اعتادت جماعة الإخوان المسلمين أن تدخل معارك سياسية شرسة مع خصومها، إما في انتخابات النقابات المختلفة، أو في انتخابات مجلس الشعب لا سيما الانتخابات الماضية، أو حتى تحت قبة البرلمان. وتلك المعارك والمساجلات بين الجماعة التي اعتادت الدولة أن تطلق عليها اسم المحظورة، كانت تتسم بالتخطيط والتنظيم، والتنفيذ المدروس، ليس هذا فقط بل ومتابعتهم الجيدة للنتائج التي توقعتها المحظورة تلك. ولا شك أن القاصي والداني يثني على مهاراتهم وقدراتهم الإدارية والتنفيذية، وبراعتهم في تغلل البنى المختلفة في المؤسسات الرسمية والخاصة بفضل فكرهم الاستشرافي. لكن هذا الشتاء يحمل منعطفاً خطيراً للإخوان المسلمين؛ فكراً ومؤسسة، حيث إنهم يستعدون في بداية العام المقبل إلى اختيار مرشد جديد للجماعة. وعجيب أمر هذه الجماعة التي تكاد تتفوق على باقي الجمعيات والمنظمات والمنتديات الداخلية في مصر، برغم ما يواجهونه من أزمات تتعلق بالحبس والاحتجاز والسجن من جانب السلطات والاستبعاد الاجتماعي من المشاركة الفعالة في أنشطة الجامعات إلا أنها مازالت تواصل السعي والاجتهاد ولم ينفد صبرها ولم تضعف قواها. ولاشك أن المرشد الحالي قد سجل اسمه في كتاب تاريخ مصر السياسي الذي بالتأكيد لا ولن يدرسه طلابنا بالمدارس أو بالجامعات، اللهم إلا في بعض بحوث الماجستير والدكتوراه التي ربما تتناول أحداث وتاريخ الإخوان المسلمين في مصر. والتاريخ الذي سجله السيد مهدي عاكف ليس بعيداً عن الأنظار والتفكير، بدءًا من فوز بعض المنتمين للمحظورة في انتخابات مجلس الشعب الماضية والتي بالتأكيد "ولا يعلم الغيب إلا الله" سيترحمون على تلك الأيام الخالية، مروراً بكلمة "طظ" الشهيرة التي أطلقها المرشد من قبل، وانتهاءً بالتلويح بالضرب ب-"الجزمة". ويتباهى الإخوان المسلمون بأنهم استطاعوا استقطاب عدد كبير من الرموز السياسية، أو القيادات النقابية، وطلاب الجامعة الذين أصبحوا مثل جامعاتهم لا رؤية ولا رسالة ولا منهج فكري. فكان من السهل واليسير دعوة أولئك الطلاب للانضمام للجماعة المحظورة. ولكن هذا سيشكل صعوبة في اختيار مكتب جديد للجماعة. رغم أن الأسماء المرشحة بقوة هي محمد بديع، ومحمد حبيب، وعبد المنعم أبو الفتوح، وربما أسماء أخرى لم نسمع صداها حتى الآن، بل آخر ما تعجبت من قراءته بشأن انتخابات مرشد المحظورة منذ أسبوع تقريباً أنه من الممكن عرض الأمر على فضيلة الشيخ العالم يوسف القرضاوي، الذي أستسمحه بألا يقبل هذا المنصب إذا عرض عليه، وأنا على يقين من رفضه مستقبلاً. واختيار المرشد العام بالتأكيد له مواصفاته وعلاماته وشروطه، ليس منها بالقطع تقبيل يد المرشد العام كما ظهر هذا بعدة صور في الصحافة المصرية وقت انتخابات الرئاسة السابقة. وليس من بينها رفع الحذاء تحت قبة البرلمان الموقر، بل من مواصفات المنصب الإدارة الحكيمة والسير على نهج السلف والسيرة الطيبة، بل وقدرته على معالجة الأزمات التي