تسعى الولاياتالمتحدة بقوة إلى إعادة دمج سوريا في النظامين الإقليمي والدولي، وقد تجلى ذلك في قرار واشنطن رفع الكثير من العقوبات المفروضة على دمشق، إلى جانب إزالة اسم الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع من قائمة الإرهاب. وخلال الفترة الماضية، التقى الشرع مرتين بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وحظي بإشادة واسعة منه، إذ قال ترامب إنه "تشرف بقضاء بعض الوقت" مع الرئيس الانتقالي خلال زيارته للبيت الأبيض أمس الاثنين. وفي منشور على منصة "تروث سوشيال"، وصف ترامب الشرع بأنه "من أشد دعاة السلام"، معربًا عن تطلعه إلى مزيد من اللقاءات والنقاشات معه. وأضاف: "الجميع يتحدث عن المعجزة الكبرى التي تحدث في الشرق الأوسط"، مؤكدًا أن "استقرار سوريا ونجاحها أمر بالغ الأهمية لجميع دول المنطقة". كما أعرب ترامب، الاثنين، عن ثقته في قدرة الشرع على قيادة بلاده، وقال للصحفيين في المكتب البيضاوي: "هو قائد قوي للغاية، قادم من بيئة صعبة، رجل حازم، وأنا معجب به وأتفق معه، وسنبذل قصارى جهدنا لإنجاح سوريا". لكن، بعد كل هذا التقارب والدعم الأمريكي، ماذا يريد ترامب من الشرع؟ علقت صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية على اللقاء الذي جمع الرئيسين ترامب والشرع في البيت الأبيض أمس الاثنين، قائلة: "يُعدّ دخول شخص تحول من جهادي لرجل دولة، إلى البيت الأبيض كضيف شرف أحد أكثر التطورات إثارةً للدهشة في العالم". ووفقًا للصحيفة، فإن جزءًا من الدعم الإقليمي والدولي الموجه للشرع يعود إلى شعور القادة بالإنهاك من سنوات الحرب الطويلة في سوريا، ورغبتهم في استعادة الاستقرار إلى بلاد الشام بأي وسيلة ممكنة. ومع ذلك، ثمة رؤية أوسع تتجاوز مجرد تحقيق الاستقرار، وتشمل إعادة صياغة التوازنات السياسية في المنطقة. ترى واشنطن فرصة لإعادة تشكيل النظام الإقليمي عبر دمج سوريا خاصة بعد الرئيس المخلوع بشار الأسد، بعدما كانت دمشق طوال السنوات الماضية ركيزةً أساسية في محور المقاومة الذي تقوده إيران، ونقل سوريا إلى المعسكر الموالي للولايات المتحدة يمثل تحولًا كبيرًا في ميزان القوى الإقليمية، إذ سيحرم طهران من أحد أهم حلفائها، حسب الصحيفة الأمريكية. كما تعمل الولاياتالمتحدة على انضمام سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، ولكن ترى "فورين بوليسي" أن ذلك يبدو مستبعدًا في الوقت الحالي، فتطبيع العلاقات رسميًا مع إسرائيل لن يحظى بشعبية كبيرة لدى الشعب السوري الذي يكنّ للاحتلال الكثير العداء. وتتأهب الولاياتالمتحدة لتأسيس وجود عسكري في قاعدة جوية بالعاصمة السورية دمشق، في خطوة تهدف لدعم اتفاق أمني شامل بين سوريا وإسرائيل تتوسط فيه واشنطن، وفق ما كشفت "رويترز" نقلًا عن مصادر. وتقع القاعدة في موقع استراتيجي يُعد مدخلًا إلى مناطق جنوبيسوريا، يُتوقع أن تكون ضمن منطقة منزوعة السلاح يجري التفاوض بشأنها حاليًا بين سوريا وإسرائيل، بوساطة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي الوقت الذي تدعم فيه الولاياتالمتحدة النظام السوري الجديد، وتأكيد الشرع أكثر من مرة أنه لا يريد التصادم مع إسرائيل بل يريد بناء سوريا وإعادة دمجها في النظامين الإقليمي والدولي، تواصل تل أبيب ممارسة الضغط المباشر على دمشق من خلال عمليات عسكرية مستمرة، واستهداف أهداف معادية مزعومة، وتحذير الحكومة السورية من التحرك جنوب البلاد، إذ دعت بعض الأصوات الإسرائيلية للتدخل بحجة حماية الأقليات، ما يزيد من الضغط على النظام الجديد. وتقول الصحيفة الأمريكية، إن سياسة إسرائيل في سوريا تتعارض جزئيًا مع الأهداف الأمريكية، ما يخلق فجوة واضحة بين الحليفين، فإذا أنشأت الولاياتالمتحدة قاعدة جوية في دمشق، ستضطر للتعامل مع حقيقة أن إسرائيل تمثل التهديد الخارجي الأكثر تأثيرًا على النظام الجديد، ما يجعل سوريا حافة أمامية للانقسام بين الأولويات الأمريكية والإسرائيلية، ويعرض العلاقة الأمريكية- السورية لمخاطر مباشرة، خاصة في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية. وتختتم الصحيفة قائلة، إن الفجوة بين أهداف واشنطن وحسابات إسرائيل في المنطقة تجعل سوريا ساحة مواجهة محتملة، ويضعف فرص بناء "رومانسية" استراتيجية مستدامة بين دمشقوواشنطن.