أحدث قرار السعودية التاريخي السماح للمرأة بالقيادة صدمة وفرحة عارمة لدى السعوديات اللواتي حاربن على مدى عقود من أجل نيل حقوقهن الأساسية في المملكة المحافظة التي تشهد بوادر انفتاح اجتماعي. والسعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر على المرأة قيادة السيارة ضمن مجموعة اخرى من القيود الاجتماعية الصارمة. ويشكل القرار الذي سيبدأ تطبيقه في يونيو 2018 محطة رئيسية في سلسلة الاصلاحات الاجتماعية الأخيرة الهادفة الى تحضير المملكة لمرحلة ما بعد النفط وتحسين صورتها في الخارج وسجلها في مجال حقوق الإنسان. ورأى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في القرار "خطوة إيجابية نحو تعزيز حقوق النساء والفرص المتاحة أمامهن في المملكة العربية السعودية"، بينما اعتبرت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن الخطوة مهمة في مسار ترسيخ المساواة بين الجنسين. وقبيل منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء، قالت وكالة الأنباء الرسمية في إعلان عاجل إن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أمر "بتطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية - بما فيها إصدار رخص القيادة - على الذكور والإناث على حد سواء". وأضاف الأمر الملكي أن القرار سيدخل حيز التنفيذ في شهر شوال من السنة الهجرية 1439، الموافق شهر يونيو من العام المقبل، على ان تقوم المملكة خلال هذه الفترة بتحضير الجهات المختصة لهذه الخطوة. ولطالما أعلن رجال دين سعوديون عن معارضتهم لقيادة المرأة للسيارة، وتذرع بعضهم بأن هذا الأمر قد يؤدي إلى الاختلاط مع الجنس الاخر، بينما رأى أحدهم ان القيادة "تؤذي المبيض". وعلى مدى عقود، أوقفت العديد من الناشطات الحقوقيات بسبب محاولتهن القيادة في المملكة التي تطبق الشريعة الإسلامية بشكل صارم. ومع أن أيا من هؤلاء الناشطات لم تحل إلى المحاكمة، إلا أن السلطات كانت تجبرهن على توقيع تعهد بعدم تكرار فعلتهن مقابل الإفراج عنهن. وعبرت سعوديات فور صدور القرار عن صدمتهن وفرحتهن. وكتبت على حسابها في تويتر الناشطة منال الشريف التي قادت في 2011 حملة لتشجيع المرأة على المطالبة بالقيادة "لقد فعلناها". وفي الرياض، قالت هيا الركيان (30 عاما) وهي موظفة مصرف لوكالة فرانس برس "أشعر بسعادة غامرة وبصدمة في الوقت نفسه. توقعت أن يحدث هذا الأمر بعد 10 أو 20 سنة، لم أتوقع أن يحدث الآن أبدًا". بدورها قالت شذا الدوسري (31 عاما) الموظفة في شركة أرامكو في الظهران (شرق) "كنت متاكدة أن هذا القرار سيتخذ في عهد الملك سلمان. لم أصدق بعد من هول الصدمة، ولن أصدق حتى أرى بعيني. أنه يوم سعيد جدا". حقبة جديدة منع المرأة من القيادة واحد من القيود المطبقة بحق النساء في المملكة حيث يفرض على الإناث الحصول على موافقة ولي أمرهن، الوالد أو الأخ أو الزوج، قبل السماح لهن بالسفر أو الزواج أو الدراسة. ولم يتضح في القرار الملكي ما إذا كانت المرأة ستحتاج الى ولي أمر للتقدم بطلب الحصول على الرخصة. ويأتي القرار هذا في إطار بوادر انفتاح في المملكة. وكانت السعودية أدخلت قبل اشهر قليلة تعديلات على نظام "ولاية الرجل" على المرأة، أمرَت بموجبها باستثناء نشاطات منه، وفق ما أفادت وسائل اعلام محلية، في خطوة طالبت ناشطات سعوديات باستكمالها عبر الغاء هذا النظام برمته. وبعيد صدور قرار القيادة، غص تويتر بالتغريدات المرحبة، واستقطب وسما #قيادة_المرأة_السعودية و#السعودية_ولية_امري مئات المغردين الذين هاجم بعضهم رجال دين رفضوا في السابق قيادة المرأة للسيارة. وانتشرت على الإنترنت صورة لثلاث نساء في سيارة مكشوفة وكتب تحتها "نحن، قريبا". وفي إطار خطة إصلاح اقتصادية كبرى تحت مسمى "رؤية 2030"، تسعى السعودية إلى دفع أكبر عدد من النساء للعمل. وسيؤدي القرار إلى دعم الاقتصاد الوطني عبر تسهيل مهمة المرأة في التنقل والعمل بعدما اعتمدت لعقود على السائقين. وقالت كريستين ديوان الباحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن لفرانس برس ان "وضع المرأة خلف المقود هو أفضل طريقة للاعلان للعالم وللسعوديين ان المملكة تدخل حقبة جديدة". وأضافت أن "حكم الاسلام المتشدد بدأ يتلاشى". علاقات عامة جاء القرار بعد ايام من احتفال مختلط غير مسبوق في الرياض لمناسبة الذكرى ال87 لتأسيس المملكة، وكذلك احتشاد مئات من النساء في ملعب رياضي للمرة الأولى حيث نظمت عروض تضمنت حفلات موسيقية مع رقصات شعبية والعاب نارية. وشكل وجود المرأة في ملعب الملك فهد مفارقة مع الاحتفالات السابقة في المملكة الخليجية التي تمنع النساء عادة من دخول الملاعب الرياضية من خلال قواعد صارمة حول عدم الاختلاط في الأماكن العامة. ودخلت النساء الملعب المخصص أصلا للذكور فقط ويستخدم لمباريات كرة القدم، مع أسرهن وجلسن بشكل منفصل عن الشبان لمشاهدة مسرحية حول تاريخ السعودية. وفي مملكة نصف سكانها دون سن الخامسة والعشرين، بات ينظر إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (32 عاما) على أنه الحاكم الفعلي، ولو من خلف الستار، للدولة الغنية، والمحرك لحملة التغيير، والمعني الأكبر بشؤون الجيل الشاب وطموحاته. وتقول جين كينيمونت الباحثة في معهد تشاتم هاوس البريطاني إن "السماح للمرأة بالقيادة أكبر انتصار في العلاقات العامة يمكن للسعودية والأمير محمد أن يحققاه بضربة واحدة".