تعد مقبرة الملك مرنبتاح في وادي الملوك بالبر الغربي في طيبة، واحدة من أبرز وأضخم المقابر الملكية في مصر القديمة، حيث تحتل مساحة تقدر بنحو 2472 مترا مكعبًا، مما يجعلها ثاني أكبر مقبرة في الوادي بعد مقبرة الملك سيتي الأول. يقول الأثري محمود فرح، إن مقبرة مرنبتاح يبلغ طولها 135 مترا، وقد كان الجزء الأمامي منها معروفا منذ العصور القديمة، بدليل وجود أكثر من 120 مخربشة يونانية ولاتينية على جدران الغرف الست الأولى، في حين أن الجزء الخلفي منها لم يكتشف إلا في عام 1903 على يد عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر، أما غرفة الدفن نفسها فلم يُكشف عنها إلا في عام 198، وتضم المقبرة أربع غرف جانبية متفرعة من غرفة الدفن، لا تزال مغطاة بالطمي وكسرات الحجارة نتيجة الفيضانات. يوضح فرح، أن الملك مرنبتاح هو ابن الملك رمسيس الثاني، وقد تولى الحكم في سن متقدمة بعد حياة طويلة في بلاط والده، ولم يدم حكمه سوى نحو عشر سنوات، لكنه مع ذلك أتم بناء مقبرته قبل وفاته، باستثناء الغرف الخلفية التي لم تزين أو تستكمل. وقد عرف مرنبتاح في التاريخ ليس فقط لكونه خليفة أحد أعظم ملوك مصر، بل أيضا لأنه صاحب اللوحة الشهيرة التي ذكر فيها اسم "إسرائيل" لأول مرة في التاريخ، وهي اللوحة التي أثارت وما تزال تثير كثيرا من الجدل في الأوساط الأثرية والتاريخية بسبب دلالاتها وتفسيراتها المختلفة. ويضيف فرح أن المقبرة تتميز بتصميمها المعماري المستقيم وانحدار دهاليزها البسيط، دون أي زوايا أو تغيرات مفاجئة في الاتجاه كما هو الحال في مقابر أخرى من نفس العصر. غير أن المقبرة شهدت خطأ إنشائيا فادحا حين تبين أن أحد توابيت مرنبتاح الجرانيتية، الذي يبلغ عرض غطائه 2.13 متر، أعرض من مداخل المقبرة نفسها، والتي لا يتجاوز متوسط عرضها 2.12 متر. ولحل المشكلة، قام المعماريون بكسر الأبواب المزخرفة ثم أعادوا بناءها لاحقا باستخدام كتل حجرية، لا تزال آثارها باقية في بعض الغرف الجانبية، وهو ما يعد دليلا حيا على الإرباك الذي سببه هذا الخطأ. وأشار الأثري محمود فرح، إلى أن الزخارف والنقوش داخل المقبرة تتبع التقاليد الفنية لمقابر الأسرة التاسعة عشرة، خاصة تلك الخاصة برمسيس الثاني وسيتي الأول، وتظهر براعة لافتة في النحت والتلوين، رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بها جراء الفيضانات. ويمكن مشاهدة بقايا ألوان زاهية بالأزرق والأحمر والأخضر والأصفر في عدة مواضع. وتزدان جدران الدهاليز الأولى بنصوص من أنشودة رع، ونصوص من كتاب الأمدوات التي تصف رحلة الشمس في العالم الآخر، مرورا بالساعات الليلية. كما نجد في غرفة البئر وصالة الأعمدة نصوصا من كتاب البوابات وكتاب الكهوف وكتاب الأرض، بالإضافة إلى مشاهد للملك يقدم القرابين لأوزوريس وآلهة أخرى. ومن أبرز النقوش في المقبرة أيضا نص الفصل 125 من كتاب الموتى، المعروف بالاعترافات الإنكارية، وهو من أهم النصوص الجنائزية في العقيدة المصرية القديمة، ويصور الروح وهي تنكر ارتكاب الخطايا أمام محكمة الآلهة. وتضم غرفة الدفن صفين من الأعمدة ومكانا منخفضا في الوسط يوضع فيه التابوت، وقد نقش على الجانب السفلي من غطائه صورة للإلهة نوت التي ترمز للحماية والبعث. وعلى جدران الغرفة توجد مشاهد من الساعة التاسعة من كتاب البوابات، وأجزاء من كتاب الكهوف وبقية كتاب الأرض. رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمقبرة عبر العصور، فإنها لا تزال تحتفظ بجوانب كثيرة من عظمتها، وتعد شاهدا معماريا وروحيا على تطور العقيدة الجنائزية المصرية، كما أنها تمنحنا لمحة عن شخصية مرنبتاح، الملك الذي ورث مجد والده، وترك وراءه مقبرة ضخمة ولوحة تاريخية مثيرة للجدل لا تزال محل دراسة ونقاش حتى اليوم.