لا يجوز ان نقول عبارة "شعوب فانية" على مسامع أبناء الشعوب الاولى في كندا. فهمت هذا قبل نحو من سنة ونصف من صديق يتكلم الفرنسية من كويبك حينما زرنا معا قرية أبناء الموهوك – كانيستاكي. في 1990 بدأت القرية نضالا لسيطرة البلدة المجاورة أوكا على اراضيها وفيها مقبرة من اجل توسيع ملعب الغولف. ويبدو انه لم يُطلب إلي ان أغادر حينما تلفظت بالعبارة المؤذية بفضل وجود ذلك الصديق الذي شارك مع آخرين ليسوا من أبناء البلاد الأصليين في نضال القرية قبل ذلك بنحو من عشرين سنة. ليست تلك مسألة سلامة سياسية أو قراءة للتاريخ بل هي مسألة فهم سياسي واختيار طرف: هل أنت مع نظام القمع أم ضده. وقد ذكرتني ثلاثة اسابيع قصيرة جدا من الأحاديث والتعارف مع أبناء وبنات مجموعات أبناء البلاد الأصليين في كندا بأن العلاقات المتبادلة بين مجموعات من الناس ببيئاتهم هي ماهية تتعدى عدد الجماجم وعدد المجموعات ومستوى الثقافة ومستوى الأجرة وسائر المعطيات التي يمكن قياسها والتي تعتمد عليها البيروقراطية الحاكمة حينما تفرض تدبيراتها. في هذه الاشهر تُحدث الشعوب الاولى في كندا هبات شعبية تزيد في تقزيم معنى المعطيات القابلة للقياس. فالحقوق وصنع العدل والانتماء والمبالاة والذاكرة التاريخية لا تتعلق بعلم الحساب. إن هذا الفهم يلغي التعريفات التقليدية ل الأقلية والأكثرية ولا سيما حينما ترتبط مطالب الشعوب الاولى بالنضال لانقاذ البيئة (الارض والماء والهواء) من المطامح غير المنضبطة والمدمرة للمال وصناعة المناجم. وليس الفلسطينيون من مواطني اسرائيل ايضا الذين ذاكرة سلبهم أكثر شبابا كثيرا، ليسوا أقلية. وهذه حقيقة فوق كل معركة انتخابات، وهم في الارض الكاملة من البحر الى النهر شعب واحد (مختلق وحقيقي لا يقل عن شعوب اخرى ولا يزيد عليها) – برغم محوهم من استطلاعات الرأي العام وبرغم الأسوار ومحظورات التنقل والتصنيفات الفرعية التي توجدها من اجلهم البيروقراطية الاسرائيلية. إنهم ليسوا أقلية لأنهم لم يكونوا أقلية قبل ان يُطرد أبناء عائلاتهم في 1948، ولأن أبناء عائلاتهم وشعبهم في اماكن الشتات ما زالوا مرتبطين بالبلاد – وفريق منهم ذوو ذاكرات مباشرة وآخرون مع ذاكرات ورثوها مع الصور ووثائق ملكية الارض. وهم ليسوا أقلية لأن عندهم القدرة على الاستمرار في زيادة عددهم، وهم – بانفصالهم بتاريخهم وثقافتهم – مرتبطون بسائر شعوب المنطقة بروابط اخرى وعلى رأسها اللغة والدين. وهم ليسوا أقلية لأن الأقلية ليست تعريفا محايدا بل هي تعريف يطمح الى تأبيد الدونية والحقوق الزائدة. على حسب المنطق الحسابي، اذا لم يكن مواطنو اسرائيل الفلسطينيون أقلية فهذه علامة على أننا نحن اليهود لسنا أكثرية. وهذا الخوف يولد جميع التلاعبات السلطوية مثل عدم الاعتراف بالمجموعات البدوية وعدم ربطها بالماء، والتمييز الصارخ في تخصيص الموارد، واساءة الوضع حتى الفقر، والقوانين العنصرية ومقترحات القوانين العنصرية، والفصل عن سائر الفلسطينيين الذين يعيشون في البلاد وراء حدود 1967، ورحلات "الاستكشاف" لغسل أدمغة الفتيان من الولاياتالمتحدة. بالمنطق غير الحسابي، تكون الأقلية التي ليست أقلية هي القادرة على فهم الأكثرية التي ليست هي أكثرية واحترام حقوقها، لأن الحقوق والارتباط بالمكان لا تتعلق بالمعطيات القابلة للقياس. ومن الطبيعي أن تتوقع غير الأكثرية ان تُحترم حقوقها. ومن الطبيعي ان نتفضل بأن نكون غير أقلية دينية محتملة تحيا هنا بتفضل مشروط وان نطلب ان تؤخذ في الحسبان حقيقة ان ليست الايديولوجية الاستعمارية هي التي جاءت بنا الى هنا بل الرايخ الثالث ايضا. لكن مطالبنا لا معنى لها ما بقينا نحن الذين لسنا أكثرية نستغل تفوقنا العددي والعسكري استغلالا سيئا آثما. هذه رؤيا بعيدة. ويجب علينا في الاثناء ان نستعد لألاعيب سلطوية اخرى تطور أكثر استبداد غير الأكثرية، في الديمقراطية اليهودية الوحيدة في الشرق الاوسط.