الطفل صالح عطيه ابن سيناء البدوى الصغير والده الشيخ عطيه رجل بسيط ووالدته السيدة مبروكه علم الدين ، هو أصغر جاسوس فى تاريخ المخابرات المصرية والعالم. وهو من ابطال المخابرات المصرية الذين خدموا الوطن فى الصغر والكبر. فى عام 1968 وبينما تعيش إسرائيل فى زهو انتصارها على الجيش المصرى واحتلالها لسيناء وإقامتها للحصون والمواقع المنيعة على طول القناة وداخل الأراضى المصرية كان جهاز المخابرات العامة المصرية فى عمل دؤوب لجمع المعلومات عن العدو وقواته وعتاده وطبيعة معيشة جنوده، وكان هناك أيضاً الطفل الصغير صالح الذى يعمل فى رعى الأغنام وتربية الدجاج وليس لديه وعائلته سوى كوخ صغير يحتمى فيه من حرارة الصحراء المحرقه ويعيشون بجوار بئر قليلة المياه هى كل ما يملكونه ويعيشون عليه ولم يحلم هذا الصبى يوماً بأنه يسكون أحد أهم أبطال مصر الذين سيساهمون فى عودة أراضيها ورفع علم مصر عليها خفاقاً مرة أخرى. رب صدفة خير من الف ميعاد بعد هزيمة 1967 ظلت شبكات التجسس للمصرية تقوم بعملها على أكمل وجه وإن كانت المخابرات تفكر فى كيفية الحصول على المعلومات اليومية من خلف وداخل مواقع العدو، ولهذا تسلل ضابط المخابرات "محمد على كيلانى" إلى أرض سيناء الذى خبر دروبها ومسالكها الصحراوية ، وكان متنكرا فى زى أعرابى يتاجر فى المخدرات ليكون ذلك غطاء لصرفه النقود بغزارة، حتى وصل إلى بئر المياه، وأخذ يتناول جرعات منه، وشاهده والد الطفل صالح، وكعادة العرب ضايفه فى كوخه الصغير، ودار حوار بين الضابط والشيخ وعطية والد صالح انتهى بتكوين صداقة بينهما وعرض الضابط على الشيخ عطيه أن يضيفه فى بيته حتى تصل شحنته التى ينتظرها، وبعد أن كان الهدف تجنيد الشيخ عطيه تبلورة فكرة أكثر جنونا وخطورة وهى تجنيد الطفل الصغير بدلا من الأب وتعليمه وتلقينه دروسا فى التخابر، وكيفية الحصول على المعلومات، خاصة أنه من الصعوبة الشك فى طفل، كما أن الطفل نفسه يحمل روحا وطنية وهذا ما لاحظه الضابط، الذى ظل أياما معدودة ينفرد بالطفل بحذر شديد حتى استطاع تجنيده، وعندما اطمأن إليه وإلى قدرته على استيعاب ما طلبه منه، وقدرته على تحمل المهمة الصعبة قرر الرحيل. وبعدها اجتمع مع والد الطفل على مائدة الطعام و شكره على استضافته ثم طلب الرحيل لتأخر قافلته التجارية، واتفق مع العميل الصغير على اللقاء عند صخرة بالقرب من الشاطئ. البيضة مفتاح السر وفى أول لقاء بينهما تأخر الطفل عن الموعد واعتقد الضابط أن جهده قد ضاع، حتى ظهر "صالح" من بعيد. وبرر تأخيره بأنه اختار الوقت المناسب حتى لا يلمحه أحد، كان الطفل يعرف أن مهمته صعبة، ودوره خطير، وأن حياته معلقة على أى خطأ يحدث، تلقى الطفل بعض التعليمات والإرشادات التى تجعله فى مأمن، وذهب ليترك الضابط "محمد كيلانى" يفكر فى وسيلة تسمح «لصالح» بأن يتجول فى مواقع الإسرائيليين بحرية كاملة حتى جاء اليوم التالى لموعد اللقاء مع الطفل صالح الذى كان يحمل معه بعض البيض من إنتاج الدجاج الذى يقوم بتربيته وما أن شاهد الضابط الطفل حتى صاح وجدتها،إنها الدجاجة التى ستمكنك من الدخول إلى مواقع العدو بدون معاناة أو شك فيك، وأخبره أنه يريده أن يدخل إلى مواقع الجيش الإسرائيلى بحجة بيع البيض الطازج لهم ووعده بأنه سيمده بالبيض باستمرار. صالح داخل الجيش الإسرائيلى تمت الفكرة بنجاح وبدأ الطفل يحقق صداقات داخل المواقع ومع الجنود لقد كان صديقا مهذبا وبائعا بارعاً فى نفس الوقت، وكان يبيع ثلاث بيضات مقابل علبة من اللحوم المحفوظة أو المربى، وداومت المخابرات المصرية على الاتصال به وتزويده بما يحتاج من البيض لزيارة أكبر قدر من المواقع حتى يمكن جمع المعلومات منها. وبعد شهر تقريبا بدأت مهمة الطفل فى جمع المعلومات بطريقة تلقائية من خلال المشاهدة والملاحظة وبعد أشهر معدودة جذب عددا من الجنود لصداقته فكان يجمع المعلومات بطريقته