من يتأمل مسار صناعة السيارات في مصر خلال السنوات الأخيرة، يدرك أن الدولة قررت أخيرًا السير على الطريق الصحيح، لا في التصنيع فقط، بل في فلسفة بناء الصناعة نفسها. فالمكونات الأساسية هي قلب أي صناعة، صغيرة كانت أو كبيرة. والدرس الأوضح جاء من أزمة الرقائق الإلكترونية (Microchips) التي شلت صناعة السيارات العالمية خلال جائحة كورونا، حين أدى نقص إنتاج هذا المكون الصغير إلى خسائر بمليارات الدولارات وتعطل مصانع كبرى حول العالم دفعت هذه الأزمة العديد من الدول وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى إعادة التفكير في ضرورة توطين تصنيع المكونات الحيوية محليًا، لتفادي الوقوع في أزمات مشابهة مستقبلًا. في مصر، كان الدرس واضحًا. فقد بدأت الدولة خلال الأعوام الأخيرة السير بخطى متأنية ومدروسة نحو تعميق مكونات إنتاج صناعة السيارات محليًا، ونجحت بالفعل بالتعاون مع شركات عالمية في تشغيل العشرات من مصانع المكونات. وخلال الساعات الأخيرة، افتتح الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء مصنعًا جديدًا تابعًا لمجموعة المنصور لتصنيع فلاتر السيارات بطاقة إنتاجية تصل إلى 2.5 مليون فلتر سنويًا، كما شهد الفريق المهندس كامل الوزير توقيع اتفاق لإقامة مجمع صناعي لإنتاج الضفائر والكابلات الكهربائية بين شركة القاهرة للاستثمار وشركة ليوني مصر. تلك المشروعات التي يتوالى تدشينها في مصر، تعكس مدى أهمية الصناعة وجدية الإدارة المصرية لإنجاح ذلك الملف الذي يوليه الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية شخصية. ولمصر اليوم قاعدة متنامية من المصانع المنتجة للمكونات: من سوموتومو للضفائر الكهربائية، إلى جريش للزجاج، وموبيكا وتراست لمقاعد سيارات مرسيدس وبي إم دبليو وتويوتا وغيرها. هذه القاعدة الصناعية المتنامية تشكل البنية التحتية الحقيقية لصناعة سيارات وطنية واعدة، تسعى القاهرة من خلالها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي جزئيًا وتعزيز الصادرات. قد لا نكون حتى الآن من كبار مصنعي السيارات في المنطقة، لكن ما يحدث هو تحول في المنهج الصناعي نفسه: من الاعتماد إلى الإنتاج، من الاستيراد إلى التصدير، ومن التبعية إلى الشراكة. الهدف الذي حددته الدولة بإنتاج نحو 500 ألف سيارة سنويًا بحلول عام 2030 ليس حلمًا بعيدًا، بل امتداد طبيعي لمسار بدأ فعلًا. ربما لن نصل بسرعة الدول التي سبقتنا بعقود، لكن الأهم أننا بدأنا من حيث يجب أن نبدأ - من المكون الصغير الذي يصنع الصناعة الكبيرة.