في خطوة غير متوقعة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق مفاجئ بين الهندوباكستان، الجارتين النوويتين، قائلًا: "يسرني أن أعلن موافقة الهندوباكستان على وقف إطلاق نار فوري. وأهنئ كلا البلدين على استخدام العقل لإنهاء الأمر". وذلك بعد وساطة أمريكية. وسرعان ما أعلنت الهندوباكستان، أنه تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الفوري، في الوقت الذي بدا فيه أن ضرباتهما الصاروخية المتبادلة تخرج عن نطاق السيطرة وأن النزاع يتصاعد ولا يوجد سبيل للتهدئة. لكن على الرغم من ذلك، فإن الروايات حول مدى التدخل الأمريكي في الاتفاق تناقضت. تضارب الروايات حول الدور الأمريكي "بعد ليلة طويلة من المحادثات التي توسطت فيها الولاياتالمتحدة، يسعدني أن أعلن أن الهندوباكستان اتفقتا على وقف إطلاق النار الكامل والفوري"، هذا ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منشور على منصة "تروث سوشيال"، قبل الساعة الثامنة صباحًا بالتوقيت المحلي لشرق الولاياتالمتحدة، وحوالي الساعة الخامسة مساءً في الهندوباكستان. وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة أعلنت منذ الساعات الأولى اندلاع الاشتباكات العسكرية المتبادلة بين الهندوباكستان، أنها لن تتدخل في النزاع وسيقتصر دورها على دعوة البلدين إلى ضبط النفس والتهدئة، فإن موقفها تغير بشكل مفاجئ جراء القلق الذي شعرت به واشنطن من أن تخرج الأمور عن السيطرة. وبعد إعلان الاتفاق بوقت قصير، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، إن الهندوباكستان لم تتفقا على وقف إطلاق النار فحسب، بل أيضًا على "بدء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في موقع محايد". موضحًا أن وقف إطلاق النار جاء بعد أن أمضى هو ونائب الرئيس جيه دي فانس اليومين الماضيين في التحدث مع كبار المسؤولين من كلا البلدين. وفي السياق ذاته، كشفت شبكة "سي إن إن"، أمس السبت، أن نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، اتصل برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وأبلغه رسالة تحتوي "معلومات حساسة"، ووفق الشبكة، كانت هذه الرسالة كفيلة بتشجيع مودي على المضي قدمًا في محادثات وقف إطلاق النار مع باكستان. من جانبها، أشادت باكستان بالدور الأمريكي في الوساطة مع الهند لوقف الحرب، إذ قال رئيس الوزراء شهباز شريف: "نشكر الرئيس ترامب على قيادته ودوره الاستباقي من أجل السلام في المنطقة". وقال مصدر باكستاني مطلع على المفاوضات لشبكة CNN إن الولاياتالمتحدة - ووزير خارجيتها ماركو روبيو على وجه الخصوص - لعبت دورًا أساسيًا في التوصل إلى الاتفاق. كما رحبت وزارة الخارجية الباكستانية بالدور "البناء" للولايات المتحدة والدول الصديقة في دعم التفاهم الأخير بشأن وقف إطلاق النار مع الهند، قائلة: "ممتنون لاستعداد الرئيس ترامب لدعم جهود حل قضية جامو وكشمير لما لها من تداعيات خطرة على السلام في جنوب آسيا". وذلك بعدما أعرب الرئيس الأمريكي عن استعداده للتوسط في حل قضية إقليم كشمير المتنازع عليه. وفي المقابل، "قللت" الهند من أهمية التدخل الأمريكي، إذ صرحت وزارة الإعلام الهندية بأن الاتفاق تم جراء الاتصال المباشر بين البلدين، تلك التصريحات المتناقضة مع ما جاء على لسان الإدارة الأمريكيةوالباكستانية. كما أكدت الوزارة عدم وجود "قرار" بإجراء مزيد من المحادثات بشأن أي قضايا أخرى كقضية كشمير مثلًا. وليس من