في تحول غير مسبوق في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، أعلن الرئيس دونالد ترامب، من العاصمة السعودية الرياض، قراره برفع العقوبات المفروضة على دمشق، في خطوة مفاجئة وذات دلالات إقليمية ودولية بالغة. القرار، الذي جاء بتوصية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لقي ترحيبًا واسعًا في الأوساط العربية والدولية، وسط آمال بأن يشكّل انطلاقة جديدة نحو إعادة دمج سوريا في محيطها، وإنعاش اقتصادها المتعثر بعد سنوات طويلة من العزلة والحرب والعقوبات. فما الذي يعنيه هذا القرار فعليًا لسوريا؟ وكيف ستنعكس آثاره على الداخل السوري، سياسيًا واقتصاديًا؟، وهل تتبع الدول الأوروبية خطى واشنطن؟، هذا ما يجيب عنه خبراء وباحثون تحدثوا ل"مصراوي"، في قراءة معمّقة لأبعاد هذا التحوّل الأمريكي تجاه الملف السوري. ماذا تستفيد سوريا من رفع العقوبات عنها؟ يقول أيمن الدسوقي، باحث أول في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، إن قرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا يعكس اقتناعه برؤية حلفائه، وعلى رأسهم السعودية وتركيا، بشأن أهمية معالجة ملف العقوبات المفروضة على دمشق، بما يتيح التأثير في مرحلة ما بعد نظام الأسد، ويسهم في تعزيز استقرار وازدهار منطقة الشرق الأوسط. ويوضح الدسوقي خلال حديثه ل"مصراوي"، أن هذا القرار الأمريكي قد يشكل بارقة أمل للسوريين في مستقبل أفضل، يتجاوزون فيه سنوات الحكم الطويلة تحت نظام الأسد. وعلى الرغم من ذلك، فإن تقييم الأثر الكامل المرتقب لقرار ترامب بشأن سوريا يتطلب بعض الوقت، إلى أن تتضح الصورة العامة والتفاصيل المرتبطة بكيفية ترجمة القرار إلى خطوات تنفيذية وآليات مؤسساتية محددة. كما يتوقف هذا التقييم على مدى استجابة الأطراف المعنية برفع العقوبات، مثل الدولة السورية، والدول الإقليمية، والقطاع الخاص والمنظمات، لهذه الإجراءات ومتطلباتها، وفق الدسوقي. ويشير الباحث، إلى أن القرار الأمريكي يشكّل، بشكل عام، دفعة قوية للجهود الهادفة إلى إعادة دمج سوريا في محيطها الإقليمي والدولي، كما يمنح غطاءً سياسيًا للمبادرات الإقليمية والدولية الساعية إلى دعم الدولة والمجتمع السوري في القطاعات الحيوية اللازمة لاستمرار الحياة اليومية. ويتابع الدسوقي: كذلك يساهم القرار الأمريكي في منح القيادة السورية شرعية أكبر للمضي قدمًا في تنفيذ متطلبات المرحلة الانتقالية، إلى جانب دوره في تعزيز حضور سوريا على خارطة الاستثمار، وفتح المجال أمام تدفقات مالية واستثمارات جديدة تدعم الاقتصاد الوطني. رغم التوقعات العالية والآمال المعقودة على قرار الرئيس الأمريكي، يرى الدسوقي، أن التحديات تكمن في تفاصيل تنفيذه. ولتحقيق النتائج الإيجابية المرجوة من هذه الخطوة؛ لا بد من استمرار الزخم الإقليمي والدولي الداعم لسوريا في مرحلة ما بعد الأسد، إلى جانب تنسيق المبادرات المختلفة، وتجاوز العقبات الإجرائية، وتسريع وتيرة الإصلاحات المطلوبة. ومن جانبه، يقول محسن المصطفى، الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، إن الفوائد العائدة على دمشق كبيرة جدًا؛ إذ ستتمكن الدول الداعمة لسوريا من التعامل مع مؤسسات الدولة السورية "من دون تحفظ"، بما فيها الدعم المالي والمساعدات والاستثمارات، فضلًا عن المساهمة في رفع العقوبات عن مصرف سوريا المركزي. ويرى المصطفى خلال حديثه ل"مصراوي"، أن سوريا ستشهد حالة من الانتعاش الاقتصادي بعد إعادة انخراطها في المجتمع الدولي، بالإضافة إلى التأثير الإيجابي المتوقع للقرار الأمريكي على الصعيد الداخلي؛ إذ سيسهم القرار في بسط سيطرة الدولة على التراب السوري بشكل كامل، والمساهمة في مسار العدالة الانتقالية والسلم الأهلي. ويتفق مع الباحثين في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أيمن الدسوقي ومحسن المصطفى، الحقوقي والصحفي السوري عبدالكريم المشهداني، في أن القرار الأمريكي من شأنه التأثير بشكل إيجابي على الاقتصاد السوري الذي يعاني من العقوبات منذ سنوات. يقول المشهداني خلال حديثه ل"مصراوي"، إن العقوبات الأمريكية سيكون لها تأثير إيجابي كبير على كافة مناحي الحياة في سوريا منها إيداع أموال استثمارية في البنك المركزي السوري من دول خليجية ومستثمرين سوريين وعرب وأجانب، الاستثمارات ستساهم في إعادة إعمار سوريا. هل تتبع الدول الأوروبية خطى واشنطن؟ يقول أيمن الدسوقي، باحث أول في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، إن الاتحاد الأوروبي قد سبق الإدارة الأمريكية في اتخاذ موقف متقدم من خلال تجميد بعض العقوبات، كما اتخذت بريطانيا خطوة رائدة برفع عدد من العقوبات المفروضة على سوريا، ومن المرجح أن تحذو بقية الدول الأوروبية حذوها انسجامًا مع القرار الأمريكي. كما يعتقد محسن المصطفى، الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أن الدول الأوروبية ستلحق بالولاياتالمتحدةالأمريكية بمسار رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مشيرًا إلى أنه لا شك أن هناك عقبات تقنية حاليًا وبالأخص التشريعات المرتبطة بها، ولكنها ستزول مع الوقت. وفي السياق ذاته، يقول الحقوقي والصحفي السوري، عبدالكريم المشهداني، إن أوروبا سبقت الولاياتالمتحدة في رفع العقوبات، مثل بريطانيا وفرنسا التي رفعت بعض العقوبات عن مجال الكهرباء والطاقة وألمانيا، إلا أنه كان رفعًا جزئيًا؛ معتقدًا أن تحذو الدول الأوروبية بالقرار الأمريكي برفع العقوبات بشكل كلي عن دمشق. وتجدر الإشارة إلى أن الليرة السورية سجلت تحسنًا ملحوظًا أمام الدولار الأمريكي في السوق الموازية عقب إعلان ترامب القرار، إذ ارتفعت بنحو 10%، وتم تداولها عند حدود 8300 ليرة للشراء و8700 ليرة للبيع، بحسب منصات محلية لمتابعة سوق العملات. والتقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الأربعاء، نظيره السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض، في خطوة من شأنها إعادة إدماج سوريا في محيطها العربي والدولي.