"اتفق العلماء على أنه إذا استخدمت النقود كمقصود للبيع حدث الفساد، لذا فإن شراء الأسهم بغرض المتاجرة فيها حرام شرعا، لكن شراء هذه الأسهم بغرض الحصول على نسبة من الأرباح التى حققها هذا الكيان الذى أصبحت شريكا فيه بموجب الأسهم فلا شيء فيه، ولا مانع من بيع هذه الأسهم أو بعضها لأغراض غير التجارة".. هذا ما أكده د. محمد عبد الحليم عمر مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى بجامعة الأزهر، فى حواره مع "مصر الجديدة" والذى حدد من خلاله أبرز ملامح النظرية الاقتصادية الإسلامية وكيفية مواجهة الأزمة المالية العالمية وتحليل أسبابها من منظور اقتصادى إسلامى.. حيث أكد د. محمد عبد الحليم عمر أن الأزمة المالية العالمية الحالية ترتبت ببساطة عن التوسع الجنونى فى تجارة المشتقات المالية، حيث أن المتعارف عليه اقتصاديا أنه لكى تستقيم الأمور لابد أن يقابل أى تيار سلعى تيار مالي، شريطة أن تتساوى قيمة الأصول السلعية بالأموال الموجودة بالسوق، وحدث الخلل يؤدى إلى الأزمات، والحاصل الآن أن نسبة التيار السلعى إلى التيار المالى يقدر ب(1 : 9)، فهناك تضخم مالي. وأشار إلى أن هذا التضخم المالى نتج عن وجود أسواق للديون وأخرى للنقود، وتحولت هذه الوسائط المالية إلى أصول يتم التعامل عليها مباشرة، ليس هذا فحسب بل أصبحت أسهم الشركات المنشأة للاقتصاد الحقيقى والمملوكة للأفراد يتم التعامل عليها بشكل لا يمت بصلة للواقع، فالتجارة فى الأسهم أصبحت بعيدة كل البعد عن الواقع، بحيث تجد هذه الأسهم تحقق مكاسب بغض النظر عما يحدث للشركة فى الواقع. وقال مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي: ما حدث نتيجة هذه الممارسات غير المنضبطة أن أصبح حجم أسهم الشركات عالميا يقدر بقرابة 60 تريليون دولار فى حين أن حجم الشركات الفعلى يقدر بحوالى 48 تريليون دولار، ليس هذا فحسب بل ظهرت مؤخرا بشكل مفزع تجارة المشتقات المالية، التى تقدر قيمة تعاملاتها سنويا بقرابة 480 تريليون دولار أغلبها تجارة فى الديون. وأضاف: هكذا، ترتب على هذه الممارسات الرأسمالية غير الأخلاقية حدوث هذه الأزمة، التى سوف يترتب عليها بلا شك آثار مدمرة على الجانب الحقيقى من الاقتصاد، خاصة أن هذه الأزمة المالية تطول البنوك وغيرها من المؤسسات المصرفية، المسئولة عن تمويل المشروعات الاقتصادية، وبلا شك سوف تكون هذه المؤسسات أول الخاسرين ثم تنتقل الآثار إلى القطاع الحقيقي. ونبه الدكتور عبد الحليم عمر إلى أن كل هذه الممارسات غير الأخلاقية الضارة يحرمها النظام الاقتصادى الإسلامى حرصا على مصلحة المجتمع وحماية لاقتصاده من التعرض لمثل هذه الأزمات، حيث أن الأصل فى الاقتصاد الإسلامى أن يعمل المسلم ويتاجر لينتج بلا تراكم للديون لأن هذه الديون شرعها الإسلام لتكون فقط للحال، فلا مشروعية للتجارة فى الديون، بل الأصل هو المتاجرة بالملكية كأن يدفع من يملك ثمن مشروع مقابل الحصول على هامش من الربح. وشدد على أن النظرية الاقتصادية الإسلامية لا تتعامل أبدا مع النقد لذاته، بل هو وسيط فقط للتعامل ولا يمكن الاتجار فيه أبدا، لأن العلماء اتفقوا فيما بينهم على أنه إذا استخدمت النقود كمقصود للبيع حدث الفساد، موضحا أن شراء الأسهم بغرض المتاجرة فيها حرام شرعا، لكن شراء هذه الأسهم بغرض الحصول على نسبة من الأرباح التى حققها هذا الكيان الذى أصبحت شريكا فيه بموجب الأسهم فلا شيء فيه، ولا مانع من بيع هذه الأسهم أو بعضها لأغراض غير التجارة. وخلص الدكتور عبد الحليم إلى أن القول بأن الرأسمالية تملك القدرة على ترتيب أوراقها للعودة على ما كانت عليه من قوة أمر ينافى الواقع، لأن هذه النظرية الاقتصادية فقدت كل مقومات البقاء، فالأصول التى تقوم عليها تبدلت وتغيرت وأصبح ثوب الرأسمالية مهلهل مليء بالرقع المستمدة من الثوب الإسلامي، مطالبا بضرورة التخلى عن هذه الرأسمالية المشوهة واستبدالها بالنظام الاقتصادى الرأسمالى الذى يملك مقومات الصمود والنجاح والخروج بالأمة من هذه الأزمات التى تهدد مستقبلها.