النواب يحيل 33 تقريرا إلى الحكومة لتنفيذ توصياتها    بمشاركة الشرطة النسائية.. ختام فعاليات مسابقة الرماية السنوية| صور    العمل: 45 فرصة للعمل في الأردن برواتب تصل ل 500 دينار    الدولار يتراجع أمام الجنيه بداية تعاملات اليوم 12 مايو 2025    محافظ أسيوط يتفقد منطقة "المصلة" ويوجه بحلول عاجلة لأزمة الصرف -صور    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم الاثنين بالأسواق (موقع رسمي)    وزير الإسكان يتابع مشروع تطوير موقع التجلي الأعظم بسانت كاترين    تغير المناخ يهدد زراعة الموز في العديد من البلدان    الهند تستأنف فتح 32 مطارًا أغلقتها خلال التوترات مع باكستان    رئيس المستشارية الألمانية: وقف إطلاق النار يجب أن يسبق المحادثات مع روسيا    مصر تبحث مع إيران وسلطنة عمان مستجدات الملف النووي في مسقط    سوريون يضرمون النار بمواد غذائية وزعتها قوات إسرائيلية    الصين وأمريكا تتفقان على خفض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب منطقة "شيتسانغ" جنوب غربي الصين    الأهلي يصطدم بالزمالك في نصف نهائي السوبر الأفريقي لكرة اليد    رونالدو على رأس تشكيل النصر المتوقع أمام الأخدود    محمود حمدي الونش يعود لتشكيل الزمالك الأساسي أمام بيراميدز    موعد مباراة الأهلي وسيراميكا بالدوري.. والقنوات الناقلة    برشلونة يحلق بالصدارة، ترتيب الدوري الإسباني بعد الجولة ال 35    تقييم صلاح أمام أرسنال من الصحف الإنجليزية    «وقت إضافي أم ركلات ترجيح».. ماذا يحدث حال تعادل مصر وغانا في كأس أمم أفريقيا للشباب؟    9 ملايين جنيه.. قيمة قضايا الاتجار غير المشروع في النقد الأجنبي    رفع 48 سيارة ودراجة نارية متهالكة خلال حملات مكثفة بمختلف المحافظات    مصرع جزار في مشاجرة بين طرفين بالقليوبية    تأجيل محاكمة المتهم بقتل والده في مشاجرة بطوخ لجلسة أغسطس المقبل    محافظ المنوفية يعلن ضبط 50 طن قمح بمخزن حبوب غير مرخص بالباجور    تحرير 202 محضر والتحفظ على مواد غذائية وعصائر منتهية الصلاحية ببنى سويف    عرض ومناقشة فيلم "سماء أكتوبر" في مكتبة المستقبل    «CANNES 78».. الاحتفاء بنيكول كيدمان وعودة جعفر بناهى    مسرح 23 يوليو بالمحلة يشهد ختام العرض المسرحي «الطائر الأزرق»    هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول: إسرائيل ستوفر ممرا آمنا لإطلاق سراح عيدان    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    طريقة عمل الفاصوليا الخضراء بمذاق لا يقاوم    جنوب سيناء.. فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يرصد مخالفات بمستشفى دهب    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    4 ملايين مشاهدة، بيسان تتصدر تريند اليوتيوب ب "خطية"    عمرو سلامة يعلق على تصنيفه من المخرجين المثيرين للجدل    تعويض 2000 جنيه.. البترول تعلن خلال ساعات آلية تقديم أوراق المتضررين من البنزين.. فيديو    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    ترامب يعلن اعتزام قطر إهداء طائرة لوزارة الدفاع الأمريكية    «قصر العيني» يحصل على اعتماد الجمعية الأوربية لأمراض القلب    القافلة الطبية بقرية الوسطاني بدمياط تقدم خدمات علاجية مجانية ل 1758 مواطنا    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الاثنين 12 مايو 2025    إصابة طالب بحروق إثر حادث غامض في البراجيل    قبل بوسي شلبي ومحمود عبدالعزيز.. زيجات سببت أزمات لأصحابها في الوسط الفني    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    تزامنا مع زيارة ترامب.. تركيب الأعلام السعودية والأمريكية بشوارع الرياض    حكم اخراج المال بدلا من شراء الأضاحي.. الإفتاء تجيب    مدير الشباب والرياضة بالقليوبية يهنئ الفائزين بانتخابات برلمان طلائع مصر 2025    عباس شومان ينفي وفاة الدكتور نصر فريد واصل    تكليف «عمرو مصطفى» للقيام بأعمال رئيس مدينة صان الحجر القبلية بالشرقية    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    «انخفاض مفاجئ».. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: كتلة هوائية قادمة من شرق أوروبا    تبدأ في هذا الموعد.. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي بمحافظة أسوان 2025 (رسميًا)    مع عودة الصيف.. مشروبات صيفية ل حرق دهون البطن    حسام المندوه: لبيب بحاجة للراحة بنصيحة الأطباء.. والضغط النفسي كبير على المجلس    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضانك في خيمة.. بهجة الشهر تاهت في غزة وسط الحرب: ليته لم يأت
نشر في مصراوي يوم 19 - 03 - 2024

في الحادي عشر من أكتوبر، قُصف منزل عائلة رنا حمادة في مخيم جباليا شمالي القطاع، نجت الفتاة مع طفليها وزوجها وبعض من أفراد العائلة الذين خرجوا جميعًا بإصابات متفرقة في أجسادهم، بينما لم يتمكن جزءُ آخر من النجاة بينهم شقيق زوجها وزوجته وابنه.
