طبيب قنا والمسنة المتوفاة.. القصة الكاملة لواقعة أثارت الجدل    "التعليم العالي" تعلن حصاد أداء الأنشطة الرياضية خلال العام المالي 2024 -2025    قانون العمل الجديد.. ضمانات شاملة وحقوق موسعة للعاملين فى القطاع الخاص    آخر أيام إجازة عيد الأضحى.. غدا الوزارات والمصالح الحكومية تستأنف العمل    سعر الذهب اليوم فى مصر يرتفع خلال تعاملات رابع أيام عيد الأضحى    إزالة حالتي تعد على أراض زراعية ورفع 60 طن قمامة ب«الطود» في الأقصر    محافظ الدقهلية: توريد 271 ألف طن قمح بمراكز التوريد والتخزين    الحكومة تبحث إقرار زيادة جديدة في أسعار شرائح الكهرباء سبتمبر المقبل    إقالة نائب مدينة برانى وإحالة مدير النظافة للتحقيق بمطروح    قبل وصولها إلى غزة…قوات الاحتلال تعترض السفينة "مادلين" وتعتقل طاقمها    الجيش الأوكراني: استهدفنا منشأة صناعية عسكرية في مقاطعة قازان الروسية    ترامب يتعثر على سلم الطائرة الرئاسية في ولايته الثانية (فيديو)    6 شهداء في قصف للاحتلال استهدف خيمة نازحين بمواصي خان يونس    الصادرات الصينية تتراجع في ظل الحرب التجارية    والد إيلون ماسك يكشف ما حدث لابنه بسبب ترامب    تريزيجيه: استفدنا من مواجهة باتشوكا بالتعود على الطقس.. والجميع يعلم مسؤولياته    ريال مدريد يفكر في طلب ألونسو.. بعد كأس العالم للأندية    مراكز الشباب بالدقهلية تقدم الألعاب الترفيهية وعروض غنائية وسحرية فى رابع أيام العيد    بسبب غش الوقود وعيوب الطرق..مصرع 13 شحصا فى انقلاب ميكروباصين بالدقهلية وجنوب سيناء    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    شهيد الشهامة.. موعد عزاء السائق خالد عبد العال اليوم الإثنين عقب صلاة العصر    مقتل شخص بطلق ناري في مشاجرة بين عائلتين بقرية البلتاجي بالفيوم    140 حديقة فى أسوان تستقبل الزوار بالهدايا والبهجة -صور    وزارة الحج والعمرة بالسعودية تُكرّم البعثة المصرية بعد موسم ناجح    مصرع عنصرين إجراميين شديدي الخطورة في تبادل إطلاق النيران مع الشرطة بقنا    طارق الشناوي: فيلم «ريستارت» رؤية ضعيفة وأداء غير متماسك    توتر بين عائلة العندليب و«موازين» بعد إعلان حفل بتقنية الهولوجرام    احتفالات مبهجة بثقافة الشرقية فى عيد الأضحى ضمن برنامج "إبداعنا يجمعنا"    «تاريخ ساحر مليء بالأسرار».. إطلاق الفيديو الترويجي الأول للمتحف الكبير قبل الافتتاح الرسمي    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    الصحة: فحص 3.6 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة "فحص المقبلين على الزواج"    الصحة: فحص 3 ملايين و251 ألف سيدة ضمن مبادرة "العناية بصحة الأم والجنين"    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بمبادرة الكشف المبكر عن السرطان    فيروس جديد يثير القلق.. شبيه ب"ميرس" المعروف بمعدل وفيات يصل إلى الثلث    9 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    بسبب أزمة الحريديم.. حزب "شاس" يلوح بحل الكنيست    حزب المؤتمر: استعدادات مكثفة للانتخابات وسنقدم مرشحين يمتلكون الشعبية والكفاءة    أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم 9 يونيو 2025    حظك اليوم الأثنين 9 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    بعد عودته من الحج.. أحمد سعد يشعل حفله في الساحل الشمالي (صور)    عائلات أسرى إسرائيل تتظاهر للمطالبة بإعادة ذويهم وإنهاء الحرب: أعيدوهم جميعا واخرجوا من غزة    شيرين عبدالوهاب تحل محل ماجدة الرومي في حفل ختام مهرجان موازين    مكافأة للمتميزين وإحالة المتغيبين للتحقيق فى مستشفى المراغة بسوهاج    وداع بطعم الدموع.. الحجاج يطوفون حول الكعبة بقلوب خاشعة    سعر الريال القطرى اليوم الإثنين 9-6-2025    إصابه قائد موتوسيكل ومصرع أخر إثر إصطدامه به في المنوفية    ياسمين صبري: لا ألتفت للمنافسة.. و"ضل حيطة" قصة تمس واقع الكثير من الفتيات    ليفاندوفسكي: لن ألعب لمنتخب بولندا تحت قيادة المدرب الحالي    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «بخلاف كون اللقاء وديا».. ريبيرو يكشف سبب عدم الدفع بتشكيل أساسي ضد باتشوكا    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تريزيجيه يضع بصمته الأولى مع الأهلي ويسجّل هدف التعادل أمام باتشوكا.    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقهى ريش.. مشط في ليل القاهرة
نشر في مصراوي يوم 14 - 03 - 2022


بعض الكتب عينٌ ترى من كل الزوايا.
