بعد ست سنوات على ثورة 2011 التي أزاحت حسني مبارك عن السلطة، تسود مشاعر الغضب والإحباط لدى الناشطين المصريين الذين يتعرضون لقمعٍ قاسٍ يكاد يفقدهم الأمل في المستقبل. وأصبح النشطاء، أو بالأحرى من بقي منهم خارج السجون، منشغلين يوميا بمعارك قانونية وبجلسات في أروقة المحاكم لمحاولة الدفاع عن زملائهم الملاحقين أو المحبوسين. ويواجه عبد الفتاح السيسي، القائد السابق للجيش اتهامات بإخماد رياح الديموقراطية التي هبت على البلاد بعد ثورة 25 يناير 2011. وفي بلد تعصف به أزمة اقتصادية حادة، لا يسمح السيسي الذي انتخب رئيسا في 2014 بعد عام من إطاحته الرئيس الإسلامي محمد مرسي، بأي معارضة. وقالت الناشطة إسراء عبد الفتاح الممنوعة من السفر منذ أكثر من عامين لوكالة فرانس برس "السلطة نجحت في أن تشغلنا بأمورنا الشخصية: منع من السفر، تجميد أموال، متابعة قضايا المعتقلين". وتابعت عبد الفتاح بإحباط جلي "كل شخص مشغول بمعركته الشخصية للبقاء وهذا ما تريده السلطة". وكانت عبد الفتاح، وهي واحدة من مؤسسي حركة 6 إبريل، التي شاركت في إطلاق الدعوة لثورة 2011، تتحدث إلى فرانس برس على هامش حضورها مع نشطاء آخرين جلسة أمام محكمة جنايات في القاهرة تقرر خلالها تجميد أموال مؤسسة "نظرة للدراسات النسوية" و"المنظمة العربية للإصلاح الجنائي". كما قررت المحكمة تجميد الأموال الشخصية لمؤسسيهما الناشطة مزن حسن والناشط الحقوقي محمد زارع تنفيذا لطلب من النيابة العامة التي تتهمهم بتلقي تمويل من خارج البلاد بالمخالفة للقانون. وقالت عبد الفتاح بأسى وهي تمر بسرعة قرب ميدان التحرير "الأمر بائس جدا. حزينة على الدماء التي أهدرت سدى". "أعد الأيام للخروج" وإلى القمع، يواجه الشباب غير المسيس الذي شارك في تظاهرات العام 2011 آثار أزمة اقتصادية طاحنة تعيشها مصر أدت إلى قفزات غير مسبوقة منذ سنوات في الأسعار. هذان العاملان معا دفعا الشباب غير المسيس الذي شارك في الثورة إلى فقدان الأمل كما هو حال الصيدلي أحمد (32 عاما) وهو أب لطفلين يخوض "معركة يومية للبقاء". ويقول أحمد، الذي فضل إعطاء اسمه الأول فقط، "تحولت من النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان لخوض معركة يومية لتوفير اساسيات الحياة لأسرتي". ويضيف الشاب الذي قُتل ستة من معارفه في أحداث العنف بالبلاد، "من قبل كنت على استعداد لأن أموت من أجل هذا البلد، الآن أعد الأيام للخروج منه". وتقول مي مجيب أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة إن مصر كانت "اقتصاديا أكثر استقرارا قبل ثورة 2011. هناك سياحة واستثمارات أجنبية"، وهو ما ترى أنه تغير "للأسوأ". وأدى انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار إلى ارتفاع معدل التضخم الذي بلغ 24.3% في نهاية ديسمبر 2016 وهو أعلى معدل مسجل منذ سنوات عدة. وتقول مجيب إن "هناك غضبا مكتوما بسبب ذلك". إلا أنها تضيف "رغم ذلك لا توجد أي رغبة في الثورة لدى المصريين الذي تعبوا من دون الوصول للنتيجة المرجوة". ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة أحمد عبد ربه "في ظروف الثورات الفاشلة، من الطبيعي أن تستنزف الأنظمة الحاكمة الناس بكل الطرق". وتابع "النشطاء والحقوقيون تشغلهم معارك قانونية طويلة لا طائل منها فيما الشعوب مشغولة بتوفير لقمة العيش". "نصف سجين" وتشن السلطات المصرية حملة قمع واسعة ضد المعارضة بأطيافها كافة منذ الإطاحة بمرسي في 2013. وبدأت الحملة باستهداف الإسلاميين من أنصار مرسي الذين قُتل المئات منهم كما جرى اعتقال آلاف آخرين. امتد القمع بعد ذلك ليشمل الناشطين الشباب الذين أطلقوا ثورة 2011 ونزلوا إلى الشارع مع مئات الآلاف من المصريين للمطالبة برحيل مرسي وجماعة الاخوان المسلمين من السلطة والذين صار العديد من رموزهم يقبعون الآن في السجون. وتعتبر مزن حسن أن "الثورة عادت لنقطة الصفر". وتضيف "شيء مؤسف وقاس جدا أن نضطر للدفاع عن أنفسنا أمام المحاكم في مواجهة اتهامات لا أساس لها". ومزن ممنوعة من السفر مثلها مثل كثيرين من نشطاء الثورة الذين لا يستطيعون مغادرة البلاد منذ شهور. ووصفت منظمة العفو الدولية في بيان المنع من السفر بأنه "جزء من حملة أكبر لقمع الأصوات المستقلة والناقدة في البلاد". وبعد ثلاث سنوات من الحبس الانفرادي، خرج مؤسس حركة 6 أبريل أحمد ماهر من السجن ليواجه سجنا آخرا. ومنذ إطلاق سراحه مطلع العام الجاري، يقضي ماهر (36 عاما) 12 ساعة- من السادسة مساء حتى السادسة صباحا- في مركز للشرطة التابع له منزله إذ فرضت عليه المحكمة عقوبة المراقبة. وقال ماهر باقتضاب وهو يجر حقيبة سوداء جمع فيها كتبا وبعض الأطعمة تكفيه لنصف يومه، "أنا نصف سجين". أما الصحفي أحمد جمال زيادة فيواجه الآن معضلة العثور على عمل بعد إطلاق سراحه من سجن استمر عامين. ويقول زيادة "نحن مرهقون ومشتتون جدا" مستبعدا تماما حدوث أي تحرك شعبي جديد في البلاد.