بحوث جنوب سيناء يستقبل وفود طلابية لتعزيز التعلم التطبيقي في البيئات الصحراوية    وزير الخارجية يدعو إلى سرعة تشكيل "القوة الدولية" في غزة    وزارة الدفاع الروسية تعلن استيلاء قواتها على قريتين أخريَيْن شرقي أوكرانيا    القاهرة الإخبارية: غياب الاحتفالات الرسمية بعيد الاستقلال يعكس عمق التحديات التي تواجه لبنان    وفاة نبيل خشبة أمين صندوق اتحاد كرة اليد    بذكريات الهاتريك.. مرموش يسعى لاستعادة تألقه في البريميرليج أمام نيوكاسل    تاريخ مواجهات الأهلي وشبيبة القبائل قبل لقاء اليوم    فريق قادرون باختلاف يتألق على مسرح وزارة الشباب والرياضة في أسيوط    إسلام سمير: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    إيداع اللاعب رمضان صبحي في قفص الاتهام    "التضامن": بدء سداد قيمة رسوم اشتراك الرحلة من الحجاج بداية من غد الأحد    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    أكاديمية الشرطة تنظم دورة تدريبية عن كيفية كشف تزوير وثائق السفر    غرفة السياحة تشيد بجهود الأجهزة الأمنية في مكافحة عمل سماسرة الحج والعمرة    وزارة الصناعة: تخصيص 100 قطعة أرض لمشروعات صناعية جديدة في 16 محافظة    جهاز تنمية المشروعات يشارك في قمة المعرفة التي تنظمها مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    انتخابات النواب، إقبال متواصل للمصريين بالخارج في اليوم الثاني داخل 4 دول    رئيس الوزراء يشارك في فعاليات قمة مجموعة العشرين «G20» بجوهانسبرج    حملات مرورية.. الأوناش ترفع 39 سيارة ودراجة نارية متهالكة    خاص| لجنة من «تعليم القاهرة» تبدأ التحقيق في وقائع مدرسة سيدز للغات    وفاة شاب إثر اصطدام دراجته النارية بشجرة على طريق بحيرة قارون بالفيوم    مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة بقنا    سوريا.. فرق الإطفاء تكافح لإخماد حرائق غابات في اللاذقية وسط صعوبات    إنقاذ حياة مريض بعد جراحة معقدة لإزالة سدة بالشريان السباتي بمستشفى السنبلاوين    وزيرة «التخطيط» تبحث مع «بروباركو» الفرنسية خطط تمويل و تمكين القطاع الخاص    انتخابات النواب بالخارج.. إقبال كبير للمشاركة بانتخابات النواب باليوم الأخير في السعودية وسلطنة عمان |صور    إقبال المصريين على سفارة مصر بباريس في اليوم الثاني للتصويت بانتخابات مجلس النواب    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    تشيلسي في مواجهة سهلة أمام بيرنلي في البريميرليج    مخرجة لبنانية: مهرجان القاهرة منح فيلمي حياة مستقلة وفتح له أبواب العالم    بعد تصدره التريند.. موعد عرض برنامج «دولة التلاوة» والقنوات الناقلة    استخدمت لأداء المهام المنزلية، سر عرض تماثيل الخدم في المتحف المصري بالتحرير    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    فاركو يواجه سيراميكا بحثا عن استفاقة في الدوري    عاشور يناقش مع خبراء تطوير التعليم العالي بالاتحاد الأوروبي تعزيز آفاق التعاون الدولي    وصفات من مكونات طبيعية لتنظيف القولون في المنزل    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 22 نوفمبر 2025    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    موعد تطبيق منظومة السيارات الجديدة بديلة التوك توك فى الجيزة    