة في كازينو بديعة مصابني، إلا أن بديعة اختارت لها الرقص إلى جانب تحية كاريوكا وسامية جمال. لكن بعد فترة قصيرة من الوقت قررت زينات صدقي التوقف عن الرقص رغم أن بديعة مصابني حاولت إغرائها برفع أجرها لكنها رفضت. شاركت مع صديقتها خيرية في فرقة أمين عطا الله وسافرت معها إلي الشام، وفي احد الليالي ارتجلت حوارا كوميديا فوق المسرح، حوّل المشهد المأسوي إلى كوميديا صاخبة جعلت أمين عطا الله يفصلها من فرقته. لعبت الصدفة دورا كبيرا في اكتشاف الريحاني لها . ففي احد الليالي المسرحية اعتذرت ماري منيب عن أداء دورها في فرقة الريحاني لمرضها، ولم يجد الريحاني أمامه سوى الاستعانة بالوجه الجديد "زينات صدقي" التي فاجأته بأداء كوميدي رائع جعل الريحاني يطلب من بديع خيري كتابة دور خاص لها في المسرحية. كان نجيب الريحاني أول من صنع لزينات صدقي شخصيتها الفنية التي أحببناها جميعا وهي شخصية بنت البلد الشعبية التي فاتها قطار الزواج، بعد ذلك فتحت السينما أبوابها لها وظهرت في فيلم «بسلامته عاوز يتجوز»، ظلت زينات صدقي مرتبطة بفرقة الريحاني إلى أن توفي نجيب الريحاني، وتوقفت عن العمل في المسرح حتى العام 1954، عندما كون إسماعيل ياسين وأبو السعود الابياري فرقة مسرحية ظلت إحدى نجومها قبل ان تعتزل المسرح تماما عام 1960. وكما ذكرنا أن اسمها الحقيقي كان "زينب"لكن نجيب الريحاني اقترح تغييره إلى زينات واختارت هي اسم "صدقي"، كلمسة وفاء لصديقتها "خيرية صدقي" التي كانت مرتبطة بها، وكانت خيرية وراء الزيجة الثانية لزينات صدقي، عندما كانت في زيارة لأحد أقاربها الذي يعمل في مسرح الريحاني وهو الملحن إبراهيم فوزي، إلا أن حياته الزوجية مع زينات كانت قصيرة. أما زيجتها الثالثة فكانت من ضابط في الجيش وانتهت أيضا بعد فترة قصيرة. اشتهرت زينات صدقي بالبساطة والتلقائية، وأسرة زينات صدقي المتواضعة والحي الشعبي الذي عاشت فيه ساهما في بناء ملامح شخصيتها الفنية. وهي تعتبر أفضل من قدم شخصية بنت البلد الشهمة المرحة سليطة اللسان، وكان أنور وجدي يحرص على الاستعانة بها في أفلامه حتى لو في مشهد واحد، والغريب أن زينات صدقي كانت خجولة في حياتها الحقيقية . اشتركت زينات صدقي في تمثيل حوالي 158 فيلما، كان أولها فيلم "الاتهام" سنة 1934، وآخر أفلامها كان "بنت اسمها محمود" عام 1975 التي صورته قبل وفاتها بثلاثة أعوام . وكان أول أعمالها المسرحية مع فرقة الريحاني "الدنيا جرى فيها إيه"، بدأت زينات صدقي في الاختفاء عن الأضواء. وقبل وفاتها جلست 16 عاما في منزلها دون عمل. وانزوت داخل دائرة النسيان والتجاهل، فتدهورت ظروفها المادية منذ منتصف الستينات من القرن الماضي مما جعلها تبيع أثاث منزلها كي تقتات، وعرف بمأساتها الناقد جليل البنداري فنشر مقالا عن ظروفها الصعبة وكتب يقول "لا أصدق أن فنانة من تلميذات الريحاني يحدث لها هذا، إن أخف الممثلات دما تبيع أثاث بيتها قطعة قطعة من أجل الطعام". وقصة جمال عبد الناصر معها قصة إنسانية فقيل أن الرئيس عبد الناصر قرر تكريم عددا من الفنانين، وكان من بينهم زينات صدقي لكنهم لم يستطع منظم الاحتفال العثور عليها، وقيل أن الرئيس عبد الناصر طلب من المخابرات العامة العثور عليها، ونجح الأمر وعثروا عليها في أطلال بيت متهالك في أحد الأرياف، وكانت في حالة يرثي لها. كرمها عبد الناصر وبعد 10 سنوات من نشر مأساة زينات صدقي دعاها الرئيس السادات لحضور حفل لتكريمها، واستلام شيك بألف جنيه لكنها لم تجد في خزانة ملابسها ثوبا مناسبا لذلك الاحتفال فاقترضت "جيبه وبلوزة" لحضور الاحتفال فمنحها الرئيس السادات معاشا استثنائيا مدى الحياة. عادت إلى منزلها الذي كان يقع في شارع جانبي متفرع من عماد الدين وهي سعيدة فأخيرا ستسدد ما عليها من ديون، بعد شهور من تكريمها تدهورت حالتها الصحية، وظلت ثلاثة أشهر تصارع مرض الرئة وهبوط في القلب، ولفظت أنفاسها يوم 2 مارس 1978 عن 66 عاما، لتنطفئ أجمل ضحكة لا يزال صداها يتردد داخلنا حتي الآن .