وليد عبدالعزيز يكتب: المناطق الصناعية والمستقبل    أكبر جسر للمساعدات ومؤتمر دعم غير مسبوق.. القاهرة تُعمِّر غزة    مدفعية الاحتلال تقصف بلدة بني سهيلا وحي الشجاعية    حريق ضخم يلتهم مخزن أخشاب بجوار المعهد العالي للعلوم الإدارية في الشرقية    جمهور الموسيقى العربية 33 فى دنيا الحجار وأصوات نجوم الأوبرا تتوهج بالحب والطرب    انخفاض كبير في عيار 21 الآن بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الخميس بالصاغة    "مياه الفيوم" زيارات ميدانية لطلاب المدارس لمحطات تنقية مياه الشرب.. صور    رئيس الوزراء: رفع أسعار البنزين لا يبرر زيادة أسعار السلع    ختام فعاليات الدورة التثقيفية للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي بمكتبة مصر العامة بالمنصورة.. صور    رسميًا إعارات المعلمين 2025.. خطوات التقديم والمستندات المطلوبة من وزارة التعليم    رئيس الوزراء البريطاني: يسعدني انضمام أمريكا إلينا بفرض عقوبات كبيرة على شركتى النفط الروسيتين    سان دييجو أو اتحاد جدة أو الهلال.. من الأقرب لضم محمد صلاح حال رحيله عن ليفربول؟    ترامب يدعو مربي الماشية إلى خفض الأسعار ويؤكد استفادتهم من الرسوم الجمركية    مسئول كبير بالأمم المتحدة: سوء التغذية فى غزة ستمتد آثاره لأجيال قادمة    كوريا الشمالية تعلن نجاح اختبار منظومة أسلحة فرط صوتية جديدة لتعزيز قدراتها الدفاعية    كاد يشعلها، إعلامي إنجليزي شهير يحذف منشورا مثيرا عن محمد صلاح، ماذا قال؟    محمد صلاح يثير الجدل بعد حذف صورته بقميص ليفربول    ليفربول يفك عقدته بخماسية في شباك آينتراخت فرانكفورت بدوري الأبطال    على أبو جريشة: إدارات الإسماعيلى تعمل لمصالحها.. والنادى يدفع الثمن    العاصي يكشف رد فعل جنش بعد هدف الاتحاد فى الأهلى وسر تنبؤ ياس توروب بطرد كوكا.. فيديو    البابا تواضروس: مؤتمر مجلس الكنائس العالمي لا يستهدف وحدة الكنائس بل تعزيز المحبة بينها    شبورة كثيفة وتحذير شديد من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم.. وحقيقة تعرض مصر ل شتاء «قارس» 2025-2026    «التعليم» تكشف مواصفات امتحان اللغة العربية الشهري للمرحلة الابتدائية.. نظام تقييم متكامل    نفذها لوحده.. كاميرات المراقبة تكشف تفاصيل جديدة في "جريمة المنشار" بالإسماعيلية    نشوب حريق مخزن أخشاب بطريق بلبيس – أبوحماد بالشرقية    الرئيس السيسى: إنشاء ممر استثمارى أوروبى فى مصر كبوابة للأسواق الإفريقية والعربية    بعد تداول فيديو مفبرك.. حنان مطاوع تنتقد استخدام الذكاء الاصطناعي في تشويه الحقيقة    زوج رانيا يوسف: بناتها صحابي.. وكل حاجة فيها حلوة    ليلة طربية خالدة على مسرح النافورة.. علي الحجار يُبدع في مهرجان الموسيقى العربية    الفلسطيني كامل الباشا ل"البوابة نيوز": كلمة حب واحدة قادرة على إنهاء صراع الأجيال.. لو قلت كلمة ثانية بعد "فلسطين".. ستكون "مصر".. أستعد لتصوير فيلم فلسطيني جديد عن القدس وأهلها ومعاناتهم    الصحف المصرية.. حراك دولى لإلزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار فى غزة    إلهام شاهين: لبلبة عشرة عمرى والكاميرات تتلصص علينا ويتخيلوا حوارات غير حقيقية    خالد الجندي: الغنى والشهرة والوسامة ابتلاء من الله لاختبار الإنسان    حياة كريمة.. الكشف على 1088 مواطنا خلال قافلة طبية بقرية البعالوة فى الإسماعيلية    رفض الطعن المقدم ضد حامد الصويني المرشح لانتخابات مجلس النواب بالشرقية    رئيس هيئة النيابة الإدارية في زيارة لمحافظ الإسكندرية    طفل دمنهور يلحق بشقيقه.. مصرع طفلين سقطا من الطابق التاسع في البحيرة    10 رحلات عمرة مجانية لمعلمي الإسماعيلية    رئيس محكمة النقض يستقبل الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي    4474 وظيفة بالأزهر.. موعد امتحانات معلمي مساعد رياض الأطفال 