رئيس جامعة بنها يتفقد أعمال الامتحانات بكلية الحقوق    بتخفيضات 30٪.. افتتاح "سوق اليوم الواحد" بمركز دشنا في قنا    محافظ سوهاج يستمع إلى شكاوى وطلبات المواطنين في اللقاء الجماهيري    أستراليا: مراسلة قناة 9News استُهدفت عمدا أثناء تغطية احتجاجات لوس أنجلوس    حماس تطالب الأمم المتحدة بتدخل عاجل لوقف آلية توزيع المساعدات الأمريكية الإسرائيلية    الخارجية اللبنانية تدين الاعتداء على عنصر من قوات يونيفيل    النمسا: ارتفاع ضحايا حادث إطلاق النار إلى 10 قتلى و28 إصابة    لقاء مرتقب.. ماذا يحتاج المنتخب الفلسطيني للمشاركة في ملحق تصفيات كأس العالم؟    بتواجد الأهلي.. مواعيد مباريات الجولة الأولى بمجموعات كأس العالم للأندية 2025    مانشستر سيتي يعزز طاقمه الفني بعنصرين سابقين في ليفربول    تعليم الوادي الجديد: بدء تلقي الاعتذارات الخاصة بالمنتدبين في أعمال امتحانات الثانوية العامة    عصابة تخصصت بسرقة معاشات المسنين في الزيتون.. والنيابة تحقق    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث تصادم بالبدرشين    سحب 732 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    فرقة مصطفى كامل للموسيقى العربية تحيي حفل عيد الأضحى ب 6 أكتوبر    عرض «السنجة» على مسرح نهاد صليحة 10 يوليو    بعد فيروس سي.. الحكومة تستعد للإعلان عن القضاء على مرض الجذام    السبكي: تقديم 189 ألف خدمة طبية وتوعوية خلال عيد الأضحى بمحافظات "التأمين الشامل"    مستشفى القلب بجامعة أسيوط يستقبل 1856 حالة خلال شهر    الحكومة تجهز فرصا استثمارية في القطاع الصحي للسنوات العشر المقبلة    أجواء شديدة الحرارة.. الأرصاد: العظمى بالقاهرة وجنوب الصعيد 41 درجة    التضامن تواصل تنفيذ خطة تفويج عودة الحجاج إلى أرض الوطن    جهود أمنية مكثفة لكشف غموض العثور على جثة شاب مصاب بطلقات نارية بقنا    وزير المالية ل الجمارك: العمل على راحة الحجاج.. وأولوية خاصة لكبار السن والحالات المرضية    القنوات الناقلة لمباراة فلسطين وعمان مباشر اليوم في تصفيات كأس العالم 2026    فيلم المشروع x ل كريم عبد العزيز يتخطى 90 مليون جنيه إيرادات    أسماء جلال تنشر صورا جديدة لها من حفل زفاف أمينة خليل باليونان    3 أبراج كسيبة والتراب بيتحول ذهب فى إيديهم.. الدلو بيفكر برة الصندوق    فنان العرب محمد عبده والمايسترو هاني فرحات يتألقان بحفلين في 48 ساعة    ماجد الكدوانى ضيف "فضفضت أوى" مع معتز التونى على Watch it غداً    التضامن الاجتماعي: فريق التدخل السريع تعامل مع 561 بلاغًا في مختلف المحافظات خلال شهر مايو    «الإفتاء» توضح حكم الزواج من ذوي الهمم وأصحاب القصور الذهني    229 مصنعاً لإعادة تدوير المنتجات البلاستيكية في مصر    الدفاع الروسية: قواتنا نفذت ضربات ليلية مكثفة على منشآت صناعية ودفاعية بأوكرانيا    بعد عيد الأضحى.. قائمة الإجازات الرسمية في 2025    «التخطيط» تستعرض «خطة المواطن الاستثمارية» لمحافظة مطروح للعام المالي الحالي 24/2025    «التأمين الصحي»: استحداث عدد من الخدمات الطبية النوعية بالمستشفيات    المأذونين عبر تليفزيون اليوم السابع: زواج شاب "داون" من فتاة يجوز شرعاً    انتشال جثة سيدة من غرقى تروسيكل سقط في نهر النيل بأسيوط    محمد السيد: لست متمرداً.. والزمالك بيتي    السيسي يصدَّق على قانونين بشأن مجلسي النواب والشيوخ    الأطباء: نتابع واقعة عيادة قوص ونناشد تحري الدقة في تناول المعلومات    الحكومة اليابانية تطرح 200 ألف طن إضافية من مخزون الأرز لكبح جماح الأسعار    شيكابالا لإدارة الزمالك: لن أعتزل والفريق سيعانى فى غيابى (فيديو)    إمام عاشور: الأهلي غيّرني    فتح باب التقديم لوظيفة مدير عام المجازر والصحة العامة بمديرية الطب البيطري بالغربية (الشروط)    المجمعات الاستهلاكية تستأنف العمل لطرح السلع واللحوم للمواطنين    حِجر إسماعيل..نصف دائرة في الحرم تسكنها بركة النبوة وذاكرة السماء    ارتفاع الأسهم العالمية والدولار مع تقدم المحادثات التجارية بين أمريكا والصين    وزير الري يشيد بجهود العاملين خلال عطلة عيد الأضحى    وزيرة إسبانية تدين اختطاف السفينة مادلين : يتطلب رد أوروبى حازم    كندا تتعهد برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي استجابة لضغوط "الناتو"    "بطريقة طريفة".. لاعبو الأهلي يرحبون بزيزو (فيديو)    حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    يوميات أسبوع نكسة 1967 في حياة طبيب شاب    الخارجية الإيرانية: الجولة المقبلة من المحادثات مع واشنطن تُعقد الأحد في سلطنة عُمان    صحة سوهاج: 560 جلسة علاج طبيعي لمرضى الغسيل الكلوي خلال أيام عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تغريبة الجنوبي التائه
نشر في مصراوي يوم 16 - 06 - 2019


الزمان: نهاية عام 1959.
