الجبهة الوطنية يكلف الطويقي قائما بأعمال أمين الحزب بسوهاج    نقابة الأطباء تعلن تشكيل هيئة المكتب بعد انتخابات التجديد النصفي    انطلاق أعمال المؤتمر الدولى السادس لمجلس الكنائس العالمى بمشاركة 100 دولة بوادى النطرون    وزارة التخطيط تحتفي بالذكرى ال80 لتأسيس الأمم المتحدة    ايمن الزغبي: 8.6 مليار دولار تمويلات قدمها أفريكسم بنك لتنفيذ إنشاءات بإفريقيا    الموانىء البرية والجافة: لميناء أكتوبر الجاف دور بارز وهام في حركة الواردات والصادرات القادمة والمتجهة من وإلى الموانئ البحريه المصرية    محمود مسلم: الفصائل الفلسطينية أمام فرصة تاريخية للتوحد وإنقاذ القضية    ضم الضفة الغربية قائم رغم نفي واشنطن وتجاهل الإعلام الإسرائيلي    مساعد الأمين العام لحلف الناتو يبحث تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية في جنيف    اللجنة المصرية تسير قافلة المساعات الأكبر إلى غزة وشمال القطاع    الإصابة تحرم ابتسام زايد من استكمال منافسات بطولة العالم للدراجات| صور    فتحى سند يكتب: لا مؤاخذة!    وزير الرياضة يطمئن على ابتسام زايد بعد إصابتها في بطولة العالم للدراجات    الخطيب: شركات الأهلي نجحت في تحقيق أهدافها    توخى الحيطة والحذر.. بيان مهم من الأرصاد الجوية حول طقس الساعات القادمة    برفقتهم 25 طفلا.. تفاصيل ضبط شبكة تسول بالقاهرة    العثور على جثة شاب في ظروف غامضة ب الدقهلية    أحمد مالك بعد فوزه بأفضل ممثل بمهرجان الجونة: "الحمد الله الجائزة وصلت مصر"    أحمد سعيد يحيي زمن الطرب الأصيل بمهرجان الموسيقى العربية    متلعبش معاهم ب النار.. 3 أبراج انتقامية لا تنسى الخيانة أبدا    باللون الأسود.. إطلالة إلهام شاهين تخطف الأنظار في ختام مهرجان الجونة    نبيل فهمى: ما يجرى فى غزة يشكل لحظة فارقة فى تاريخ الصراع الفلسطينى الإسرائيلى    مخرج مسرحية «أم كلثوم»: أجرينا تجارب أداء مع 1000 متقدم    26 أكتوبر، جامعة أسيوط تنظم يوما علميا عن الوقاية من الجلطات    ضمن مبادرة "صحح مفاهيمك".. ندوة علمية حول الأمانة طريق النجاح بأوقاف الفيوم    محمود فوزى بمنتدى البرلمانيين العربى - الآسيوى: التشريعات أداة لترجمة الإرادة السياسية    إيقافات وغرامات بالجملة على الأهلي، عقوبات الجولة ال11 للدوري المصري    جمارك مطار أسيوط تحبط محاولة تهريب كمية من مستحضرات التجميل    ضبط طن لانشون غير مطابق للمواصفات القياسية بمخزن غير مرخص بقها    لو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت.. أزهرى يجيب عن حكم قبول الهدايا.. فيديو    المنصورة تهزم ديروط بثلاثية بدوري المحترفين وتعادل سلبى بين الترسانة ولافيينا    وزارة الرى تعلن أسباب ارتفاع منسوب النيل وتؤكد: الاستمرار فى إزالة التعديات    ليفربول قد يخسر مهاجمه أمام برينتفورد    ساندويتش السمك المشوي.. وصفة المسلسلات التركية (طريقة تحضيرها)    مؤتمر حميات الفيوم يناقش الجديد في علاج الإيدز وفيروسات الكبد ب 12 بحثا    "الصحة" تعلن محاور المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    مصرع شقيقين في أسوان اصطدم بهما قطار أثناء عبورهما شريط السكة الحديد    فيلم "فيها إيه يعني" يتراجع ويحتل المركز الثاني في شباك التذاكر    شهيدان وجريحان بغارة اسرائيلية استهدفت سيارة جنوب لبنان    "الداخلية" ضبط 13 شركة ببني سويف للنصب علي راغبي السفر إلي الخارج    تشييع جثامين ضحايا حادث انقلاب ميكروباص داخل ترعة في محافظة قنا    عالم أزهري: أكثر اسمين من أسماء الله الحسنى تكرارًا في القرآن هما الرحمن والرحيم    من العدم إلى الخلود.. الداعية مصطفى حسني من جامعة القاهرة: الإنسان يمر ب4 مراحل (تفاصيل)    أفضل الأدعية والأذكار المستحبة في يوم الجمعة وفضائل هذا اليوم المبارك    الوزير: افتتاح مصنع جديد في صناعة الضفائر الكهربائية للمركبات قريبا    متابعة المشروعات وتنظيم المواقف والبنية التحتية.. أبرز أنشطة التنمية المحلية الأسبوعية    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. وحكم