الغريب أن يقدم هذان الخصمان المتنافسان روايات متناقضة حول كيفية التوصل إلى وقف إطلاق النار. ف الهند، التي تعتبر نفسها قوة عظمى صاعدة، كانت منذ فترة طويلة مقاومة للوساطة الدولية، في حين أن باكستان، التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأجنبية، تميل إلى الترحيب بها، كما يقول المحللون. وقالت الدكتورة أبارنا باندي، الباحثة في شؤون الهندوجنوب آسيا في معهد هدسون، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة: "لم تقبل الهند أبدًا الوساطة في أي نزاع، سواء كان بين الهندوباكستان أو الهند والصين، أو أي نزاع آخر"، وفق ما نقلته شبكة CNN. وأضافت باندي، أن "باكستان، من ناحية أخرى، سعت دائمًا إلى الوساطة الدولية، ولذا فإنها ستشيد بها"، قائلة إنها "الطريقة الوحيدة التي يمكنها من خلالها الضغط على الهند لمناقشة وحل نزاع كشمير". هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار؟ بعد ساعات من إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، تبادلت الهندوباكستان الاتهامات حول خرق الاتفاق. إذ اتهم وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري، إسلام أباد بانتهاك الاتفاق، وذلك بعد سماع دوي انفجارات، أمس السبت، في كل من الجزأين اللذين تديرهما الهندوباكستان في إقليم كشمير. وبدورها، اتهمت باكستان، الهند أيضًا بارتكاب انتهاكات، لكنها أكدت أنه "على الرغم من الانتهاكات التي ترتكبها الهند في بعض المناطق، فإن قواتنا تتعامل مع الوضع بمسؤولية وضبط نفس"، بحسب ما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية. ومع تبادل إطلاق النار على الحدود والتي استمرت طوال الليل؛ قال شهود من وكالة "رويترز" إنه بحلول الفجر، هدأت حدة القتال والانفجارات التي رصدت على جانبي الحدود. وعادت الكهرباء إلى معظم المناطق بالبلدات الحدودية الهندية بعد انقطاعها في الليلة السابقة. ووفق شبكة CNN، فإنه رغم أن الهندوباكستان تراجعتا عن حافة الهاوية في الوقت الحالي، فما زال من غير الواضح ما إذا كان وقف إطلاق النار "الهش" سوف يصمد أم لا. لكن حتى الآن يصمد الاتفاق. كما نشرت صحيفة "التلجراف" البريطانية تقريرًا، أشارت فيه إلى أن الشكوك قائمة حول مدى صمود وقف إطلاق النار في ظل استمرار السبب الجذري للصراع، خاصة قضية كشمير و"الإرهاب"، رغم الترحيب الدولي الواسع بهذا الاتفاق. وقالت الصحيفة، إن الخطاب الرسمي من الجانبين بشأن وقف إطلاق النار أشار بوضوح إلى وجود رغبة حقيقية في التهدئة، إذ وصف كل طرف تحركاته بأنها "استجابة مناسبة" لتصرفات الآخر، كما أكد كل طرف استعداده لعدم التصعيد شريطة التزام الطرف الآخر بذلك. وقبل أربعة أيام، شنت الهند هجمات عسكرية مفاجئة على 9 مواقع في باكستان والشطر الذي تديره إسلام آباد من كشمير، وقالت نيودلهي إنها استهدفت، في عمليتها التي سمتها ب"سندور"، مواقع "البنية التحتية الإرهابية" لجماعة "لشكر طيبة" بعد أن فشلت باكستان في التحرك ضد الجماعات المتمركزة في أراضيها والتي تقف وراء الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة 26 سائحًا بمنطقة باهالجام في جامو في أبريل الماضي. وبدورها، نفت باكستان ضلوعها في الهجوم، لترد هي الأخرى على الضربات الهندية، ليتبادل البلدين إطلاق النار والقصف عبر الحدود ويرسلان طائرات مسيرة وصواريخ إلى مجالهما الجوي منذ ذلك الحين مما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص.