تلقى الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، سؤالا من أحد متابعيه يقول فيه: ما هو السر في ابتداء سورة الفاتحة بالتحميد وليس بالتسبيح مع أن التسبيح مقدم على التحميد، لأنك تقول : سبحان الله والحمد لله فما السبب هاهنا في وقوع البداية بالتحميد؟ وما هي فائدة الابتداء بالتحميد والإكثار منه ؟ ليجيب مرزوق عبر صفحته الرسمية على الفيسبوك قائلا إن القرآن الكريم قد استخدم الجملتين ( الحمد لله رب العالمين ) كما في بداية الفاتحة، كما استخدم سبحان الله رب العالمين في موضع آخر من القرآن إلكريم قال تعالى ( فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين )، ولكن، يشير مرزوق، أن الابتداء بالتحميد في أول القرآن له فائدة عظيمة في هذا الموضع نبه عليها الفخر الرازي رحمه الله تعالى بقوله: إن التحميد يدل على التسبيح دلالة التضمن، فإن التسبيح يدل على كونه مبرأ في ذاته وصفاته عن النقائص والآفات، والتحميد يدل مع حصول تلك الصفة على كونه محسنا إلى الخلق منعما عليهم رحيما بهم. وعلى هذا ، يقول مرزوق، يكون التسبيح إشارة إلى كونه تعالى تاما والتحميد يدل على كونه تعالى فوق التمام، فلهذا السبب كان الابتداء بالتحميد أولى، وهذا الوجه مستفاد من القوانين الحكمية، وأما الوجه اللائق تحصيل بالقوانين الأصولية فهو أن الله تعالى لا يكون محسنا بالعباد إلا إذا كان عالما بجميع المعلومات ليعلم أصناف حاجات العباد، وإلا إذا كان قادرا على كل المقدورات ليقدر على ما يحتاجون إليه، وإلا إذا كان غنيا عن كل الحاجات، إذا لو لم يكن كذلك لكان اشتغاله بدفع الحاجة عن نفسه يمنعه عن دفع حاجة العبد فثبت أن كونه محسنا لا يتم إلا بعد كونه منزها عن النقائض والآفات، فثبت أن الابتداء بقوله الحمد لله أولى من الابتداء بقوله سبحان الله. اما سر الابتداء بالتحميد والإكثار منه، فيقول مرزوق، إن من أعظم الفوائد أن الحمد لله له تعلق بالماضي وتعلق بالمستقبل، أما تعلقه بالماضي فهو أنه يقع شكرا على النعم المتقدمة، وأما تعلقه بالمستقبل فهو أنه يوجب تجدد النعم في الزمان المستقبل، لقوله تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم [إبراهيم: 7] والعقل أيضا يدل عليه، وهو أن النعم السابقة توجب الإقدام على الخدمة، والقيام بالطاعة. ويتابع مرزوق قائلا أنه إذا اشتغل العبد بالشكر انفتحت على العقل والقلب أبواب نعم الله تعالى، وأبواب معرفته ومحبته، وذلك من أعظم النعم، فلهذا المعنى كان الحمد بسبب تعلقه بالماضي يغلق عنك أبواب النيران، وبسبب تعلقه بالمستقبل يفتح لك أبواب الجنان، وعلى هذا فتأثيره في الماضي سد أبواب الحجاب عن الله تعالى، وتأثيره في المستقبل فتح أبواب معرفة الله تعالى، ولما كان لا نهاية لدرجات جلال الله فكذلك لا نهاية للعبد في معارج معرفة الله، ولا مفتاح لها إلا قولنا الحمد لله، فلهذا السبب سميت سورة الحمد بسورة الحمد.