وتعدد المداخل هو أحد أوجه الثراء في كتاب ميسون صقر "مقهى ريش: عينٌ على مصر" (نهضة مصر، 2021)، فالباحثة (ولا نقول الكاتبة؛ لأن جهد البحث هنا كبيرٌ ومُقدّر) أحاطت بالموضوع من مختلف جوانبه، حتى أنها بدأت في التركيز على مقهى "ريش" اعتبارًا من الصفحة 261، وأفردت له بعد ذلك حوالي 400 صفحة من هذا الكتاب الضخم (654 من القطع الكبير).
تتناثر على صفحات الكتاب قضايا بالغة الأهمية، من تاريخ القاهرة الخديوية وعمرانها وميادينها، إلى المقاهي في حاضرة القاهرة، مرورًا بأدوار الشوام والأرمن واليهود في مرحلة التحولات الكبرى في تاريخ مصر، فضلًا عن مسائل الفن والسياسة التي تختلط بالتاريخ فتصنع مزيجها الخاص.
تُقدِّم ميسون القاسمي صورًا سردية حية لواقعٍ تحلَّل بحكم الزمن ولا يمكن إعادته ولا تذوقه، وهي في هذا العمل المهم والشامل تسعى إلى تثبيت اللحظة بجمالها لفترةٍ أطول، وتستعرض الحكاية التي تأخذ أسطوريتها من تعدُّد طرق سردها.
الكتاب، إذن، وثيقة نادرة زاخرة بالمعلومات والمصادر والصور، عن قطعة من أرض مصر (منطقة وسط البلد ككل وليس مقهى "ريش" فحسب) وفترة زمنية ممتدة من عمر هذا البلد، حتى إن القارئ بوسعه أن يعتبر الكتاب الذي بين يديه العُمدة في مجاله والشامل في موضوعه.
ليس أمامك سوى أن تنظر بعين التقدير إلى الجهد الهائل الذي بذلته الباحثة لجمع مادة كتابها، فقد استغرق منها حوالي ثمانية أعوام؛ إذ بدأت منذ العام 2013 بمسحٍ كامل لمعظم الجرائد والمجلات الورقية لدى مالك مقهى "ريش"، مجدي عبدالملاك (توفي عام 2015)، وعمل تصوير ضوئي لكلٍ منها، كصورة يمكن حفظها إلكترونيًا بدلًا من الورق المعرض للتلف، ثم كتبت كل ورقة منها مرة أخرى بشكلٍ واضح على برنامج "وورد" حتى يتسنى قراءتها وطباعتها وأخذ نسخ ومقتطفات منها، وكان عدد ما كتب 173 موضوعًا. أجرت الباحثة بعد ذلك مسحًا إلكترونيًا شاملًا لكل ما يتعلق بمقهى "ريش" أو مطعم مقهى "ريش" وحفظت منه أيضًا نسخة إلكترونية كصورة للموقع، ووضع رابط يُذهب إليه مباشرة وحفظته، وكان عدد هذه المواقع 112 موقعًا.