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    شيكو بانزا يظهر فى مران الزمالك الأخير استعدادا ل زيسكو بعد وفاة شقيقه    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    منظمة الصحة العالمية: أكثر من 16.5 ألف مريض بغزة في انتظار الإجلاء الطبي    سعر الجنيه الإسترلينى اليوم السبت فى البنوك 22-11-2025    اليوم.. محاكمة 6 متهمين بقضية "خلية مصر الجديدة"    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    تطورات مثيرة في قضية سرقة عصام صاصا للحن أغنية شيرين    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    محمد التاجي: لولا تدخل السيسي ل"طبل" الجميع للانتخابات وينتهي الأمر دون كشف التجاوزات    محمد التاجي: اعتذار محمد سلام اللحظي خلق «شماتة» ويتعارض مع تقاليد المهنة    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استقبلها شيخ الأزهر وكرمها علماؤه.. حكاية "سجى" أصغر كفيفة حافظة للقرآن في غزة
نشر في مصراوي يوم 22 - 03 - 2021

عام انقضى على العدوان الإسرائيلي، غزة لا تستسلم وكذلك أهلها؛ في 20 أكتوبر 2009 يستقبل سعيد خلة وزوجته أمل مولودهما البكري، بعد ولادة قيصرية خرجت سجى إلى الدنيا. في المشفى ترى الأم طفلتها بأحضان شقيقة زوجها بينما تخبرها "عيونها زرق بس مو طبيعيين"، يحمل الأب صغيرته وقد علم ما بها من ولادتها كفيفة البصر، لم يأس سعيد، يُولى وجهه نحوها ويدعو ربه "اللهم علمها. اللهم بصرها. اللهم أعني على تعليمها". في الساعة الأولى لميلاد الابنة، يعزم الأب على رسم مستقبلها، يوقن أن "حياة سجى مالهاش وجود بدون علم. العلم هيصنعها". اليوم سجى في الحادية عشر من عمرها وقد ذاع صيتها داخل وخارج القطاع المحاصر حتى أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب استقبلها في مصر لنبوغها كأصغر كفيفة حافظة للقرآن في غزة.
وُهبت سجى الحياة في الحرب مرتين، الأولى حين علمت والدتها أن رحمها يحمل طفلة "كنت حامل فيها وقت حرب 2008 ومكنتش عارفة ولما خلصت بعد 21 يوم اكتشفت الموضوع"، أما الثانية ففي 2014 حين استُلهم الأب العزم على تحفيظ طفلته المصحف الشريف "كنا قاعدين بالبيت وفي قصف ورعب من حولنا قلنا نلهي سجى بالقرآن". كان ذلك في 11 يوليو من العام، بعد نحو ثلاث أيام من القصف الإسرائيلي على غزة الذي استمر قرابة 50 يومًا.
البيوت والشهداء يسقطون من حول منزل آل خلة في جباليا، لا عاصم من القصف المستعر، فيما يلوذ الأب بابنته وأسرته إلى تلاوة الآيات "كنا نستيقظ وننام على القرآن"، يبدأ سعيد بتحفيظ سجى سورة الرحمن "عروس القرآن" كما يصف، تتمها ذات الخمسة أعوام ومن بعدها أجزاء المصحف تباعًا من قصار السور إلى كبارها حتى تختم كتاب الله في غضون عامين.
يدون الأب مشواره مع صغيرته "بكتب السور والمتون متى بدأت وانتهت في حفظها"، يحفظ سعيد التواريخ عن ظهر قلب خاصة ذلك اليوم؛ الثلاثاء 16 يناير 2017، قبل صلاة الظهر، حين جلس والد سجى يستمع إلى تلاوتها الآيات الأخيرة في سورة البقرة وبالتالي ختمها للقرآن. حلت السعادة في دار خلة، عُلقت الزينات، وأقيم حفلاً ومأدبة طعام، دُعى إليها الأقارب والأصدقاء "دبحنا خروف وصنعنا جو من البهجة". ابهرت سجى الحضور لنباهتها اللافت المتجاوز طفلة في السابعة من عمرها.
