كان للنساء دور مهم في تاريخ العلوم الإسلامية، فقد نبغ منهن شخصيات تأثرن بالبيئة العلمية التي نشأن فيها، فأصبحن عالمات وفقهيات ومحدثات، يروي كبار العلماء من الرجال عنهن العلم والحديث. ومن هؤلاء فاطمة بنت الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة رضي الله عنه وصاحب المذهب المعروف، وصاحب كتاب الموطأ المشهور. وقد ذكر العلماء أن فاطمة بنت مالك كانت ضمن رواة الموطأ وكانت تشتهر بالعلم، حتى أن القاضي عياض أحد كبار فقهاء المذهب المالكي قال نقلا عن الزبيري: "كان لمالك ابنة تحفظ علمه -يعني: الموطأ-، وكانت تقف خلف الباب، فإذا غلط القارئ، نقرت بالباب، فيفطن مالك، فيرد عليه". وقد نقلت فاطمة بنت مالك الكثير من علم أبيها وحفظته وأدركته، بل ونقلت كذلك الكثير من أحواله، فتصف صفة قيامه لليل فتقول: "كان مالك يصلي كل ليلة حزبه، فإذا كانت ليلة الجمعة أحياها كلها". كما اشتهرت ابنة الإمام مالك كذلك بالفقه والصلاح، وتجلى ذلك في أحد المواقف التي تعرضت لها في السوق، فقد كان الإمام مالك يتكسب عيشه من التجارة، وكانت ابنته فاطمة كذلك تساعده، فيذكر ابن الحاج في كتابه: "المدخل" عن أشهب أنه كان في المدينةالمنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وأنه اشترى خضرة من جارية وكانوا لا يبيعون الخضرة إلا بالخبز، فقال لها: إذا كان عشية حين يأتينا الخبز فأتنا نعطكِ الثمن، فقالت له: ذلك لا يجوز، فقال لها: ولم؟ فقالت: لأنه بيع طعام بطعام غير يد بيد، فسأل عن الجارية من تكون فقيل له: إنها ابنة الإمام مالك بن أنس. وتزوجت فاطمة ابنة الإمام مالك من أحد كبار علماء عصره وهو إسماعيل بن أبي أويس والذي كان عالم أهل المدينة في عصره ومحدثهم كما وصفه الإمام الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" وأشار إلى أن الشيخين البخاري ومسلم قد احتجا به في رواية الحديث وأنه من أوعية العلم، وأنه أقوى درجة من عبدالله كاتب الليث. وكان للإمام مالك بن أنس رحمه الله ثلاثة أبناء من الذكور غير فاطمة، وهم يحيى ومحمد وحماد، إلا أنه لم يشتهر أحد منهم بالعلم والفقه إلا أختهم فاطمة، ورغم قلة المصادر التي ترجمت لها إلا أنها تعد من الفقيهات ومن رواة موطأ أبيها الإمام مالك. فترجم لها القاضي عياض رحمه الله في كتابه "ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك"، أثناء باب: ذكر آل مالك وبيته وبنيه، وباب: ذكر من روى الموطأ من الجلة والأئمة والمشاهير والثقات عن الإمام مالك رحمه الله، وروي عن أكثرهم في المشرق والمغرب، وكذلك ذكرها الإمام الرشيد العطار في كتابه: "مجرد أسماء الرواة عن مالك"، وكذلك العلامة ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه: "إتحاف السالك برواة الموطأ عن الإمام مالك".
