رئيس جهاز مدينة دمياط الجديدة يزور جامعة المحافظة لبحث سبل التعاون التنموي والتعليمي    محافظ الإسماعيلية يتابع الموقف التنفيذي لنسب الإنجاز بملفات التقنين والمتغيرات المكانية (صور)    مالطا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية    شهادة من الداخل.. رجل أعمال إسرائيلي يكشف خداع تل أبيب لواشنطن بشأن مساعدات غزة    دمشق تتعهد لواشنطن بالمساعدة في البحث عن أمريكيين مفقودين في سوريا    كريستال بالاس يتقدم على ليفربول 1-0 بعد مرور 30 دقيقة    خبير لوائح: أتوقع أن تخصم المحكمة الرياضية 6 نقاط كاملة من الأهلي    رئيس بعثة الحج الرسمية: وصول نحو 13 ألف حاج من بعثة القرعة إلى مكة المكرمة    السعودية تدعو لتحري هلال ذى الحجة الثلاثاء وتكلف صالح بن حميد بخطبة عرفة    موعد صلاة عيد الأضحي 2025 في القاهرة والمحافظات.. تعرفوا عليه    وزير الأوقاف في ماسبيرو لتسجيل حلقات برنامج حديث الروح في دورته الجديدة    وزير الأوقاف في ماسبيرو لتسجيل حلقات برنامج حديث الروح في دورته الجديدة    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تستضيف انعقاد "المجلس الأعلى" للجامعات الخاصة والأهلية برئاسة د. أيمن عاشور    مدبولي: حريصون على جعل مصر مركزًا إقليميًا لصناعة الحديد    تامر حسني وأبطال "ريستارت" يحتفلون اليوم بالعرض الخاص للفيلم    إنجاز على صعيد العمل.. توقعات برج القوس في الأسبوع الأخير من مايو 2025    موعد وقفة عرفات 2025 وكيف تستغل هذا اليوم المبارك    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    دليلك لاختيار الأضحية في عيد الأضحى 2025 بطريقة صحيحة    ختام الموسم.. ماذا يحدث في 10 مباريات بالدوري الإنجليزي الممتاز؟ (مُحدث)    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا الاثنين 26-5-2025    خلال المؤتمر الجماهيري الأول لحزب الجبهة الوطنية بالشرقية.. عثمان شعلان: ننطلق برسالة وطنية ومسؤولية حقيقية للمشاركة في بناء الجمهورية الجديدة    «الإسماعيلية الأزهرية» تفوز بلقب «الأفضل» في مسابقة تحدي القراءة العربي    إيتو: مستوى الفرق بكأس العالم للأندية متقارب.. وأثق في أنديتنا الأفريقية    عمر مرموش يقود تشكيل مانشستر سيتي ضد فولهام في الدوري الإنجليزي الممتاز    "عاشور ": يشهد إطلاق المرحلة التنفيذية لأضخم مشروع جينوم في الشرق الأوسط    إصابه 5 أشخاص في حادث تصادم على الطريق الإقليمي بالمنوفية    5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية    الأهلي يحتفي بذكرى تتويجه بلقب دوري أبطال أفريقيا للمرة ال 12    تقارير: الهلال السعودي يحدد موعد سفره إلى أمريكا.. ويترك القائمة للمدرب الجديد    لجنة تصوير الأفلام تضع مصر على خريطة السينما العالمية    مصر تهنيء الأردن بمناسبة الاحتفال بذكرى يوم الاستقلال    الهيئة العربية للاستثمار توقّع مذكرة تفاهم مع شركة أمريكية لدعم التحول الرقمي في الزراعة    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    جدول مواعيد الصلاة في محافظات مصر غداً الاثنين 26 مايو 2025    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    نائب رئيس الوزراء: زيادة موازنة الصحة ل406 مليارات جنيه من 34 مليار فقط    يسبب السكتة القلبية.. تناول الموز في هذه الحالة خطر على القلب    المئات يشيعون جثمان القارئ السيد سعيد بمسقط رأسه في الدقهلية    محافظ المنوفية: تقييم دوري لأداء منظومة النظافة ولن نتهاون مع أي تقصير    محافظ بني سويف يلتقي وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    ضبط سائق سيارة نقل بتهمة السير عكس الاتجاه بالقاهرة    الصحة العالمية تشيد بإطلاق مصر الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية البيطرية    محافظ أسيوط يتفقد مستشفى الرمد بحي شرق ويلتقي بعض المرضى    خطوة بخطوة.. إزاي تختار الأضحية الصح؟