اسلام محمد ابو العطا برحيل الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي نستطيع أن نقول إن الأزهر يقف الآن على شفا مرحلة صعبة جدا في تاريخه الطويل الذي يمتد لأكثر من ألف عام، فالحق يقال إن الشيخ الراحل استطاع ببراعة أن يصنع توازنًا فريدًا من نوعه في كل ما تعرض له من فتاوى وقضايا كانت كل واحدة منها بمثابة اللغم الذي على وشك الانفجار، ولعل البداية كانت مع فوائد البنوك التي أباحها ورأى أنها لا تدخل في باب الربا المحرم، وفى نفس الوقت أشار إلى أن الخلاف الفقهي بين العلماء في هذه المسألة يدخل في باب الاجتهادات الفقهية والاختلافات هذه إنما هي من رحمة الله بعباده، فمن أراد أن يأخذ بفتوى الإباحة فليفعل ومن أراد أن يبتعد عنها فله ذلك. وفى المقابل نذكر له أنه تصدى لفتاوى تحديد النسل وأصر على رفضها وإن كان قد أجاز التنظيم بناء على ضرورات طبية وهو نفس ما فعله في مسألة الختان حيث أصر على أن يكون الرؤى فيها لأهل الطب، وكذلك في زراعة الأعضاء حين دعا إلى مؤتمر مجمع البحوث العام الماضي والذي كان مخصصًا لمناقشة زراعة الأعضاء مع نقيب الأطباء وعدد من المتخصصين وأصر على أن يكون رأيهم هو المقدم. مشكلة الإمام الراحل الكبرى أنه كان متهمًا دائمًا بتسييس الفتوى وكل رأي يطرحه أو حكم فقهي يصدره تقوم الدنيا ولا تقعد باعتبار أن هذا هو رأى الدولة وان طنطاوي يعطيهم الشرعية لهذا وقد ظل هذا الحكم لصيقا بالرجل طيلة حياته حتى منذ أن كان مفتيًا للديار المصرية وقبل توليه مشيخة الأزهر. وأرى أن هذا ظلم بين للرجل الذي ما كان يقبل أن يبيع دينه بدنياه من أجل إرضاء حاكم وكل ما في الأمر أننا اعتدنا على الآراء الجامدة والقوالب المعلبة التي لا نريد غيرها ولعل السبب في هذا هو إغلاق باب الاجتهاد سنوات طويلة حتى فوجئنا بسيل من القضايا العصرية والمستجدة التي وقفنا أمامها وعلت أصوات المنغلقين تطالب بالجمود فقط، ولما اجتهد الرجل حاربوه واتهموه بأنه رجل الحكومة وأعتقد أن المرحلة القادمة ستثبت صدق ما قاله هذا الرجل. وهذا نفسه هو التحدي الجديد الذي سيكون أمام الشيخ الجديد سواء كان الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر أو الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية أو الدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف أو حتى الدكتور عبد المعطى بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية، فكلهم مرشحون بقوة لنيل هذا المنصب الرفيع، وسيكون على شيخ الأزهر الجديد مواجهة ملفات شائكة وأكثر تعقيدًا. من هنا أرى أن الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية هو الأوفر حظًا من رفاقه لنيل المنصب الرفيع، لماذا؟ لأن الدكتور على جمعة أثبت من خلال توليه منصب الإفتاء في مصر أنه أولا عالم كبير ومجتهد متميز، يضاف إلى هذا تمتعه بقوة شخصية وحجة وقدرة كبيرة على الإقناع كما أنه بارع جدا في التعامل مع الإعلام أو لنكون أكثر دقة في المناورة مع الإعلام، فهو يعرف متى يقول ومتى يصمت . على كل الأحوال يبدو أن الأمور ستكون مؤجلة لحين عودة الرئيس مبارك من رحلة علاجه بالخارج وحتى هذه اللحظة أدعو أن نرفع أيدينا عن الأزهر وألا تنهال السهام عليه، وفى نفس الوقت علينا ألا نتذكر الإمام الراحل إلا بالخير سواء اختلفنا أو اتفقنا معه، ولا ننسى انه الآن من أهل البقيع في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبجوار صحابته الأبرار الذين دافع عنهم بشدة في أيامه الأخيرة خاصة في المؤتمر الأخير لمجمع البحوث الإسلامية الذي أعلن فيه بكل قوة أن من يسب الصحابة خارج عن الدين، وسبحان الله وكأنه لبى نداءهم فدفن إلى جوارهم ولمن لا يعرف فان أهل البقيع هم ثاني من يبعثون بعد الأنبياء. أمر أخير أحب إن أنوه إليه ، وهو أنه قد تردد في الساعات الأخيرة فكما هو معروف أن الإمام قبل رحيله قد أعلن أكثر من مرة أنه متبرع بأعضائه بعد رحيله، فلماذا لم ينفذ أولاده وصيته؟ خاصة وأنه قد تم نقل الجثمان مباشرة إلى المستشفى حيث كان يمكن هناك تحديد الأعضاء الصالحة للزرع، ومع ذلك تم دفن الجثمان مباشرة دون هذا الإجراء، فهل يعتبر ذلك مخالفة لوصية الإمام الراحل أم أنه قد تراجع عنها دون إعلان؟ أم أن ظروف الوفاة المفاجئة حالت دون حتى التفكير في الأمر؟ أسئلة اعتقد أن أسرة الإمام بحاجة للإجابة عليها حتى نغلق الباب على مثل هذه الأمور تمامًا.