مشوار طويل لوالدي سجى لم ينته؛ اتفق سعيد وأمل أن يحتضنا ابنتهما، رفضا أن تكون "عبء على الحياة ولا تعيش تحت شفقة الناس"، مع كل يوم يسقيا سجى بالتربية والعلم ويراها تكبر، احتضنا الشواهد التي تخبرهما أن صغيرتهما مميزة، تقول الأم لمصراوي إن سجى في عمر الثلاثة أشهر كانت تمسك زجاجة اللبن "الببرونه" بنفسها وتهدهد حالها في سريرها، حتى الحبو ما أطالته "تقريبًا مشت على طول" كما تحكي أمل مبتسمة.
اقتسم والدا سجى الأدوار، تتولى الأم شؤون المدرسة، فيما يتكفل الأب بتدريس الصغيرة العلوم الإضافية. بعد حفظ القرآن تأكد سعيد من نبوغ ابنته، ضاعف التحدي، قرأ معها ألفية ابن مالك وتفاجيء بقدرتها الاستعابية وحفظها للمتن وشغفها لمعرفة المزيد عن العلوم. كتاب تلو الآخر تنساب سطوره كالماء على لسان سجى حفظًا وفهمًا، ما بين أحاديث وأشعار وتفاسير.
كانت الحكايات والخيال وسيلة سعيد الحاصل على الدكتوراة في أصول الفقة المقارن لتبسيط الأمور لسجى، يتذكر الأب يوم أن أراد إخبارها عن الفعل المبني للمجهول "حكيت لها أن في فعل قال بدي يصير لي نائب فاعل. طلع له فعل حكى له بديش نائب يتكبر على الفعل خلاص اتحول للمجهول"، يحكي الأب بينما تواصل سجى الحماس "كمل كمل"، ومعها تنشرح روح سعيد.
تربى سعيد على منهج الأزهر، درس في الجامعة الإسلامية بغزة، تمنى لو التحقت ابنته بمدرسة أزهرية، لكنها انضمت لتعليم خاص بالمكفوفين، غير أن سعيد لأعوام تعامل معها "كأنها في مدرسة أزهرية". تعرف سجى ما يعرفه الطلاب في مثل عمرها بل أكبر "ألفية ابن مالك ينهيها طلاب الأزهر في عمر أكبر من هذا".
لا تخلو حياة صغيرة غزة من المرح كأي طفلة وليس كما يظن البعض. وضع الأبوان نظام لابنتهما، بعد العودة من المدرسة في الثانية ظهرًا ترافقها الأم اعتناءًا بالواجبات والراحة، وعقب المغرب يحين دور الأب لنحو ساعة أو اثنين، يجلسا للتدارس والحكايات ثم ختامًا يكون اللعب في منزل العائلة قبل النوم لاستقبال يوم جديد.
لا يحمل الأب ابنته أكثر من عمرها "الناس تعتقد أنها ما تتنفس من كتر العلم هذا غير صحيح. أنا بقتطع أجزاء بسيطة من وقتها". يحكي سعيد عن طقس يومي اعتاده مع سجى؛ في السابعة الصباح بينما يقلها إلى محطة انتظار حافلة المدرسة، يصللا قبل ربع ساعة من الموعد، يجلسا معًا في الموقف "أقعد وياها أحفظها. أتتمنا سورة البقرة، يوم حفظ. يوم إعراب، ويوم الألفية"، يبتسم الأب فيما يتذكر مرور الطلاب والعابرين عليهم "كانوا يتعجبوا إيش يعملوا هدول اتجننوا"، لكن مع أول ظهور إعلامي لسجى في غزة عام 2017 علم الكثير ما كان يدور "كانوا يقولوا هاي البنت اللي كانت تقعد مع أبيها في الموقف".
لفتت سجى الأنظار في غزة منذ 2015، اشتركت الصغيرة في مسابقة للقرآن الكريم وهي بالخامسة من عمرها، تفوقت حينها على أخرين بلغت أعمارهم العشرين عامًا كما يقول الأب. تداول العديد اسمها كنموذج ملهمًا جديدًا يخرج من ظلمات القطاع المحاصر، استقبل آل خلة العديد من القنوات الإعلامية الدولية، لكن لم يؤثر ذلك على مسيرة الوالدين مع ابنتهما، فقط وجدوا فيه دعمًا واستجابة الله لدعوة سعيد الأولى لصغيرته.