تتعرض لها الجماعة وما أكثرها وأشرسها، وبالتأكيد قدرته على مواجهة السلطة. ومسألة اختيار مرشد جديد للجماعة المحظورة- لمن يهمه الأمر- مسألة استثنائية قد لا تقبل منطق القواعد والاحتكام لعوامل مثل العمر والمؤهل وربما الخبرة أيضًا، لأنها تجيء أولاً متزامنة مع اقتراب انتخابات مجلس الشعب القادمة، والتي استطاع فيها مرشحو المحظورة اقتناص 88 مقعداً من مقاعده، وهو الأمر الذي أعده المحللون السياسيون حدثاً استثنائياً في تاريخ المجلس، وأعده شرفاً للانتخابات المصرية التي يصر البعض على جعلها عملية شكلية تتدخل فيها الدولة تدخلاً مباشراً. الأمر الثاني، أن رجل المحظورة القادم لابد وأن يمتلك قدرة المساءلة والمحاسبة لأفراد جماعته البرلمانيين، وما أحدثوه من تغيير سياسي أفاد الجماعة وأضرها، بالإضافة إلى ما قاموا به من إنجازات وإسهامات لهذا الشعب المصري الذي ينتمون إليه أولاً، والتي بالتأكيد ستكون بعيدة عن قرعة توزيع فرص الحج، وقرعة توزيع فرص العمل بالهيئات المربحة مثل التليفونات والكهرباء والمياه. الأمر الثالث، وهو لا يقل أهمية عن الأول والثاني، ويتمثل في الفكر الجديد الذي سيأتي به المرشد الجديد، وبالرغم من أنه لا تربطني علاقة بأحد أفراد الجماعة المحظورة، إلا أنني أعتقد أن القادم لا ولن يحمل جديداً شخصياً، بل منطق الجماعة التاريخي سيفرض عليه إكمال ما بدأه السلف منهم، أو بمعنى أدق لن يأتي مرشد جديد للجماعة يغير من فكرها ومنهجها وأهدافها المعلنة والمحظور إعلانها أيضاً. وأجندة المرشد الجديد القادم للجماعة تنتظره بأحداثها ويومياتها المتواترة، الأمر الذي يجعل اختياره عملية شاقة ومرهقة للبعيدين عن الفكر التنظيمي والتخطيطي، فالأجندة بانتظار إعلان الأسماء المرشحة لخوض انتخابات مجلس الشعب القادمة، وشروط اختيار المرشح بالتأكيد ستختلف عن الشروط السابقة والتي ستتطلب اختيار عناصر قادرة على التحرك والمشاركة المجتمعية والمنافسة. بالإضافة إلى ملف التربية الذي يترأسه الدكتور محمد بديع أحد المرشحين لمنصب المرشد العام للجماعة، فملف التربية الذي يعده أعضاء المحظورة من أبرز أعمالها، فالتربية مما لاشك تعد معول هدم وأداة بناء في الوقت ذاته، ليس فكر الجماعة المحظورة وحدها، بل في فكر أي تجمع مهما أطلق عليه اسم دولة أو مؤسسة أو منظمة، أو جمعية، أو حتى جماعة الخطابة المدرسية. وفي المقابل إذا كانت الجماعة المحظورة تستعد لمرحلة جديدة في تاريخها غير المعلن أحياناً، فلابد أن يستفيق البعض الآخر لحياته، يعد ويرتب أجندته أيضاً، فهناك عام جديد على الأعتاب، ومن لا أجندة له لا مكان له أيضاً بالعام الجديد، فلابد لكل امرئ على أرض المحروسة أن يضع لنفسه هدفاً واحداً على الأقل يسعى لتحقيقه أو إنجازه. وفى المقابل لي تساؤل وحيد: هل سيفاجئنا السيد المرشد العام بأنه سيظل في منصبه لأن الأحوال في مصر تقتضى أن الغيب قد يكون حلواً، إنما الحاضر أحلى!.