الذنوب آفة عظيمة تصيب العبد، وتجعله بعيدا عن ربه، لا يشعر بلذة وحلاوة الإيمان والقرب من الله – عز وجل -، لكن مهما بلغت ذنوب الإنسان وعظمت وأثقلت ظهره، فباب التوبة مفتوح، و رب العالمين الغفار موجود يقبل توبة عباده. يقول الله تعالى في كتابه العظيم في سورة الكهف (آية: 58): {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ...}، ولكون مغفرة الذنوب هي صفة من صفات الله تعالى، نتحدث في السطور القادمة عن عظم وفضل وأسباب المغفرة: * عظم وفضل المغفرة يتحدث الكاتب االسيد بن حسين العفاني في كتابه (البحار الزاخرة في أسباب المغفرة) عن هذا المعنى قائلا أن "مغفرة الذنوب هي صفة من صفات الله، حيث يقول أن" مغفرة الذنوب هي الرحمة والفضل من الله، وهي صفة من صفاته، والغفور الرحيم والرحمن قابل التوب من أسمائه"، وقد ذكر الكاتب عدة آيات من كتاب الله – عز وجل – تتحدث عن مغفرة الله منها قوله تعالى في سورة الحجر (آية: 49): {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، وقوله تعالى في سورة البروج (آية: 14): {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}، وفي سورة النجم (آية: 32): {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ}... وغيرها الكثير من الأيات القرآنية الدالة على مغفرة الله لعباده. وأشار الكاتب إلى أن الله تعالى كتب كتاب الرحمة بيده ليدل على عظم المغفرة وشرفها وكرامتها، مستندا إلى حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : (كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق: رحمتي سبقت غضبي) – صحيح ابن ماجه، وإلى الآية الكريمة من سورة الزمر (رقم 53): { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، موضحا أن الله – عز وجل – دعا إلى الجنة وإلى المغفرة في الكثير من آيات كتابه العظيم مثل قوله تعالى في سورة الحديد (آية: 21): {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. وأوضح أيضا عظم المغفرة التي تتجلى في استغفار حملة العرش للمؤمنين مستندا إلى قوله تعالى في سورة غافر (آية: 7): {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}. وبين الكاتب أن المغفرة عظيمة القدر، حيث قال: "سؤال المغفرة هي الدعوة التي خبأها النبي – صلى الله عليه وسلم – لأمته، مستندا إلى حديث النبي – صلوات الله عليه - : (لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وإني اختبأت دعوتي)، وفي رواية: (وأريد أن أختبىء دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة)، وفي رواية: (فتعجل كل نبي دعوته)، وزاد في رواية: (فهي نائلة من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا)". وقال الكاتب أن المغفرة أيضا هي دعوة الأنبياء ودعوة التوحيد، وذكر دعاء أكثر من نبي من أنبياء الله – عليهم جميعا السلام – منههم دعاء سيدنا شعيب – عليه السلام -: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}، ودعاء نبي الله صالح – عليه السلام- : {إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}. وقد حرم الله تعالى الشيطان من المغفرة، وأنعم بها على بني آدم تشريفا من الله لهم – مثلما جاء في المصدر السابق ذكره - استنادا إلى قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (إن الشيطان قال: وعزتك يا رب، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني). * من أسباب مغفرة الذنوب: ولعظم المغفرة وشرفها عند الله، على الإنسان أن يدرك أن هناك العديد من الأمور المكفرة للذنوب والخطايا، وهناك أسباب كثيرة للمغفرة، منها ما ذكره سعيد بن علي بن وهف القحطاني في كتابه (مكفرات الذنوب والخطايا وأسباب المغفرة من الكتاب والسنة): قال الكاتب أن: "الإيمان والعمل الصالح يكفر السيئات وتغفر به الذنوب مشيرا إلى العديد من الأيات القرآنية الكريمة الدالة على هذا المعنى منها قول الله تعالى في سورة العنكبوت (آية: 7): {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}، موضحا أن الصبر والعمل الصالح تغفر بهما الذنوب ويضاعف الأجر مثل قوله تعالى في سورة هود (آية: 11): {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}. ومن الأسباب التي تغفر الذنوب أيضا، أشار الكاتب إلى أن "الإيمان والتقوى تكفر بهما الذنوب، قال الله تعالى في سورة المائدة (آية: 65): {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}، كما أن إخفاء الصدقة وإعطاؤها للفقراء تكفر السيئات، حيث قال الله تعالى في سورة البقرة (آية: 271): {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. وأوضح الكاتب أن محبة الله واتباع النبي – صلى الله عيله وسلم – تغفر بها الذنوب مثل قوله تعالى في سورة آل عمران (آية: 31): { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، كما أن اجتناب الكبائر يكفر السيئات أيضا، يقول الله تعالى في سورة النساء (آية: 31): {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}. وبين الكاتب أن الاستغفار يغفر الذنوب ويدخل الجنة، يقول الله تعالى في سورة آل عمران (آية: 135 - 136): {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}. كما أن التوبة النصوح تبدل بها السيئات حسنات مثلما جاء في المصدر السابق ذكره – مثلما قال الله تعالى في سورة الفرقان (آية: 70): {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.