| شاهد    فور ظهورها.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية بالاسم ورقم الجلوس 2025 الترم الثاني    «بني سويف الأهلية» تناقش مشروعات طلاب المحاسبة والتمويل الدولي.. والجامعة: نُعد كوادر قادرة على المنافسة العالمية    بعد افتتاح الوزير.. كل ما تريد معرفته عن مصنع بسكويت سيتي فودز بسوهاج    محافظ الشرقية: 566 ألف طن قمح موردة حتى الآن    وزير الإعلام الكويتى يؤكد حرص بلاده على دعم وحدة الصف الخليجي    وزير الخارجية يتوجه لمدريد للمشاركة فى اجتماع وزارى بشأن القضية الفلسطينية    انتظام كنترول تصحيح الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالشرقية    إيرادات السبت.. "المشروع x" الأول و"نجوم الساحل" في المركز الثالث    الكشف عن مبنى أثري نادر من القرن السادس الميلادي وجداريات قبطية فريدة بأسيوط    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    استعدادًا لعيد الأضحى.. «زراعة البحر الأحمر» تعلن توفير خراف حية بسعر 220 جنيهًا للكيلو قائم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    «ليلة التتويج».. موعد مباراة ليفربول وكريستال بالاس والتشكيل المتوقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمود الهواري: لدى المسلمين قصور في معرفة التَّصور الكامل لشخصية النَّبيِّ.. وهكذا نتأسّى به
نشر في مصراوي يوم 20 - 10 - 2021

الله عز وجل أمرنا أن نتأسى به صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: «لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وقد اكتملت في نبينا صلى الله عليه وسلم جوانب الحياة، فقد كان شابا، ورجلًا، وزوجًا، وأبًا، وجدًّا، وصديقًا، وعابدًا، وعاملًا وغير ذلك من أدوار الحياة؛ ولذلك فإنَّ كلَّ إنسانٍ يجد قدوته فيه صلى الله عليه وسلم. .. انطلاقاً من هذه الرؤية بدأ مصراوي حواره مع فضيلة الشيخ الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفني لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر الشريف.
وحول تجدد ذكرى المولد النبوي الشريف، قال الهواري: في الحقيقة نحن نتكلم كثيرا عن معاني الرحمة والحكمة والصَّبر واللُّطف وغير ذلك من صفات خلقية بلغ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الكمال، ولكن في نبينا صلى الله عليه وسلم جانبٌ حياتيٌّ تطبيقيٌّ عمليٌّ لا ينبغي أن يُهمل ذكرُه وإبرازه للنَّاس... وإلى نص الحوار
فضيلة الدُّكتور، تعوَّدنا كلَّ عامٍ أن نقف وقفةً مع سيرة سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمناسبة المولد الشَّريف.
أوَّلًا: كلُّ عام أنتم بخيرٍ
كلُّ عامٍ والأمَّة كلُّها بخيرٍ، وأسأل الله أن يرزقنا معرفة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حقَّ معرفته، وأن نتَّبع سنَّته.
اللهمَّ آمين، فضيلة الدُّكتور: في يوم مولده الشَّريف صلى الله عليه وسلم يتبارى النَّاس في الكلام عن رحمته وعطفه وجوانب كثيرة من حياته.
* هل ترى أننا نحتاج إلى أن نتعرف على النبي صلى الله عليه وسلم من زاوية جدية؟
بسم الله خير الأسماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، ما اتصل نهار بمساء، واتصلت أرض بسماء.
لا بد أن نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحقيقية لكلِّ محبٍّ.
والله عز وجل أمرنا أن نتأسى به صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: «لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وقد اكتملت في نبينا صلى الله عليه وسلم جوانب الحياة، فقد كان شابا، ورجلًا، وزوجًا، وأبًا، وجدًّا، وصديقًا، وعابدًا، وعاملًا وغير ذلك من أدوار الحياة؛ ولذلك فإنَّ كلَّ إنسانٍ يجد قدوته فيه صلى الله عليه وسلم.