في مرحلة لاحقة، بدأت ميسون صقر في البحث عن الصور وحفظها، وشرعت في تقسيم المادة إلى: سيرة مكان، مقهى "ريش" الثقافي، ليالي الفن، مقهى "ريش" الاجتماعي، ثم وضعت جزءًا عن مطعم مقهى "ريش"، وآخر عن أرشيف مقهى "ريش". بدأت بعد ذلك في تقسيم كل قسم إلى أقسام أخرى، ففي سيرة مكان مثلًا قسّمته إلى أربعة أقسام، تاريخ مقهى "ريش" ترميم وافتتاح مقهى "ريش"، واستعادة مقهى "ريش"، وكتبت في كلٍ منها شرحًا لأهمية كل قسم وما فيه من محتويات.
لا عجب، إذن، أن يخرج الكتاب في صور أرشيف شامل للحياة الثقافية والاجتماعية في القاهرة، وأن يضم طبقات متعددة للحكي، وخاصة حين تتطرق الباحثة (من بداية الجزء الثالث إلى نهاية الكتاب) إلى عالم المقاهي، انطلاقًا من تاريخها المتمثل فيما حدث من حراك وفاعليات فنية وسياسية وفكرية في الحياة المصرية.
تاريخ حي داخل المقاهي ووسط جدرانها، تتحدث عنه الباحثة في إطار تناولها للبناء والحياة اليومية في مصر عمومًا، والقاهرة على وجه الخصوص، بما فيها من شوارع واسعة وبنايات متعددة الطوابق ذات جماليات أخرى وتفاصيل مختلفة ومقاهٍ ومحال حديثة تتوجه لزبائن مختلفين.
لا تغفل الباحثة عن التاريخ، وتركز على مقهى "ريش" الذي نراه على الدوام مثل مشطٍ في ليل القاهرة، يصفف شعر منطقة وسط البلد بأناقةٍ تليق بها وبه. تشير ميسون صقر إلى ترك صاحب مقهى "ريش" القاهرة لاستدعائه في بلده كي يشارك في الحرب (خلال الحرب العالمية الأولى وتقسيم البلدان العربية بعدها بين بريطانيا وفرنسا، كان صاحب المقهى هنري ريسينييه فرنسيًا وكانت القاهرة تابعة للاحتلال البريطاني آنذاك)، وتتكلم عن بيع المقهى لآخر في فترة الثورات، أو ترك بعضهم مع خروج الإنجليز وإعلان الملكية، أو ترك البعض الآخر مع التأميم، أو وجود صاحب مقهى من جنسية ويعتبر رعية دولة أخرى (إنجليزية لليونانيين في فترة خروج العثمانيين من المشهد المصري)، أو اشتراك رواد المقهى في تظاهرات أو بيانات سياسية، وغيرها من الأحداث.
ينطبق ذلك أيضًا على تحول المقهى مع تحول الشأن العام والقوانين والأوضاع، فتوقف النشاط الفني في أثناء الحرب أو وجود الحلفاء قرب المقهى أو تحول أنشطة المقهى الفنية إلى ثقافية بحتة مع بيع المسرح وترك صاحبه المغرم بالفن، أو تغير الميل مع ثورة 1952 للثقافة والسياسة.. أو إغلاق الأماكن المفتوحة من المقهى وتحوله من مقهى من المقاهي الأجنبية إلى مقهى ومطعم مع تغيّر شروط المقاهي وإلغاء المقهى الأجنبي.
ولا تنسى مؤلفة الكتاب الحديث عن مقهى "ريش" بوصفه مقرًا لتجمُع العرب والسياسيين واللاجئين، من الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين إلى قحطان الشعبي، الذي أصبح عام 1967 أول رئيس لجمهورية اليمن الشعبية، وعبدالفتاح إسماعيل الذي أصبح رابع رئيس لها عام 1978، وقائد الثورة اليمنية عبدالله السلّال، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وكذا صلاح خلف (أبو إياد)، وغيرهم الكثير.
في هذا السِفر الكبير، تستنطق ميسون صقر المروي وتعيد أو تستعيد الحكايات بشغف محبٍّ يبحث لا عن الجديد، ولكن عن الاختلافات في كل حكاية.
هنا المقهى هو البيت، ووسط البلد هي المزار، والقاهرة هي روح الوطن؛ لهذا كله فإن "مقهى ريش" يستحق الاحتفاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.