واصل سعيد رحلته مع ابنته، وفي نهاية شهر فبراير مع تجدد فتح معبر رفح، قرر الأب اصطحاب أسرته إلى مصر للعلاج الطبي من أجل سجى، وبينما يتابعون برنامج الزيارة من جولات الاستشفاء والتنزه، توجه الأب وصغيرته إلى الأزهر، رغبت ذات الحادية عشر عامًا في لقاء الإمام الطيب.
لم يعرف سعيد مستحيلاً، أجرى الخطوات المتبعة للمقابلة "كتبت طلب وتركت سيرة ذاتية عن سجى"، فعل مرة ثم أخرى، وفي المحاولة الرابعة تحققق المراد "دخلنا في نفس اليوم رغم أن بسبب ظروف كورونا ممكن يتحدد موعد بعد شهر"، لكن مع الرابعة عصر الحادي عشر من مارس الجاري التقت سجى بشيخ الأزهر.
في مكتب الإمام الطيب ضاعت الكلمات من سجى، صمتت خجلاً رغم فصاحتها وتركت لابيها مبلغ الحديث. اكتفت الصغيرة بفرحة عارمة أسرتها في نفسها، وإجابة عن أسئلة شيخ الأزهر الذي ضاعف سعادتها بإخبار والدها "إن سجى تحتاج إلى مشايخ أكثر وأنه مستعد لتذليل كل الصعاب في مسيرتها العلمية".
تحمل سجى مسيرة النساء في أسرتها مع القرآن، تفخر أمل أن ابنتها تعد الفتاة الخامسة في عائلتها التي أتمت الحفظ وفي عمر أصغر ممن سبقها. مثل لحظة ختم المصحف ومقابلة شيخ الأزهر ما يهون على الأم ما عانته وتواجهه أحيانًا. لم تكن الصغيرة كما هي عليه الآن "كانت تخاف من كل الناس كنت أشوفها في المدرسة لا تتحرك مثل كل الأطفال". حزنت الوالدة أوقاتًا لكن بمثابرة تجاوزت بابنتها، تتذكر ذات التاسعة والعشرين ربيعًا كم وجدت نفسها وحيدة مع زوجها للتعامل مع طفلتها "عندنا بغزة مؤسسة للمكفوفين لكما حسيت إن ما في حد يساعد ويشرح. أنت اللي تكتشفي الطريقة كيف ما بدك".
بالتجربة وفطرة الوالدين وجدا سعيد وأمل السبيل لقلب ابنتهما الكبرى، لم يتعاملا معها يومًا على أنها كفيفة، تكبر سجى وتتحسس خطاها لتسند أبويها "تتكفل الآن بتحفيظ شقيقتها الصغرى القرآن"، فيما تقر عينهما بالتفوق الدراسي والروح البشوش، ترى الأم أحيانًا صغار وكبارًا يتفقدون صغيرتها، يمعنون النظر في وجهها ثم يحكون كلمات قاسية "عيونها بتخوف"، تحزن سجى، تلح في السؤال عن عينيها، لكن أمل باتت تعرف الطريقة "عيونك يا ماما زرق حلوين ما حدا يملك متلهم". تنسى الطفلة الفلسطينية وتكمل المشوار مع أبيها للتعلم.
مؤخرًا أتمت سجى دراسة وحفظ متن كتاب جوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون في علم البلاغة. قبل أيام عادت سجى وأسرتها إلى غزة، تحمل في حقائبها زاد من محبة ودعم بلقاء شيخ الأزهر وتكريم عدد من الأساتذة الأزهريين، فضلاً عن فرحة بالسفر لأول مرة خارج القطاع المحاصر، تعود الطفلة الفلسطينية إلى مدرستها وبرنامجها، لا يبرحها حلم تكرره على مسامع أبيها "بدي أصير محاضرة في جامعة الأزهر أو داعية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.