وفي الحقيقة نحن نتكلم كثيرا عن معاني الرحمة والحكمة والصَّبر واللُّطف وغير ذلك من صفات خلقية بلغ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الكمال، ولكن في نبينا صلى الله عليه وسلم جانبٌ حياتيٌّ تطبيقيٌّ عمليٌّ لا ينبغي أن يُهمل ذكرُه وإبرازه للنَّاس.
* ماذا تقصد فضيلة الدكتور بالجانب الحياتي؟
أقصد الجانب العملي، الجانب التطبيقي، الجانب الذي يتعلق بالوعي والإدراك وحسن التدبير، الجانب الذي لا تستغني عنه الحياة وإدارة شئونها.
وهل هذا الجانب الذي تتكلم عنه غير معروف؟
حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معروفة، وليس عندنا ما نخفيه من حياته الشريفة، والصحابة نقلوا كل شيء منها، وسيرته غنية بالمضامين النافعة، لكنها تحتاج إلى تأمل لاستنباط الأحكام والدروس والعبر.
وأشعر أحيانا أن من يتناولون السيرة يظلمونها حين يتناولون جانبا منها دون جانب، وكأنهم لا يريدون أن يتجاوزوا صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقوم اللَّيل حتَّى تتفطَّر أقدامه، أو حين يعدون له في المجلس الواحد استغفارا كثيرا، أو حين ينفق المال فلا يخشى الفقر، وكأنَّما يحصرونه في صورة المصلي الذاكر فقط، دون أن يشيروا إلى تفاعله مع الحياة وما فيها.
وقطعًا لم يكن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم منعزلًا عن الحياة، ولا منقطعًا عن أحداثها وحركتها الموَّارة اجتماعًا، واقتصادًا، وسياسةً، وفهمًا لطبائع النَّاس وأفكارهم.
والحقيقة إنَّ التَّعامل مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وحصره في صورةٍ واحدةٍ دون تأكيد وجوده في كلِّ مجالات الحياة تغييب للصورة الصحيحة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبناء على هذا التغييب تصبح معرفة بعض المسلمين في هذا الزَّمان بنبيِّهم قاصرة ضعيفة غير كاملة، وتصبح نظرتهم إليه نظرة سطحيَّة قد تكون سببا في كثير من التَّراجع والخلل في مسيرة الأمَّة.
* الحقيقة، هذا الكلام يبدو غريبا بعض الشيء، هل تزيدنا وضوحًا، وتشرح لنا ماذا تقصد بالصُّورة غير الكاملة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
تكون الصورة غير كاملة حين نختصر مشاهد حياته صلى الله عليه وسلم ونختزلها في صور تعاد وتكرر كل حين دون أن نفهم أن سيرة خير الأنام نموذجٌ كاملٌ شاملٌ لكل جزئيَّة في الحياة من بناء الفرد إلى بناء المجتمع إلى بناء الأمَّة، ولكننا اقتصرنا على جوانب بعينها في السِّيرة النَّبويَّة، وتركنا جوانب أخرى ربما تكون أكثر أهمية، فقدمنا فقه العبادة على فقه الحياة، وفقه السلوك على فقه التفكير والتدبير.
*هل من الممكن أن تعطينا أمثلة على هذا؟
إذا تأملنا حياة هذا الإنسان المكرم المعظم صلى الله عليه وسلم لوجدنا أن هديه صلى الله عليه وسلم يقدِّم منهجًا تقوم به الدُّول وتُساس به الشُّعوب وتزدهر به الحضارات، ولكنَّ كثيرًا من النَّاس يتوقف عند مواقف معدودة تشكل تصوره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغالبا ما تنحصر تلك المواقف في الأمور التعبدية.
وهذا التصور خطير؛ لأن القصور في معرفة التَّصور الكامل لشخصية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ينعكس على أداء المسلمين، ويؤدي إلى قصور آخر في الاتِّباع والتَّطبيق.
