كانت الأجواء تدور طبيعية داخل صالة 19 في معرض الكتاب؛ الزائرون يتفقدون الكتب، يقلبون بين هذا وذاك، الأقدام تسير حينًا وتتوقف تارة أخرى، لكنها في لحظة ما، بدأت تتجمع بركن يحمل خلفية كرتونية ذات رسوم متحركة، تعلوها كلمات "الجاحظ وكتاب الحيوان". "يا بابا ألحق هيورينا برص حقيقي" بهذه الجملة صاحت طفلة قبل أن تنضم إلى رفاقها الصغار الملتفين حول شاب أمامه ميكروسكوب كهربائي. لا يعرف العابرون أمام ركن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أن الشباب أصحاب القمصان الخضراء، يعملون على تبسيط العلوم للأطفال، فضلاً عن تعريفهم بعالم كبير بقامة الجاحظ وقيمته، وهو محور الكتاب المعروض، ف"إحنا هدفنا مش بيع الكتاب لأننا مؤسسة غير ربحية، إنما نعرف الولاد قيمة العلم وعلمائنا العرب والمسلمين"، بحسب ما قال حسن علاء، أحد أعضاء فريق مؤسسة ألف اختراع واختراع، صاحبة إصدار الكتاب. فهذه السنة الثانية لفريق ألف اختراع واختراع داخل معرض الكتاب، وفي العام الماضي كان مضمون الكتاب يهتم بالحسن بن الهيثم، وفي الركن ذاته قاموا بعمل تجارب تعرف الصغار بنظريات ابن الهيثم. ويوضح علاء، عضو الفريق، أن اختيار الشخصيات يرجع للقائمين على المؤسسة البريطانية ذات الحضور العالمي، والهادفة لتبسيط العلوم، فيما يضع علماء متخصصون محتوى الكتاب بطريقة تناسب الأطفال، ثم يأتي دور فريق المؤسسة في مصر لإيجاد الوسائل لعرض تجارب تتوافق مع المحتوى. بمجرد أن يجتمع عدد من الأطفال، بفعل انجذابهم إلى اللوحة الحاملة للرسوم المتحركة، يبدأ علاء ورفاقه في الحديث معهم. "مين شاف خنفسة قبل كده؟" يسألون، قبل أن يقترحوا عليهم مشاهدة فيلم قصير عن الحيوانات. مع عرض الفيلم البالغة مدته 7 دقائق يزداد انجذاب الصغار، ومن ثم آباؤهم، للتوقف ومعرفة ما يجري. ثلاثة شباب يتولون مهمة تبسيط المعلومات عن الحيوانات، فمنار وهي "زميلة في كلية طب، بتعرض على مجسم ضفدعة، وحسام بيتكلم عن الحشرات لأنها من الحاجات اللي بعض الأطفال بيخافوا منها"، أما علاء، طالب الفرقة الرابعة بكلية العلوم، فيضع صندوقًا زجاجيًا يمتلئ بالرمال، ثم يستخرج منه الحفريات "بكلمهم عن الانقراض، وإزاي ده حاجة مش كويسة، وإننا لازم نحافظ على البيئة والحيوانات". مَن قرر الوقوف أمام طاولة التجارب لا يرحل. بعض الآباء يدفعون أولادهم للمشاركة، بل ينخرطون هم أيضًا بالتفاعل أو الأسئلة التي تصاحبها هدايا من الحلوى. يقوم حسام بوضع برص صغير تحت الميكروسكوب، ويشبه شكل أقدامه بفصوص ثمرة اليوسفي، فيبتسم الجميع كبارًا وصغارًا، فيما يطالب صغير علاء بأن يحمل الحفرية، فيعطيه قفازًا واقيًا ليحملها به. ثمة قواعد ثابتة يتبعها المتحدثون في عرضهم، كما قال علاء: "مبنستخدمش أي مصطلحات إنجليزية أو علمية صعبة، ونربط اللي بنقوله بأماكن ممكن يشوفوها". ويخبر طالب كلية العلوم الأطفال عن الأهرامات، ويشير إلى حفرية "قروش الملايكة" التي يمكن أن يروها بكثرة هناك، وحديقة الحيوان الموجود بها متحف الحفريات. الشغف يبدو حاضرًا في حديث أعضاء الفريق، ولا يقل مع توالي الحضور، حيث يضيفون الجديد، فيُعلم علاء الصغار بأمر اكتشاف "منصوراصورس"، فيما يضيف لهم حسام سبب تسميته بذلك. وقد حصل شباب "ألف اختراع واخترع" على دورات تدريبية لتبسيط العلوم، في وقت قليل يصل إلى 3 دقائق فضلاً عن مشاركتهم في مسابقات متخصصة بهذا الشأن، لكن ذلك لا يمنع من وجود متخصص في علوم الاتصال يُقيم أفكار عروضهم قبل بدء معرض الكتاب كما يقول علاء. تستمر جولة "الجاحظ وكتاب الحيوان" من الساعة العاشرة حتى المساء، مع انتهاء يوم آخر في فترة المعرض. يستقبل العارضون الصغار، يحضنون الدهشة في عيونهم، "الأطفال بيحبوا الاستكشاف"، يخبرهم علاء بأن يستخرجوا تلك الحفرية من الصندوق الزجاجي، فيمسك الفرشاة ويزيح عنها الرمل، فيما تصاحب ذلك شهقات البعض، وآخرون ينطلقون بالتخمين "دي زلطة.. لا دي صدفة" إلى أن يعلمهم بما تكون طالب كلية العلوم. لا تخلو الساعات اليومية مع التجارب للأطفال، من بصمات الكبار. يبتسم علاء، بينما يتذكر حين كان يتحدث عن الديناصورات بأنها كائنات انقرضت، فإذا بأم تقول "وكمان التنانين". كانت تظن السيدة أنها حقيقية، قبل أن يخبرها الشاب "مفيش حاجة كده دي أسطورة". مع كل عرض جديد، يحمل الشباب الثلاثة ل"ألف اختراع واختراع" غايتهم في أن يذهب الحضور، وفي أنفسهم شيء من حب العلوم، وزوال الصورة المغلوطة عن صعوبة هذا المجال، أو أقل شيء أن ينظر الصغار بشكل مختلف وأن يتأملوا الكائنات الحية من حولهم.