في اليوم الخامس من الحرب، بدأت رحلة الأسرة مع النزوح. في البداية، لم يخرجوا لمسافات بعيدة، بل نزحوا من منطقتهم التي كانت منطقة استهداف عنيفة لغارات الاحتلال، إلى أخرى اعتقادا أنّها أكثر أمنًا، لكن الأمر لم يستمر سوى ثلاثة أيام فقط، بعدما لاحقتهم الغارات للمكان الجديد، فقرروا حينها الخروج لمسافات أبعد تلك المرة كانت وجهتهم منطقة دير البلح في المحافظة الوسطى.
"لما حسينا حالنا طولنا والله خجلنا من الناس" أقامت عائلة رنا رفقة أقارب لهم بالمحافظة الوسطى، لم يمكثوا إلا أيامًا قليلة حتى شعروا أنّ عليهم البحث عن مكان آخر، خاصة وأنّ الحرب جعلت الجميع يعيش ظروفًا صعبة لذا طلبت العائلة الخروج، لتستقر في رحلة نزوح أخيرة داخل خيمة في مخيم إيواء بالمحافظة الوسطى يستقرون بداخلها إلى اليوم.
رمضان هذا العام لم يكن كسابقيه على الفتاة العشرينية وعائلتها، فالتواجد داخل خيمة في ظل حرب إبادة وتجويع جعل بعضهم يتمنى لو لم يأت رمضان، طقوس الثلاثين يومًا تبدلت أحوالها، في السابق كان الشهر يمر وسط تجمعات العائلة وزيارات الأصدقاء وتناول أشهى الأطعمة، اليوم رحل جزء كبير من العائلة وتشتت الأصدقاء حتى الطعام لم يعد متوفرًا " أنا فعليا لأول مرة في حياتي أكون مش عايزة يجي رمضان".
"احنا كنا عيلة بنجنن".. في منزل العائلة بمخيم جباليا الأعوام السابقة خاصة بعد زواج الفتاة، كان رمضان يأتي وسط تجمع الفتاة رفقة عائلة زوجها في أول يوم، يتسامرون ويضحكون كانت حياتهم بسيطة هادئة، أجواء رمضان كانوا يستعدون لها قبل نحو شهر من قدومه، يجددون محتويات المنزل لتناسب بهجته، يعلقون الزينة في المنزل وخارجه يشترون الفوانيس لإدخال السرور على قلوب الأطفال، يشترون أنواع عدة من الطعام والمعلبات لتناولها بالإفطار والسحور، "كنت عالفطور لما بدك تقومي تحطي مليون صنف عشان تاكلي. سبحان الله صح الوضع المادي بغزة صعب بس رمضان كان يجي خيره معه".
اليوم، تبدل الحال قُصفت الدار وتشتت أصحابها بين أرجاء القطاع، استقرت رنا وطفلاها وزوجها داخل خيمة صغيرة في دير البلح، فيما نزح ما تبقى من العائلة بأماكن مختلفة، مع قدوم شهر رمضان وفي أيامه الأوائل كان الوضع صعبًا على الفتاة التي لم تسلم من أسئلة ولديها عن الشهر الفضيل، والطقوس التي اعتادوا فعلها في السابق.