الاستماع إليها من الهاتف    سر ساعة الإجابة يوم الجمعة وفضل الدعاء في هذا الوقت المبارك    مجلة فوربس: رئيس الرعاية الصحية ضمن أبرز 10 قادة حكوميين بالشرق الأوسط لعام 2025    وزير الدفاع ورئيس الأركان يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    مستوطنون يهاجمون منازل فلسطينيين في قرية الطوبا جنوب الخليل    تعرف على موعد بدء التوقيت الشتوي وموعد ضبط الساعة رسميًا    الفنان محمد صلاح جاد يتألق مع النجم سيد رجب في مسلسل «لينك»    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    مصادر دبلوماسية ل«الشروق»: واشنطن تستضيف اليوم اجتماعا لممثلين للآلية الرباعية حول السودان    مدرب بيراميدز يتغنى بحسام حسن ويرشح 3 نجوم للاحتراف في أوروبا    ميرتس: تجميد الأصول الروسية خطوة معقدة.. والتقارير عن خطة سلام لأوكرانيا غير صحيحة    رسميًا قائمة أسماء المرشحين النهائية في انتخابات مجلس النواب عن محافظة البحيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضيف مؤلم.. الإصابة تصنع من "السويسي" بطلا للثورة
نشر في مصراوي يوم 25 - 01 - 2018

على كرُسي مُتحرك، جلس حمادة السويسي أمام حمام السباحة بنادي البنك الأهلي، خلع ملابسه استعدادًا لبدء السباحة، فظهرت جروح عديدة لم تندمل في بطنه، صدره، وجانبي جسده. حين يُسأل عن سرها يُجيب بابتسامة "مُصاب ثورة، وليا الفخر" قبل أن يقفز بحماس داخل الحمام لبدء تمرينه الأسبوعي.
منذ حوالي 5 سنوات، يمضي السويسي يومه بين العلاج الطبيعي في مستشفى العجوزة للقوات المسلحة، وتدريب السباحة ورياضة القوس والسهم، محاولا الانتصار على إصابته المزمنة في 28 يناير، داخل شقته القريبة من المستشفى يُقيم الشاب وحيدا، يزوره الأقارب أو الأصدقاء أحيانا، لكن أثر "يناير" لا يفارقه.
حين سمع ابن محافظة السويس عن التظاهرات، دفعه الفضول إلى الشارع، قبل أن يصيبه حماس يوم 25 يناير؛ شعر صاحب التسعة عشر عاما وقتها أنه يستطيع رفض ما يُنغص عليه معيشته وعائلته "كنا معرضين طول الوقت للإهانة، بنخاف من أي أمين شرطة لأننا هنتبهدل وهنتجر على القسم"، خرج للتظاهر يوم السادس والعشرين ثم في جمعة الغضب التي حملت له حكاية مختلفة.
في محيط قسم السويس ساد الخوف، تحرك السويسي بحذر مع أبناء عمومته في شارع إبراهيم فرج القريب من القسم، لم يتخيل أن الخطورة ماتزال قائمة "كانت دبابات الجيش نزلت فقولنا الثورة نجحت خلاص" قبل أن تنهال عليهم النيران بشكل عشوائي من مبنى الشرطة. لا يتذكر الشاب من المشهد سوى أكشاك الخبز الخشبية التي انتزع باب أحدها ليحتمي به، ثم سقطة سريعة على الأرض وسخونة تسري في جسده.
"الكلام بتاع الأفلام إن الواحد بيدوخ وبعدين يقع دة كدب.. أنا خدت الرصاصة ومدرتش بالدنيا"، أصابته طلقة عيار 9 ملي في ظهره "بتاعة ظابط.. لما خرجوها سلمناها للشرطة"، كسرت الرصاصة عدة فقرات، وحرقت جزءًا من أعصاب الحبل الشوكي. في لحظة الإصابة كاد باب الكشك يسقط فوقه "بسنده بإيدي اليمين جاتلي الرصاصة التانية فيها". غاب الشاب عن الوعي تماما.
حكى شقيق السويسي له فيما بعد عن أيام الإصابة الأولى "جريوا بيا من مستشفى الأمل في السويس لمستشفى الجامعة في الإسماعيلية، وهناك قضيت أسوأ 16 يوم في حياتي عشان عرفت إني مش همشي تاني".. تم إنقاذ حياة ابن السويس، لكن إصلاح العظام استلزم نقله للقاهرة.
بينما يتحرك في أروقة المستشفيات، تهامس المحيطون بالشاب عن يناير بصورة سيئة وأنها سبب ما جرى له من ألم وعجز ليرد: "دا نصيب، وشرف إني كنت في الثورة، وعلى الأقل الدولة اتكفلت بعلاجي واتعملي مجلس مخصوص ليا ولكل مصابين الثورة".
وقع اختيار الأطباء على مستشفى الحلمية للقوات المسلحة، حينما وصل الشاب وجد اهتماما بالغا "الدكاترة قالولي إنك أول مصاب ثورة تيجي عندنا"، إلا أن المفارقة حدثت حينما اكتشف أن طبيب العظام الذي يعالجه هو أحد أطباء الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك "الموضوع كان مضحك.. بس الدكتور ده من أكفأ الأطباء في مصر وده اللي كان فارق معايا".