وأنا أقصد هنا أننا نعرض صورته وهو يقوم الليل حتى تتفطر أقدامه، أو وهو يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، أو وهو لين القول مع من أساء إليه، أو وهو خارج من الطائف بعد أن سبوه وشتموه فيلجأ إلى ربه، وننسى أن نعرض مواقفه وهو يقود أمَّة ويخاطب رؤساء وأمراء، ويسير جيوشًا، ويدير أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية كل ذلك بكفاءة وجدارة واقتدار.
وما يزيد من الحسرة أننا نعرض لشبابنا نماذج من الشَّرق والغرب على اعتبار أنَّهم ملهمون، وأنهم نفعوا البشرية والإنسانية في مسيرتها، وننسى أن الغربيين أنفسهم قدموا النبي صلى الله عليه وسلم على كل عظماء التاريخ، وانظر على سبيل المثال كتاب مايكل هارت.
*هل أفهم من هذا الكلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم له جوانب لم تعرض بشكل صحيح؟
نعم، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حباه الله بكلِّ صفات القيادة من تميُّزٍ بذكاء وعلم وبصيرة وبُعْد نظر وقوَّة ذاكرة ونشاط وهمَّة، وقدرة عجيبة على صناعة مشروعات الحياة وإدارتها على حدٍّ سواء، وكثير من الصفات التي أكدت مكانته في قلوب النَّاس.
*وهل ترى أن ضعف عرض هذا الجانب من حياة الرَّسول صلى الله عليه وسلم له آثاره الضَّارة؟
طبعا، بل إنَّ أحد أبرز أسباب تخلُّف المسلمين عقديًّا ودنيويًّا أنهم ينظرون إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنَّها مجرَّد روايةٍ يستأنسون بها، ويقضون معها الوقت، وقراءة السِّيرة مهمَّةٌ، لكنَّ الأهمَّ أن نقرأها على وجهها الصَّحيح.
وقد قدَّم النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أمثلة شاملة لجوانب الكمال البشريّ، في تعامله مع زوجاته، ومع أبنائه وبناته، ومع أحفاده وأقاربه، ومع الجيران، والضُّيوف والمستضيفين، ومع أصحابه، ومع شرائح اجتماعيَّة مخصوصة، كالمسلمين الجدد، والمستفتين، والأعراب، والعصاة والمذنبين، والمنافقين، وتعامله مع عموم النِّساء، وكبار السِّن والصِّغار، وذوي العاهات، وذوي الهيئات، والنَّابغين، والأغنياء والفقراء، والمرضى والأصحاء، والأصدقاء والأعداء، بل تعامل مع غير البشر، كالجنِّ والدَّواب.
فقد كان رجلًا يدرك شؤون المجتمع وشؤون النَّفس البشريَّة إدراكًا حكيمًا، يزدان بكفاءة إداريَّة وسياسيَّة وعسكريَّة واجتماعيَّة.
فهو صاحب لأصحابه، وزوج لأزواجه، وأب لأبنائه، وجدٌّ لأحفاده، وقائد معلِّم لجيوشه، مبصر لمكامن الخطر ومفاصل القوَّة في الفرد كما في نسيج المجتمع.
*هل تضرب لنا مثالا من حياته صلى الله عليه وسلم يكون أكثر وضوحًا؟
لقد كان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله بكلِّ طريقة، فيستعمل القوَّة مع من يناسبه مدخل القوَّة، واللِّين مع من مفتاحه اللِّين، والسِّياسة مع من مفتاحه السِّياسة، وتأليف القلوب مع من تُؤَلَّفُ قلوبهم، وكان دقيقًا في نصائحه وتوجيهاته وكلماته وأحكامه، أو بالمعنى المعاصر كان يملك أدوات «الإدارة الرشيدة» وكان لديه من الكفاءة الإدارية ما يعينه على إتمام مهام الرِّسالة بنجاحٍ.