تبدأ "رنا" يومها في رمضان بالخيمة في وقت مبكر، من أجل الوصول إلى دورات المياه والتي ليس من السهل الوصول إليها، لتعود بذاكرتها إلى رمضان الماضي، حيث كانت تستيقظ على موعد آذان الظهر، تنتهي الفتاة من تلك المهمة لتبدأ في مهمة أكثر صعوبة وهي الحصول على المياه في ظل ندرتها، وبعد ذلك تسعى لتوفير الطعام من أجل تجهيز الإفطار لزوجها وأبنائها، والذي يكون في الغالب من "المعلبات"، السلع الوحيدة المتوفرة في القطاع
"ابني بيحكيلي ماما هاد رمضان اللي كنا نجيب فيه عصير كتير، بحكي له يا ماما ما معنا مصاري نجيب عصير".. طفلا رنا اللذان لم يتجاوزا العاشرة من عمرهما، يدركان جيدًا معنى قدوم شهر رمضان، حيث الطعام والعصائر و والبهجة والزينة واللعب بالشارع، الأشياء التي يفتقدونها بالخيمة، ومع تكرار الأسئلة حول لماذا لم يعد لدينا هذا الشيء؟، تأتي إجابة الأم المعتادة: "ما معنا مصاري للشراء"، في محاولة دائمة لإقناعهم أنّهم في وضع غير معتاد، حتى أنّ أحد الصغار اتهم الأم أنّها لم تعد تُحبهم كونها لم تجلب لهم ما يشتهونه من طعام وألعاب التي اعتادوا عليها خلال الشهر الكريم.
الفطار والسحور بالخيمة وجبتان لا خلاف بينهما كثيرًا، فالمعلبات هي الطعام الوحيد على المائدة منذ بداية الحرب، حتى أنّ زوج "رنا" حاول الذهاب للسوق مع بداية الشهر، لشراء علبة مربى أو حلاوة وكمية صغيرة من التمور لأطفاله، لكنه عاد محملا بخيبة أمل كبرى، بعد مشاهدة الأسعار، ما دفع الفتاة لمحاولة إقناع صغيرها بأنّهم لن يتناولوا سوى المعلبات، والتي قبل أسابيع قليلة تسببت في إصابتهم بأمراض حتى أنّ الأطباء منعوا "رنا" من تناولها لكن لا خيارات أخرى سواها، "احنا عنا خمس شهور منعرفش شو يعني اللحمة".
الأزمة لم تكن في الطعام والشراب فقط، بل تجمع العائلة كان طقسًا هامًا تفتقده رنا حمادة وعائلتها الصغيرة داخل خيمتهم بالدير، فالصغيران لم يدركا حتى اللحظة أنّ عمهم "حسن" الذي يفضلان تناول طعام الإفطار معه، ويرافقانه لصلاة التراويح بالمسجد، استشهد رفقة زوجته وابنته، حتى أنّهم خلال الأيام الأولى من الشهر كثر حديثهم وسؤالهم عن عمهم "حسن" ومتى سيأتي لتناول الطعام معهم وقضاء يوم في رمضان ولو داخل خيمتهم الصغيرة، "أنا كيف بدي أفهم هذا الطفل، كيف بدي أقنعه إنه مستحيل تشوفه بعد اليوم".
في لحظات الضعف تتمنى رنا حمادة لو أنّها لم تُنجب أطفالًا، في ظل المعاناة التي يعيشها صغيراها بسبب حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال، خمسة أشهر تعيشها الفتاة وعائلتها في ظروف مأساوية، اعتقدوا أنّ هذا الأمر سينتهي قبل قدوم رمضان، وأنّهم سيقضون الشهر المبارك بمخيمهم ولو جلسوا على أنقاض منزلهم المهدوم، لكن جاء رمضان دون عائلة وزينة وطعام وشراب وصلاة تراويح بالمسجد المفضل لديها، جاء رمضان ولم يخرج صغارها لمشاهدة الألعاب النارية والذهاب للملاهي كعادة كل عام، جاء رمضان وكأنّه لم يأت على رنا حمادة وأسرتها.
لم تكن رنا وحدها من تبدّل حالها بالشهر الكريم، الوضع لم يختلف كثيرًا مع الشاب مدحت حجاج صاحب الثلاثين عامًا، والذي يعيش حاليا داخل مخيم لجوء بمنطقة المواصي، إحدى المناطق التي زعم الاحتلال أنّها آمنة وطلب من أهالي القطاع النزوح إليها.