الحدث: لقاء تعارف يتم، لأول مرة، بين ثلاثة شباب لم يتجاوز عمر أكبرهم العشرين عاما، لكن السنوات المقبلة سوف تجعل لهم دورًا عظيمًا في صياغة الوجدان المصري والعربي، والتعبير عنه بأصدق ما يكون التعبير.
وهؤلاء الشباب الثلاثة هم: أمل دنقل، ويحيى الطاهر عبدالله، وعبدالرحمن الأبنودي.
ثلاثةٌ موهوبون حالمون، سُمر الوجه، نِحاف الجسد، طِوال القامة، وأرواحهم مثقلة بالشجن مثل نخيل الصعيد الحزين، ونفوسهم قلقة تبحث عن أفق للروح والعقل وفضاء للتحقق وعيش الحياة.
والثلاثة إرادتهم صخرية لا تثنى أو تنكسر، وأحلامهم كبيرة وشبه مستحيلة، ولكنهم ساروا خلفها بجسارة كبيرة. وقد عبر عن تلك الأحلام لاحقًا أمل دنقل فقال: "فالجنوبي يا سيدي/ يشتهي أن يكون الذي لم يكنه/ أن يلاقي اثنين؛ الحقيقة والأوجه الغائبة".
وبعد أن توثقت العلاقة بينهم، قرر الشبان الثلاثة الهجرة إلى الشمال، بعد أن ندهتهم نداهة القاهرة؛ فسافر عبدالرحمن الأبنودي عام 1962 إليها. ورحل بعده أمل دنقل في العام نفسه إلى الإسكندرية، ومنها إلى القاهرة. وفي عام 1964 لحق بهما يحيى الطاهر عبدالله.
ولكنهم وجدوا القاهرة مدينة قاسية بلا قلب، تأكل أرواح قاطنيها، وهم قلوبهم خضراء، وأرواحهم جنوبية صافية، ولذا فقد عاشوا فيها تغريبة الجنوبي التائه الباحث عن أرض أحلامه، عُزّلًا من كل شيء سوى موهبتهم الأصيلة، وأحلامهم الكبيرة، وذاكرتهم الصخرية، وإرادة وصلابة الصعيدي الذي لا يعرف انحناء الجسد أو انكسار الروح؛ ولهذا صارت القاهرة ساحة معركتهم الكبرى لتحقيق ذواتهم وإثبات وجودهم، ونجحوا بعد كفاح طويل في تكريس أسمائهم وحضورهم في المشهد الشعري والأدبي والثقافي المصري.
كما نجح كل واحد منهم في صنع أسطورة نجاحه الخاصة.
لكن الرياح لم تأتِ لهم بما تشتهي سفنهم بالكامل؛ فبعد طول كفاح، وحين حان قطف ثمار الرحلة المُضنية، يرحل فجأة شاعر القصة القصيرة يحيى الطاهر عبدالله في التاسع من إبريل عام 1981، إثر حادث سيارة على طريق الواحات، وهو في سن الثالثة والأربعين.
وفي التوقيت نفسه، يُصاب الشاعر الجنوبي (أمل دنقل) بمرض السرطان، ويعاني من أوجاعه لمدة ثلاث سنوات، ليرحل عن عالمنا في مايو 1983.
أما الخال الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، فقد كان القدر رحيمًا به قليلًا، حيث امتد به الأجل لسنوات بعد رحيل رفيقي دربه، ليصبح عن جدارة تامة شاعر الوطن والناس، والحارس الأمين على التراث الشعبي المصري، والمُعبر الأصيل عن الوجدان المصري، ويحظى بتكريم الدولة ومحبة الناس، ليصاب بعد ذلك بمرض في صدره، ويتوفاه الله يوم 23 إبريل 2015.
تلك هي تغريبة الجنوبي التائه، كما تجسدت في حياة هؤلاء الجنوبيين الكبار الثلاثة الذين صنعوا بحياتهم ومنجزهم الإبداعي أسطورة نجاح صارت غواية لأغلب الموهوبين وأصحاب الطموح الأدبي والثقافي من أهل الجنوب. وهي غواية الرحيل نحو الشمال، والبعد عن بيئتهم الفقيرة ماديًا وثقافيا، والبحث عن فضاء عقلي وثقافي أكثر رحابة، لتحقيق المجد الأدبي والفني والفكري الذي يحلمون به.
وبتأثير من أسطورة الغواية تلك، لا تزال تغريبة الجنوبي التائه قائمة إلى اليوم، ربما تتغير فيها الأسماء والوجوه، ولكن القاسم المشترك بين أصحابها هو حلم الرحيل للشمال، والوصول إلى أرض ميعادهم وأحلامهم، رغم أن أغلبهم صاروا يموتون دونها، ويقضون العمر في الذود عن قيثارتهم، دون أن يعزفوا ألحانهم، بعد أن أصبحت الحياة في بلادنا أكثر مادية وقسوة وهدرًا لإنسانية وموهبة الإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.