هل يريد الإخوان المسلمون حقا تغيير نموذج دولة مبارك؟ هذا هو السؤال الذي قد تفسر الإجابة عنه جزءا مما يحدث منذ تولي مرسي حكم مصر. وأزعم هنا أن النموذج الذي صنعه مبارك بدأب (وربما ورث بعض عناصره من قبل، لكنه أضاف لمسات من الترهل والعجز ومأسسة الفساد ومخاصمة الكفاءة) هو ما يتمنى الإخوان المسلمون تطبيقه، لذا فإنهم ليسوا معنيين بإصلاح أي من مؤسسات الدولة الرئيسية، بقدر ما يعنيهم إحكام السيطرة عليها وتجبيرها لصالحهم. يريد الإخوان المسلمون مصر على ما كانت عليه، بشرط أن تطلق لحية مائعة خفيفة على النحو الذي يميز مرسي والعريان وبديع، أو بعض الجلد الميت الغامق في الجبهة على شكل ندبة واحدة أو ثلاث ندبات على النحو الذي يميز البلتاجي. يريدون مؤسساتها ملكا للنظام، لا مصر الباقية بتغير الأنظمة المفترض، يريدون لسياساتها وممارساتها وجهودها أن تكون موجهة لصالح القابض على زمام الحكم بعد أن أصبح منهم. ويشترك في هذا عاملان أساسيان، الأول هو افتقار الإخوان المسلمين، كجماعة، إلى الخيال السياسي والاتصال الكافي بالعلوم الإنسانية اللازمة لتوسيع الأفق والرؤية. فعلا الرغم من تغلغلهم وسط قطاعات من أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء والباحثين في العلوم الإنسانية مثلا، فإنه لم يعرف عن كوادر الإخوان المسلمين التميز المهني بالمستوى اللائق عالميا (يوسف بطرس غالي، مثلا، كاقتصادي كان ذا قدرات معروفة عالميا، ومثله فتحي سرور كقانوني، بغض النظر عن فسادهما الذي دمر في النهاية الوجه التقني لهما)، بل كان الإخوان ممثلين حقيقيين لتدهور نظام التعليم المصري خلال العقود الأخيرة. ولذا فإنهم غير قادرين على تصور نظام آخر للحكم غير الذي تعلموه في مدرسة مبارك ودولة البيروقراطية المصرية في نسختها الأكثر رداءة وهلهلة. والعامل الثاني هو تعجل السيطرة على مصر. ومؤسسات الدولة عنصر أساسي في مثل هذا الجهد، ومن شأن تدجينها ومصادرتها أن تختصر كثيرا من الجهود التي تهدد النصر الأعظم لتجربة الإخوان المسلمين بوصولهم إلى الحكم في أهم دولة عربية، ومن ثم التمكين للجماعة في دول ومناطق أخرى بحكم سوابق تاريخية معروفة عن انتقال التجارب المصرية في محيطها العربي والإسلامي. هل يريد الإخوان المسلمون إصلاح وزارة الداخلية حقا؟ هل طرحوا أي مشروع لإعادة هيكلة الوزارة التي كانت ممارساتها من بين الأسباب الرئيسية لنشوب الثورة، هل قدم منظرو الجماعة أو موظفوها، أو طلبوا من المختصين، تقديم بدائل للقواعد المستقرة التي حكمت عمل هذه المؤسسة وربطته بالتعذيب وحماية الفساد وانتهاك القانون بدلا من انفاذه؟ والسؤال المترتب على ذلك: هل ستمضي ممارسات الوزارة إلى طريق غير الذي كانت عليه في زمن مبارك؟ الحقيقة أن مرسي وجماعته يريدونها كما كانت، عصا غليظة تجنبهم على الأقل إنزال ميليشياتهم الخاصة التي تجر عليهم المشكلات. يريدونها لقمع المعارضين و"تظبيط" القضايا والتهم وإعلاء أمن النظام على أمن الوطن، وهم في هذا جاهزون لتقديم المكاسب التي كان مبارك يقدمها للفاسدين من رجال الشرطة بنشرهم كالجراد في مواقع السلطة المدنية، في مناصب الوزراء والمحافظين ورؤساء المدن والأحياء والمستشاربين في كل قطاعات الدولة التي لا يعرفون عن عملها شيئا.....إلى آخر قائمة المكافآت التي يشتري بها النظام الولاء المشبوه. هل يريد الإخوان المسلمون إصلاح القضاء فعلا؟ هل يريدون حقيقة قضاء يُنِفذ العدل ويحفظ الحقوق؟ إن خلاف الإخوان المسلمين الحالي ليس مع فساد القضاء، بل مع عدد من القضاة الرفيعي المناصب الذين وضعتهم الأقدار والانتماء والمواقف السابقة في زاوية لم يعد مقبولا معها أن يكونوا في صف الإخوان المسلمين. عدد من القضاة دفعهم تاريخهم إلى موقع المعارضة التي فرضها عليهم حدث قريب لا يستطيعون مع أثقاله القفز برشاقة إلى خانة مؤييدي النظام الجديد كما هو شأن البيروقراطية المصرية في كل حين. لكن الفساد الذي ضرب القضاء ذاته ليس على قائمة اهتمامات الإخوان المسلمين، وليس إصلاح قطاع العدالة داخلا في مشروعات نهضتهم. هم في الحقيقة يريدونه على حاله التي وصل إليها في السنوات الأخيرة، ليكون ذراعا من أذرع النظام. وقد تم تعيين المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق، في منصب قضائي رفيع، فماذا عن "فساده" الذي طنطن به مناصروا الإخوان ووسائل إعلامهم. الإصلاح المنشود في القضاء أو الشرطة، (كنموذج لباقي المؤسسات) ليس سهلا بالتأكيد، وسيكون عبثا أن نطالب بنتائج كبرى في سنة أو حتى أربع سنوات، هي مدة الفترة الرئاسية، لكننا نريد ما يشير إلى النية على الأقل. نريد حلولا يمكن أن تبدأ الآن مع وضع معايير أخرى تضمن مزيدا من الشفافية والعدالة في اختيار العناصر الملتحقة بهذين القطاعين المهمين، ومن ثم يصل الأكثر كفاءة وتأهيلا وقدرة على الاضطلاع بمسؤوليات هذه المرحلة الفاصلة، مع اتباع أساليب مدروسة وعلمية لضبط العمل وقياس الأداء. وشيئا فشيئا ستخرج الأجيال الشائخة بفسادها وتشوهاتها ليحل محلها جيل جديد تربى تربية مختلفة، ويحمل قيما جديدة في العمل والإنجاز. هذا مجرد مثال لما ينبغي التفكير فيه وفي سواه. نريد خطوات أولى على الأقل، ولكننا_ للأسف_ نشك في أن يفعل مرسي وجماعته شيئا كهذا. قل ذلك عن المؤسسات الاقتصادية، والصناعية الكبرى، وأجهزة الرقابة، والاستخبارات والأمن، وغيرها من مفاصل القوة التي تتيح للجماعة القبض على رقاب مصر والمصريين. يريدها الإخوان المسلمون لهم، على ما هي عليه من فساد. " يبغونها عوجا" شريطة أن تكون لهم.