كان الشاب يعيش بحي الشجاعية شمالي القطاع رفقة زوجته وأبنائه الثلاثة، مع بداية حرب السابع من أكتوبر خرج الشاب من منزله لأداء مهام عمله الصحفي، وظل نحو 38 عامًا بعيدًا عن أسرته، لكن وفي ظل اشتداد القصف على منطقتهم قرروا النزوح للجنوب.
بداية رحلة نزوحهم كانت لمنطقة دير البلح، استقروا في خيمة بالمدينة الصغيرة لنحو شهرين، لكن الظروف كانت بالغة الصعوبة على الشاب وعائلته التي خرجت من المنزل بملابسها فقط، حتى معداته الصحفية خسرها بالكامل وبالتالي خسر عمله ومصدر رزقه الوحيد.
وبعد نحو 50 يومًا، اجتاح الاحتلال المنطقة التي يقيم بها الشاب وأسرته، وقصفها بغارات عنيفة اضطرته للخروج منتصف الليل نحو منطقة المواصي القريبة من الحدود المصرية الفلسطينية.
"في أول يوم رمضان لم نشعر أنه رمضان نهائيا، بل أنني أكثر من مرة أنسى أني صائم"، أسوة بغيره من المواطنين المحاصرين بالقطاع، فإن مدحت يواجه أزمة في توفير الطعام، بالرغم من أنّه لا يتمكن إلا من توفير المعلبات فقط، والتي من المفترض أنّها تدخل ضمن المساعدات لكنّه يشتريها من ماله الخاص، فالشاب صرف على الطعام الأموال التي ادخرها لسنوات من عمله خلال أسابيع فقط، بل إن الأمر ازداد صعوبة مع بداية شهر رمضان.
في السابق كان الشاب وعائلته يتجمعون على مائدة السحور أشبه بتجمعهم على الفطار، لكنّهم اليوم وبداخل خيمتهم الصغيرة من بداية الشهر لم يتناولوا السحور سوى مرة واحدة فقط، لم تقتصر معاناتهم بالخيمة على عدم توافر الطعام فقط، لكن آذان المغرب نفسه لم يعد متاحًا لهم سماعه، نظرًا لأنّ أقرب مسجد على مسافة بعيدة، حتى أنّ الشاب وجيرانه بالمخيم ينتظرون حتى سواد الليل ليتناولوا الطعام والشراب.
في السابق كان مدحت يمتلك طقوسًا خاصة في هذا الشهر، يصلي الفجر ويتلوا القرآن للشروق يذهب إلى عمله، ويعود منه إلى السوق لشراء احتياجات الإفطار، يساعد زوجته بالمنزل في تجهيز الطعام، يجلس مع عائلته يتسامرون ويتناولون الحلويات التي اشتهر بها أهل غزة في رمضان، تلك الأحداث أصبحت مجرد ذكرى للشاب، في الخيمة لا يوجد سحور يٌصلي الفجر ويبدأ يومه من السادسة صباحًا بالبحث عن المياه، وفي العاشرة يذهب للسوق للبحث عن أي طعام يشتريه لصغاره.
خيمة مدحت كغيرها من خيام أغلب نازحي القطاع، تخلوا من مظاهر شهر رمضان، الشاب اعتاد سابقًا أن يشتري فانوسًا لصغارة، لكنّه اليوم، لا يمتلك كهرباء حتى لتشغيله، كما أنّ أولوياته تغيرت كثيرًا فبسعر الفانوس يمكن أن يشتري خضروات للصغار يتناولونها بدلا من المعلبات، التي يتناولونها منذ بداية الحرب.
البحث عن الطعام وسط الخيام هو الذي يسيطر على تفكير مدحت حجاج خلال شهر رمضان وغيره لأنه الأهم بالنسبة إليه، ساقه القدر إلى "تكية خيرية"، حصل منها على إفطار بسيط يكفيه وصغاره لمدة يومين، على أن يُعاود من جديد البحث عن ما يتناوله صغاره الذين يعيشون أيضًا على ذكريات رمضان التي عاشوها خلال سنوات عمرهم الماضية، والتي اختفت تمامًا هذا العام وسط خيمة صغيرة يقضون بها أيامهم الصعبة على أمل العودة إلى منزلهم من جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.