مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتراجع قبضة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في بعض المناطق من القطاع جراء الضربات التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، تشكلت ميليشيات وعشائر مسلحة مناهضة للحركة تحظى بدعم إسرائيلي، يرفع بعضها شعار "استعادة الأمن"، وأخرى تتحدث باسم "الكرامة الفلسطينية"، لكن حماس تتهمها جميعها بأنها أدوات بيد الاحتلال، تعمل على تمزيق النسيج الداخلي للقطاع. وبعض هذه المجموعات تورط في أنشطة ذات طابع إجرامي، في حين تتألف مجموعات أخرى من أفراد ينتمون إلى عائلات وعشائر ذات نفوذ تاريخي في غزة، فيما يجمع بعضها بين الطابعين العشائري والإجرامي معًا، وفق ما أكده خبراء وشهود تحدثوا إلى وكالة "فرانس برس". وفي محاولة لإعادة فرض النظام في المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية، دفعت حركة حماس بعناصر من كتائب عز الدين القسام، إلى جانب قوتين أمنيتين جديدتين تحملان اسمي "سهم" و"رادع"، واللتين أُنشئتا مؤخرًا بهدف معلن هو ملاحقة "الخارجين عن القانون والعملاء" وضبط الأمن الداخلي في القطاع. القوات الشعبية يُعدّ فصيل "القوات الشعبية" أحد أبرز التشكيلات الفلسطينية المعارضة لحركة حماس، ويقوده ياسر أبو شباب، الذي ينشط مع مجموعته في مناطق غزة ورفح وخان يونس. ويقدّم هذا الفصيل نفسه على أنه جهة "تحمي المساعدات الإنسانية" الوافدة إلى القطاع من النهب والفساد المنسوب لحماس، غير أن تقارير صحفية عديدة وجّهت له اتهامات بتحويل جزء من تلك المساعدات لصالحه، فضلًا عن مزاعم بتنسيقه الأمني مع السلطات الإسرائيلية. ياسر أبو شباب، المعروف بلقب "بابلو إسكوبار غزة"، سجين سابق من مواليد عام 1990، وينتمي إلى قبيلة الترابين في رفح، ووصفه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بأنه "زعيم عصابة إجرامية تنشط في منطقة رفح وتُتهم على نطاق واسع بالاستيلاء على شاحنات المساعدات الإنسانية". وفي المقابل، اتهمت الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية، التي تضم عددًا من فصائل المقاومة، "القوات الشعبية" بأنها "أداة بيد الاحتلال الإسرائيلي"، ووصفت قائدها ب"العميل الخارج عن الصف الوطني"، معتبرة أن "دمه مهدور بإجماع الفصائل"، ويُقدّر عدد مقاتلي هذا الفصيل بنحو 400 عنصر. قوة مكافحة الإرهاب تشكلت قوة مكافحة الإرهاب في عام 2025 بمدينة خان يونس، بقيادة حسام الأسطل، الذي سبق له العمل داخل إسرائيل قبل انضمامه إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويبلغ الأسطل من العمر خمسين عامًا، وقد دخل في مواجهات متكررة مع حركة حماس، التي اعتقلته أكثر من مرة على خلفية خلافات سياسية وأمنية. وفي تصريح لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، قدّم الأسطل جماعته على أنها تنظيم يسعى لتقديم المساعدات الغذائية والمأوى والمياه للفلسطينيين غير المنتمين إلى حماس. وتتمركز القوة في جنوب خان يونس، وهي منطقة كانت قد أُخليت من سكانها خلال الحرب الأخيرة. ولم ينفِ الأسطل وجود تعاون أمني بينه وبين الجيش الإسرائيلي، بل أقرّ بالحصول على دعم مباشر منه، مبرّرًا ذلك بأنّ تزايد أعداد المنضمين إلى قوته يعكس- بحسب تعبيره- رغبة سكان غزة في إنهاء حكم حماس والبحث عن بديل أكثر استقرارًا". عشائر مرتبطة بحركة فتح وفي المقابل تُعد عائلة حِلِّس، التي يتزعمها رامي حِلِّس في حي الشجاعية بمدينة غزة، من أبرز العشائر التي ارتبط اسمها بحركة فتح، وقد وُجّهت إليها اتهامات بتلقي دعم مباشر من إسرائيل والتنسيق معها، لا سيما في المناطق الشرقية من رفح وخان يونس والشجاعية، حيث تنتشر مجموعات مسلحة تابعة لها. ووفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت، فإن "إسرائيل ترعى ميليشيات تابعة لحركة فتح بهدف مواجهة حماس والتنسيق معها ميدانيًا"، مشيرة إلى أن رامي حِلِّس يتمركز في منطقة تل الهوى جنوب غرب غزة، ويقود مجموعة مسلحة مجهزة تسليحًا كاملًا وتعمل تحت مظلة الحماية الإسرائيلية. كما يتمتع بعلاقات عائلية متينة مع شخصيات بارزة داخل حركة فتح، ما يمنحه ثقلًا سياسيًا وأمنيًا في المشهد الداخلي للقطاع. بدو صحراء النقب وفي حديث أدلى به لفرانس24، أوضح محمود الأفندي، المحلل السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وروسيا، أن "بعض العشائر الفلسطينية، ولا سيما البدو المقيمين في صحراء النقب، جرى تجنيدهم من قبل إسرائيل منذ سنوات طويلة"، مشيرًا إلى أن "الخلافات بين حركة حماس وهذه العشائر ليست جديدة، بل تعود إلى فترات سابقة شهدت عمليات اغتيال واشتباكات متبادلة، ما يدفع بعض هذه العشائر اليوم إلى السعي للانتقام بتوجيه من إسرائيل". وأضاف الأفندي أن "جهاز الموساد الإسرائيلي يستثمر في الانقسامات التاريخية داخل الساحة الفلسطينية عبر تجنيد العملاء وتغذية الخلافات السياسية والعسكرية"، مؤكدًا أن "أي صراع داخلي فلسطيني يصبّ في نهاية المطاف في خدمة الأهداف الإسرائيلية".