"هو الناس بطلت تتجوز ليه؟" سؤال كان محور نقاش مرتين في أسبوع واحد أحدهما مع أحد أقرباء مأذون بحي شعبي في مصر يتحدث عن وضع غريب وهو تراجع أعمال قريبه والثاني من صديق قبطي يتحدث عن أن الكنائس لم تعد لديها القوائم القديمة للانتظار الخاصة بمراسم الزواج. حديث عزوف المصريين عن الزواج هو حديث ذو شجون اجتماعية واقتصادية وله دلالاته السياسية. فالزواج في المدينة يحكي لنا قصة التحولات التي تشهدها مصر خلال السنوات الأخيرة. فقد دفع تراجع الوضع الاقتصادي والقوة الشرائية لأبناء الطبقة الوسطى في المدن خلال العامين الأخيرين وخاصة مع تحرير سعر الصرف إلى زيادة عزوفهم عن الزواج. وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، التي نشرت الأسبوع الماضي، إلى انخفاض نسبة عقود الزواج في المدن بنسبة 9.6٪ في عام 2016 مقابل عام 2015 وتزيد النسبة إلى 10٪ في حال إضافة الزيادة السكانية في المدن خلال نفس العام، بل أن الرقم المرعب الأخر هو ارتفاع نسب الطلاق في القاهرة 13٪ خلال نفس العام. إلى ماذا تشير هذه الأرقام؟ تشير بوضوح إلى أن شباب الطبقة الوسطى أصبح يعتبر الزواج عبئاً اقتصاديا واجتماعيا أكثر منه حلماً يسعون إلى تحقيقه، وإلى أن الأزمات الاقتصادية المتراكمة تخنق العائلات الجديدة فتدفع نسبة ليست بقليلة إلى الطلاق خاصة وإن وضعنا في اعتبارنا أن أعلى نسب طلاق كانت في اعمار بين 30 و35 للذكور و25 و30 للإناث. هكذا تدفع ارتفاع أعباء المعيشة في المدن وخاصة القاهرة إلى تراجع الشغف بتكوين الأسرة وزيارة الميل نحو الطلاق والانفصال. إن هذا المشهد الاجتماعي يطرح العديد من الأسئلة ويثير الكثير من المخاوف. فالسؤال الأول هو هل سبب أزمة الزواج الراهنة ترجع إلى نقص في الأسكان بالمدن؟ الإجابة بدون مجاملات هي لا صريحة، فمنظومة الإيجار الجديد وشقق الإسكان الاجتماعي حلت نسبيا معضلة الحصول على سكن للزواج مقارنة بالثمانينيات والتسعينيات. السؤال الثاني هل مغالاة عائلات الشابات تكمن وراء تراجع نسب الزواج؟ الإجابة أيضا لا. فنحن نشاهد رؤية العين كيف أن تعقيدات الزواج المالية من حيث المغالاة في المهر والشبكة بالنسبة للطبقة الوسطى اقتربت أن تكون في طي النسيان، بل أن تراجع المغالاة امتدت للريف وخاصة في الوجه البحري. هنا يطرح السؤال الثالث وهو هل تكاليف ما بعد الزواج هي السبب؟ والإجابة هي نعم. ففي أوساط كثيرة يتعامل فيها الشخص مع شباب في العشرينيات وبداية الثلاثينيات من عمرهم يسرد الشباب نفس الإجابة تقريبا وهي أن الزواج أصبح عبئا من الصعب احتماله من مصروفات ما بعد الزواج وتعليم الأطفال. هذه الإجابة ليست جديدة وليست خرقاً في تفسير الواقع الاجتماعي ولكنها تحمل دلالة أن العزوف عن الزواج سوف يستمر فترات طويلة ويبدو من المنطقي أن ترتفع النسبة خلال 2017 مع الموجات الجديدة من ارتفاع الأسعار. ولكن ما هي الدلالات السياسية لكل ما سبق؟ الدلالات ستحملها السنوات المقبلة، حيث سترتفع بالضرورة نسب الباحثين عن التمرد على السلطة في المدن، حيث تشير دراسات الديموجرافيا السياسية إلى أن الشباب الذكور غير المتزوج هي الفئة الأكثر ميلاً للمعارضة حيث إنها تتمتع بالعنفوان والرغبة في التمرد مع انخفاض مسؤولياتها الاجتماعية إلى الحد الأدنى. ارتفاع نسبة هؤلاء الشباب في المدن سيزيد احتمالية التوتر السياسي ليس اليوم ولا الغد القريب بحكم الذاكرة السلبية الجماعية تجاه السياسية بشكل عام بسبب ما شهدته مصر منذ 2011 ولكن خلال المدى المتوسط. إن حوار الزواج والطلاق والسياسية في مصر طويل وله تفاصيل أخرى يمكن تناولها في أكثر من حيز هذا المقال ولكن يجب أن يلتفت النظام للقاعدة الرئيسية للديموجرافيا السياسية وهي أن التغير الديموجرافي يشكل السلطة السياسية مثلما يشكل الماء الصخر.