يُحيي ملايين الشيعة في العراق هذه الأيام وقائع أيام عاشوراء، ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي حفيد الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم- في واقعة الطف قبل اكثر من 1400 عاما . وتشكل أيام عاشوراء قمة المناسبات الدينية لدى الشيعة في العراق كونها تتعلق بواقعة تاريخية فاجعة خاض غمارها الإمام الحسين وأهل بيته ومجموعة من أنصاره وتم قتله بطريقة شنيعة الأمر الذي يجعل من هذه المناسبة لدى الشيعة موعدا لذرف الدموع والضرب على الصدور والوجوه والتأسي والحزن الشديد . ويتولى آلاف من الخطباء ورجال الدين قيادة المجالس الحسينية التي تنظم يوميا منذ الأول من شهر المحرم وتستمر لنحو شهرين على نفس الوتيرة داخل المساجد والحسينيات وفي المنازل والساحات العامة في ظل إجراءات أمنية مشددة وحراسة من قبل متطوعين من أهالي المناطق خوفا من تسلل الجماعات المسلحة لتنفيذ جرائم وتفجيرات. وقال محسن علي 36 عاما، إن "إحياء أيام عاشوراء في العراق واجب مقدس وان حضور المجالس الحسينية تجسيد لولاء الشيعة بائمتهم الأطهار من آل البيت وبالتالي فأن عاشوراء بالنسبة للشيعة مناسبة عظيمة ". وأضاف :"لا يوجد بيت لدى الشيعة في العراق لا يقدم شيئا خلال أيام عاشوراء .. الجميع يساهمون بالمال والطعام وكل وسيلة تجسد تمسكهم برموزهم الدينية ". ويمجد الخطباء في كل ليلة شخصيات ملحمة الطف واستعراض مآثرهم البطولية ودور الأمام الحسين في قيادة هذه الواقعة ودورها في تثبيت أركان حالة الرفض والوقوف بوجه الظلم والحكام المستبدين فضلا عن هذه المجالس تعد فرصه للخطباء بعرض مأسي شعب العراق من جراء ما يتعرضون له من معاناة بسبب فشل الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003 لحل مشاكل هذه الشعب وانهاء معاناته ومحاربة الظلم والفساد. وتغص شوارع العراق وخاصة في المحافظات والمناطق والأحياء الشيعية بملايين الاعلام الملونة التي تشكل علامة بارزة لأحياء هذه المناسبة فضلا عن معالم السواد التي تحيط بالمنازل والاضرحة المقدسة والمنازل والساحات العامة وفوق أبنية الحكومة والوزارات وفي أعلى أبراج محطات الاتصالات واعمدة نقل الطاقة الكهربائية . ولا تقتصر مجالس العزاء على منازل الموطنين بل هناك مجالس خاصة بكبار المسؤولين في الدولة والوزراء ونواب البرلمان واخرين تتخللها وجبات طعام . ويتحدث خطباء المساجد والحسينيات بكل فحر واعتزاز عن مآثر متطوعي الحشد الشعبي في قتالهم ضد داعش وتحقيق الانتصارات عليهم في مناطق متفرقة وخاصة في بيجي والشرقاط ومحافظة صلاح الدين والانبار والتي تأتي متزامنة مع استذكار واقعة الطف البطولية في كربلاء قيل اكثر من 14 قرنا. وقال رجل الدين رياض الساعدي، 43 عاما " عاشوراء مناسبة كبيرة وهي محطة لتحفيز الطاقات لدى الناس لمحاربة الظلم والفساد وتذكير المسؤولين ان الامام الحسين قدم كل التضحيات من اجل تثبيت العدالة ومحاربة الظلم وبالتالي على كل من يتصدى للمسؤولين ان يضع مأساة الامام الحسين امام عينه في قيادة المنصب الحكومي أيا كان ". وأضاف أن "ايام عاشوراء وما بعدها جعلت من العراق محطة لأنظار العالم حيث يتوافد الاف من المسلمين الشيعة من كل بقاع العالم للمشاركة في احياء شعائر هذه المناسبة ". وذكر أن "إحياء أيام عاشوراء تأتي هذا العام في العراق متزامنة مع الانتصارات التي تحققها القوات العراقية المدعومة بمتطوعي الحشد الشعبي لطرد عناصر داعش من مناطق تابعة لمحافظة صلاح الدين والأنبار والاستعداد لبدء عملية تحرير الموصل". وشهدت المجالس الحسينية طفرة كبيرة بعد عام 2003 بعد الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي كان يقيد إقامة وإحياء أيام عاشوراء . ورغم أن مئات الخطباء يرون في أيام عاشوراء فرصة للتمسك بالدين وبالإمام الحسين، إلا أنهم يوجهون انتقادات لاذعة لكل من يدخل مراسم وشعائر لا تتناسب وعظمة عاشوراء وخاصة ما يتعلق بضرب الراس بآلة حادة حتى يسيل الدم وضرب منطقة الظهر بالسلاسل الحديدية وشعائر اخرى يعتقد أهل الشيعة في العراق بأنها جاءت من خارج البلاد . وتتوقع السلطات العراقية أن تبلغ ايام عاشوراء ذروتها بحضور الملايين من الشيعة في العراق ودول العالم الاخرى عند ضريح الامام الحسين في كربلاء الجمعة المقبلة حيث سيتم قراءة قصة واقعة الطف فيما ستتولى المحطات الفضائية والتلفزيونية والاذاعية الحكومية والتابعة للأحزاب بنقل تفاصيل هذه المناسبة. وهيأت السلطات العراقية 14 قطارا ومئات الحافلات لنقل الزوار من المدن العراقية إلى مدينة كربلاء التي تشهد إجراءات أمنية واسعة النطاق فيما يتوقع أن تشهد المنافذ الحدودية بين العراق وايران تدفق آلاف من الايرانيين والاجانب من الدول الاسيوية الى العراق لإحياء هذه المناسبة .