البريئة من خلال الحديث معهم، كان فى كل مرة يحمل مجموعة قليلة من البيض يبعها ثم يعود إلى منزله يحمل مجموعة أخرى إلى موقع آخر. تعود على المكان وتعود عليه الجنود حتى أنهم كانوا يهللون فرحا حينما يظهر. واستطاع الطفل التجول بحرية شديدة داخل مواقع العدو بدون أن يحمل معه البيض. كان يتعامل بتلقائية وذكاء شديدين لما يظهرا على ملامحه ابداً، وكان يستمع لما يقوله الجنود وكأنه لا يفهم شيئا وما أن يصل إلى الضابط حتى يروى له بالتفاصيل ما سمعه من الجنود، وما شاهده فى المواقع بدون ملل. المواقع الإسرائيلية تنضح باسرارها بعد أربعة أشهر بدأ مجهود الطفل يظهر فى صورة معلومات غاية فى الأهمية. فقد استطاع أن يقدم للمخابرات المصرية ما تعجز عنه الوسائل المتقدمة، وتكنولوجيا التجسس آنذاك.فقد نجح فى التعرف على الثغرات فى حقول الألغام المحيطة لأربعة مواقع مهمة بها المدافع الثقيلة، بالإضافة إلى مولدات الكهرباء، ووضع خزانات المياه، وبيان تفصيلى عن غرف الضباط، وأماكن نوم الجنود وأعداد الحراسة الليلية وكافة التفاصيل الدقيقة حتى الأسلاك الشائكة. بل وكان يستطيع الطفل رسمها أيضاً، ومع تعليمات ضابط المخابرات استطاع الطفل التمييز بين أنواع الأسلحة. وظل الطفل يسرد للمخابرات ما يحدث داخل المواقع من كبيرة وصغيرة وبناء على ما تجمعه المخابرات من الطفل ترسم الخطط المستقبلية لكيفية الاستفادة القصوى من الطفل مع توفير أكبر قدر من الأمان والرعاية له. لكل معلومة ثمن كثيرا ما كان يتعرض صالح أثناء احتكاكه بالجنود الصهاينة للمضايقات والشتائم وأحيانا الضرب من بعضهم لكن دون شك فيه، وكان الضابط "كيلانى" يخفف عنه الآلام، ويبث فيه روح الصبر والبطولة كما كان أصدقاؤه من الجنود الإسرائيليين أيضا يخففون عنه الآلام، وينقذونه من تحت أيدى وأقدام زملائهم، وكان من أبرز أصدقاء "صالح" ضابط يهودى من أصل يمنى يدعى "جعفر درويش" من مواليد جيحانه فى اليمن وكان قائداً للنقطة 158 المسماة بموقع الجباسات. ظل الطفل يتحمل مشقة المهمة حتى جاء شهر سبتمبر 1973 قبل الحرب بشهر واحد. وبعد اختباره فى عملية نفذها الطفل بدقة عالية قام ضابط المخابرات المصرية بتزويد الطفل بقطع معدنية صغيرة، وتم تدريبه على كيفية وضعها فى غرف قادة المواقع التى يتردد عليها وطريقة لصقها من الوجه الممغنط فى الأجزاء الحديدية المختفية كقوائم الأسرة وأسقف الدواليب الحديدية، وكانت هذه العملية مملوءة بالمخاطر والمحاذير، وكان هناك تردد من قيام الطفل بها حتى لا يتعرض للمخاطرة، ولكن الطفل أظهر رغبته فى القيام بهذه المهمة وذهب وترك الضابط فى قلق شديد. ومرت ساعات الانتظار طويلة ومحفوفة بالتوتر الشديد حتى عاد "صالح" رافعاً علامة النصر واستطاع إنجاز أصعب عملية فى حياته ليسجل التاريخ اسمه، لقد مكنت تلك العملية التى قام بها الطفل باقتدار المخابرات المصرية من الاستماع من خلال أجهزة التنصت تلك إلى كل ما يدور داخل حجرات القيادة من أحاديث وأوامر وعرفوا كيفية التعامل مع هذه المواقع أثناء العبور- كل هذا ولم يكشف الضابط عن شخصيته للطفل - .وقبل الحرب بعشرين يوما صدرت الأوامر من المخابرات المصرية بنقل الطفل وأسرته إلى القاهرة، ولم يكن الأمر سهلا، فقد نقل صالح وعائلته من الصحراء إلى القناة وتم عبورهم للقناة ومنها إلى "ميت أبو الكوم" حيث كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى استقبالهم بنفسه. وبعد أيام من نصر أكتوبر أدرك الطفل صالح مدى أهمية ما قام به من أعمال عظيمة ساهمت فى انتصارات أكتوبر. ودخل صالح مبنى المخابرات المصرية فوجد الإعرابى المهرب مرتديا زيا مدنيا وليعلم الطفل أسرته الحقيقة كاملة، ويقوم الضابط "محمد على كيلانى" برعاية صالح فى التعليم ويدور الزمان ليجلس التلميذ مكان معلمه على مقعده وفى غرفته فى جهاز المخابرات العامة المصرية ليكمل مسيرته فى خدمة مصر.