مازلت غير مصدق أن المنتخب المصرى سوف يذهب إلى القدس لكى يشترك فى مباراة ودية مع المنتخب الوطنى الفلسطينى. ولم أفهم حتى الآن سر استدراج المنتخب المصرى إلى ذلك الفخ الفضائحى. الذى قد يمثل صفحة مشينة وسوداء فى تاريخ الرياضة المصرية. ولا أعرف كيف انطلت ذريعة مساندة الشعب الفلسطينى بهذه المباراة على المسئولين فى الاتحاد المصرى لكرة القدم، الذين لابد أنهم يقرأون الصحف التى تنقل إلينا كل صباح أخبار الجرائم التى ترتكبها إسرائيل فى القدس والضفة الغربيةوغزة. ذلك أن إسرائيل حين تستمر فى طرد الفلسطينيين من بيوتهم لتهويد القدس، وفى توسيع المستوطنات واقتحام المسجد الأقصى، وسرقة الآثار الإسلامية، وحين تستمر فى احتجاز 11 ألف سجين فلسطينى، وفى محاصرة قطاع غزة. وفى ذات الوقت تواصل تجريف أراضى الفلسطينيين واعتقال شبابهم وتصفية القيادات الفلسطينية. حين تقدم إسرائيل على ذلك كله، فإن زيارة المنتخب المصرى لكرة القدم تصبح أكبر دعم لسياستها. وأكبر دعاية لصالحها أمام العالم الخارجى، الذى لن يرى فى هذه الحالة جرائمها، ولكنه سيرى نجوم المنتخب المصرى الذين حازوا شهرة عالمية مقدرة بعد فوزهم بكأس أفريقيا للمرة الثالثة، وهم يلعبون على أرضها، تحت حراسة الجنود الإسرائيليين ووسط ترحيب وحفاوة الفلسطينيين. لا أتصور أن يساق نجوم المنتخب المصرى لكى يدخلوا من البوابة الإسرائيلية وتحمل جوازات سفرهم أختاما إسرائيلية ثم يقيموا فى ذات المدينة التى يمحى فيها كل أثر للعرب والمسلمين، فى حين يستعد المتطرفون المهيمنون لبناء ما يسمونه هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى. وكيف تستريح ضمائرهم وهم يشاهدون فى بعض شوارعها العائلات الفلسطينية التى طردت من بيوتها، فشردت مجددا، ولم تجد سوى الأرصفة مأوى لها. ثم يقال إن زيارة المنتخب بمثابة مساندة معلنة للشعب الفلسطينى. إن نجم الكرة المصرى محمد أبوتريكة حين أبرز لافتة «الحرية لغزة» فى إحدى المباريات، فإنه اختار تعبيرا نبيلا عن مساندة الفلسطينيين المحاصرين، وإذا ما أعلن نجوم المنتخب الآن أنهم يرفضون الذهاب إلى إسرائيل الغاصبة، وأنهم لن يدخلوا إلى القدس إلا حين يستعيد الفلسطينيون حريتهم، ولن يصلوا فى المسجد الأقصى وهو لايزال تحت الأسر، فإن ذلك من جانبهم يعد أكبر دعم للشعب الفلسطينى. أما ذهابهم إلى القدس فى الظروف الراهنة بالذات فإنه يعد طعنة للشعب الفلسطينى، بل جريمة أخلاقية وسياسية بحق ذلك الشعب. لقد علمت من الدكتور باسم نعيم وزير الشباب والرياضة فى قطاع غزة أن أكثر من دعوة وجهت إلى اتحاد كرة القدم المصرى لملاقاة الفرق الرياضية الفلسطينية، بما يمكن أن يعد دعما حقيقيا للفلسطينيين الذين يحاصرهم الاحتلال. ولأن هؤلاء كانوا سيذهبون من خلال المعبر المصرى الفلسطينى دون الحاجة إلى تأشيرات الاحتلال، فإن ذلك كان سيجنب الفريق وصمة الختم الإسرائيلى على جوازات سفر اللاعبين. ولكن هذه الدعوات كانت تقابل بالاعتذار من الجانب المصرى بحجة الانقسام الفلسطينى وعدم الرغبة فى دعم فريق ضد آخر. وهى حجة قبلوها على مضض. إلا أن فكرة المباراة بين الفريقين المصرى والفلسطينى فى القدس تمثل انحيازا حقيقيا أفدح وأخطر، لأنها فى هذه الحالة تقام لصالح الإسرائيليين ضد الفلسطينيين. إننا إذا أخرجنا من المعادلة ذريعة دعوة المنتخب المصرى لمساندة الشعب الفلسطينى، فقد نجد مصالح أخرى أصغر تبرز فى الأفق. منها ما يتردد عن حرص بعض المسئولين فى اتحاد كرة القدم المصرى على كسب ثقة مسئولى الاتحاد الدولى الذين يهمهم الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها. منها أيضا أن فى الطرف الفلسطينى عناصر متحمسة للتطبيع، وقد قام أحدهم قبل حين بترتيب مباراة فى إسبانيا بين فريق من الشبيبة الفلسطينية وبين فريق آخر إسرائيلى لكرة القدم. أيا كان الأمر. فالدعوة مريبة والهدف منها ليس برئيا بأى حال، وأخشى ما أخشاه أن تكون الضحية فى نهاية المطاف هى سمعة ورصيد الاحترام الذى يحظى به المنتخب القومى المصرى لذا لزم التنويه.