انقسم العامان التاليان في عُمر السويسي بين العمليات الجراحية؛ واحدة لإصلاح الضرر في العمود الفقري، أخرى لتنظيف يده، ثالثة لرتق الحالب الأيمن الذي اخترقته الرصاصة، رابعة لانتزاع قطع العظم من جسده وتركيبها في يده لسد الفراغ، ثم خامسة وسادسة حتى وصل المجموع النهائي إلى 21 عملية، بينما سؤال وحيد لا يفارق عقله "هو انا بعد كل ده هخفّ وأمشي تاني؟"، كانت الإجابات تأتيه دائما ب"الأمل لسة موجود والطب بيتقدم، بس انا كنت عارف إن مفيش علاج لسه".
داخل تلك الدوامة أيقن السويسي أن مرضه يتحكم في كل شيء، ما عاد يتابع الثورة ولا تفاصيل السياسة "مكناش ملاحقين"، لكن حبل الود بينه وبين يناير ظل موجودا، لم تقطعه الرصاصة الطائشة، ولا اتهام المتظاهرين بال"التخريب".
بداية عام 2012، انتقل الشاب لمستشفى القوات المسلحة بالعجوزة، وبعد 8 أشهر وصله الخبر اليقين "خلونا نستوعب إن مفيش علاج أو عمليات لزراعة الخلايا الجذعية على مستوى العالم" كانت الحقيقة قاسية، غير أنه استقبلها برضا تام، قبل أن يتلقى الخبر الصادم بانتهاء مدة علاجه وضرورة مغادرة المستشفى.
إلى أين يذهب؟ كيف يمكنه البدء من جديد؟ دارت الأسئلة في عقل السويسي، خشي من الحياة خارج جدران المستشفى "في النهاية نفذوا القرار، مشينا بس خدنا مبلغ وشقة في أكتوبر كتعويض".
في بيت العائلة بالسويس، مر الشاب العشريني باختبار قاسٍ لنحو عام، كانت الصدمة والتأقلم ومحاولة استيعاب الحياة الجديدة رفاقه، زحف الاكتئاب على قلبه، ملأ الاحباط روحه، لكن نقطة نور وجدت مكانا داخله، اتسعت لتنقذه في الوقت المناسب، قاد ثورة ضد نفسه، رياح يناير رافقته مرة أخرى "قلت وبعدين؟ لازم أرجع، أعمل حاجة بحبها، وأكمل علاجي الطبيعي عشان حالتي متكونش أسوأ".
بالقُرب من مستشفى العجوزة، اتخذ السويسي سكنا له برفقة أحد مصابي الثورة، استمر في العلاج الطبيعي، تحسنت حالة قدمه اليسرى، ويده المصابة، عثر على مقعد مُتحرك رياضي تمنحه مؤسسة الحسن "اشتغلت وقتها في مجلة" ثم تحمس لتعلم السباحة ورياضة القوس والقرص.
لم يعد السويسي يهتم بما يدور في عالم السياسة بمصر "يعني مفيش حاجات كتير اتغيرت عن زمان"، كلما تحسس جروحه يُدرك أنه ساهم في حدث تاريخي "يكفينا إننا وقفنا قدام الفساد والظلم، وقدرنا نمشي رئيس بقاله 30 سنة، يعني شجرة لها جذور قوية بس نجحنا وشلناها".
لم تمضِ إلا 3 أشهر، حتى أجاد السويسي السباحة، ثم انضم إلى عالم السباقات "بتسابق مع ناس عندهم نفس الحالة أو حاجة مشابهة ليها" حصل على المركز الثالث في مسابقته الأولى داخل نادي الصيد، فيما تفوق برياضة القرص والقوس بنادي الرماية بالقوات المسلحة ويستعد لبطولة الجمهورية "لعبت 3 بطولات وخدت 3 ميداليات".
ما كان للسويسي أن يتهم الثورة زورا. حين تحل ذكراها السنوية تختلط مشاعر الفخر والحزن بداخله "هي حدث عظيم بس بسببها مات ناس واتصاب غيرهم"، يضع يده المصابة فوق قدمه اليُمنى "الحياة بعد الرصاصة مختلفة.. مهما كنا بنحاول نعدي وراضيين بس هتفضل مختلفة.. الأحلام نفسها بتتغير".
كان السويسي طالبا بكلية نظم المعلومات في السويس، يحلم بالسفر خارج مصر. حصل على شهادته الجامعية أثناء رحلة العلاج لكن السفر صار مستحيلا، رغم ذلك لا يندم على مشاركته، ينوي أن يحكي عن الثورة لأبنائه "هقولهم إن فيه حاجات معجبتناش لما كنا شباب وحاولنا نغير، حتى لو مفلحناش بس حاولنا"، يسرح بعينيه بعيدا "صحيح الثورة معلّمة فينا نفسيا وبدنيا.. بس يمكن تكون من أفضل الحاجات اللي عايشناها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.