*طرح جديد أن نتكلم عن النبي صلى الله عليه وسلم كإداري ناجح، ما ملامح هذه الإدارة الرشيدة يا فضيلة الدكتور؟
الكفاءة تُعرف في إدارة الأزمات، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل المهمات الصَّعبة، وتأمُّل أحداث السِّيرة يكشف عن كفاءته الإداريَّة، ومن أشهر المواقف التي تبرز الكفاءة الإدارية والتخطيط السليم ما كان في رحلة الهجرة، فكانت خطَّة الخروج من مكَّة تخطيطًا بارعًا، يسير إلى الجنوب مع أن المدينة في الشَّمال، فيضلِّل أعداءه، ثمَّ يختار دليلًا ماهرًا يطمئن إليه، ويعمل على توفير «الدَّعم اللُّوجيستيِّ» بمفهوم العصر، فيرتب نقل الأخبار، وتعمية الآثار، وفي الوقت نفسه يرتب من يردُّ الأمانات إلى أهلها في التوقيت المناسب، وغير ذلك من تفاصيل عظيمة.
ثم ما كان في غزوة الأحزاب، حين اجتمع القوم على المسلمين، وأرادوا استئصال شأفتهم، فأتاح حرية الرأي لأصحابه، واستجاد من مشورتهم رأي سلمان الفارسيِّ، وأخذ الفكرة ثمَّ حدَّد المكان الَّذي سيحفر فيه الخندق، والزَّمن الَّذي سيستغرقه وأبعاده طولًا وعرضًا وعمقًا، وكيف يصرف التُّراب النَّاتج عن الحفر والقوَّة البشريَّة اللَّازمة لإنجازه، وتقسيمها بحسب الأدوار.
لقد كان مشروع حفر الخندق مشروعًا قوميا إن صح التعبير، وللأسف قلَّما تُسلَّط عليه الأضواء بحجمه الحقيقيّ وأهميَّته وتفاصيله الكثيرة التي تكشف عن جوانب العظمة المحمدية، فترى سيِّد الخلق الذي قارب على السِّتِّين من عمره وظهر الشَّيب في رأسه ولحيته، يحمل التُّراب بنفسه، وينقله مع العاملين، ويشاركهم العمل دون ترفع ولا احتجاب، ويحلُّ مشاكل تعيقهم كالصَّخرة التي لا تنكسر، فيكبِّر صلى الله عليه وسلم ويضربها فتتفتَّت تحت يديه، وهو مع هذا يتابع حاجاتهم، ويعنى بإشباعها.
واستطاع بحنكة القائد وبألفاظه وتوجيهاته أن يحوِّل عملية حفر الخندق إلى عملية إيمانيَّة تربويَّة من أعلى درجات الإيمان والتربية، وهكذا كانت سائر أعماله صلى الله عليه وسلم.
وحين تنظر في ألقاب الصحابة التي منحها إياهم تدرك إن النبي صلى الله عليه وسلم لديه حس مرهف، وقدرة فائقة على اكتشاف القدرات والمواهب وتوظيفها توظيفا ينفع الأمة؛ ولذا تتنوع اختصاصات الصَّحابة، فيقول: فلان أقضاكم، وفلان أقرؤكم للقرآن، وفلان أعلمكم بالفرائض، وفلان سيف الله المسلول، وفلان أسد الله.. وهكذا، فهو يحيط بقدرات الصَّحابة فردًا فردًا؛ ليصنع منهم أعمدة بنت دولة الإسلام، وبهذه المعرفة كان يوجِّه الصَّحابة لأداء أدوارهم أيضا بحسب الكفاءة.
ومن أروع الأمثلة على ذلك ما وقع في بناء المسجد النبوي في المدينة، حين وزع الأدوار بين من ينقل الطُّوب، ومن يصنعه، ومن يحمل الحجارة، وهكذا.
* وهل ترى أنَّنا محتاجون إلى إبراز مثل هذا الجانب؟
لو تأمَّلنا واقعنا لوجدنا أنَّ مشكلة أمَّتنا اليوم مشكلةٌ إداريَّةٌ في المقام الأول، فالأمَّة لا تنقصها موارد، ولا تنقصها عقول، فلديها البترول والمعادن والمناجم والأنهار والأرض والمناخ، ولديها المتخصِّصون في كلِّ فنون العلم، والأمَّة تحتاج إلى إدارة هذه الموارد، وتوافر هذه العقول على العلوم والإعمار بكلِّ صوره.
ونسأل الله أن يرزقنا ويرزق الأمَّة كلَّها من أخلاق نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وشمائله النَّصيب الأوفى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.