2025 (رابط التقديم)    رياضة ½ الليل| خلل في الأهلي.. الزمالك يشكو الجماهير.. عودة ليفربول.. والملكي يهزم السيدة    اليوم.. «6 مباريات» في افتتاح الجولة العاشرة بدوري المحترفين    اليوم، الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن القائمة النهائية لمرشحي مجلس النواب    هيلث إنسايتس تساهم في تنفيذ مشروع ڤودافون بيزنس ومصر للطيران عبر حلول رقمية متكاملة للرعاية الصحية    سيصلك مال لم تكن تتوقعه.. برج الدلو اليوم 23 أكتوبر    أسعار التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025    بعد ارتفاع الأخضر بالبنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23-10-2025    قرمشة من برة وطراوة من جوة.. طريقة تحضير الفراخ الأوكراني المحشية زبدة    هترم عضمك.. وصفة شوربة الدجاج المشوي التي تقاوم نزلات البرد    مش هتنشف منك تاني.. أفضل طريقة لعمل كفتة الحاتي (چوسي ولونها جميل)    ألونسو: سعيد من أجل بيلينجهام.. وصليت ألا يتعرض ميليتاو للطرد    د.حماد عبدالله يكتب: " للخصام " فوائد !!    ضياء رشوان: الاتحاد الأوروبي يدرك دور مصر المهم في حفظ السلام بمنطقة القرن الإفريقي    مواقيت الصلاة في أسيوط غدا الخميس 23102025    داعية إسلامي: زيارة مقامات آل البيت عبادة تذكّر بالآخرة وتحتاج إلى أدب ووقار    بمشاركة 158 استشاريا.. بورسعيد تحتضن أكبر تجمع علمي لخبراء طب الأطفال وحديثي الولادة    هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟.. خالد الجندي يجيب    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة الشهر الكريم وأحكام الرؤية الشرعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير الشعراوي للآية 21 من سورة آل عمران
نشر في مصراوي يوم 19 - 08 - 2015

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.. [آل عمران : 21].
وقلنا إن الحق حين يقول: {إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله} هم الذين يكفرون بآيات الله على إطلاقها، وهناك فرق بين الكفر بآيات الله وبين الكفر بالله. لماذا؟ لأن الإيمان بالله يتطلب البينات التي تدل على الله، والبينات الدالة على وجود الله موجودة في الكون.
إذن فالبينات واضحة، إن الذي يكفر بالله يكون قبل ذلك كافرا بالأدلة التي تدل على وجود الخالق. إن الحق لم يقل هنا: إن الذين يكفرون بالله، وذلك حتى يوضح لنا أنّ الحق غيب، ولكن الآيات البينات ظاهرة في الكون، لذلك قال: {إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النبيين}.
ولنا أن نلاحظ هنا، أن كلمة القتل تأتي دائما للنبيين، أي أنها لا تأتي للذين أخذوا صفة تزيد على مهمة النبي، وهو الرسول، فليس من المعقول أن يرسل الله رسولا ليبلغ منهجا لله، فيُقدر الله خلقه على أن يقتلوا الرسول. ولكن الأنبياء يرسلهم الله ليكونوا أسوة سلوكية للمؤمنين، ولا يأتي الواحد منهم بتشريعات جديدة، أما الرسول فإن الله يبعثه حاملا لمنهج من الله. وليس من المعقول أن يصطفي الله عبدا من عباده ويستخلصه ليبلغ منهجه، ويُمَكّن الله بعد ذلك بعضا من خلقه أن يقتلوا هذا الرسول.
إن الخلق لا يقدرون على رسول أرسله الله، لكنهم قد يقدرون على الأنبياء، وكل واحد من الأنبياء هو أسوة سلوكية، ولذلك نجد ان كل نبيّ يتعبد على دين الرسول السابق عليه، فلماذا يقتل الخلق الأسوة السلوكية مادام النبيّ من هؤلاء قد جاء ليكون مجرد أسوة، ولم يأت بدين جديد؟ فلو كان النبي من هؤلاء قد جاء بدين جديد، لقلنا: إن التعصب للدين السابق عليه هو الذي جعلهم يقتلونه، لكن النبيّ أسوة في السلوك، فلماذا القتل؟ إن النبي من هؤلاء يؤدي من العبادة ما يجعل القوم يتنبهون إلى أن السلوك الذي يفعله النبيّ لا يأتي وفق أهوائهم.
إن القوم الذين يقتلون النبيين هم القوم الذين لا يوافقون على أن يسلكوا السلوك الإسلامي الذي يعني إخضاع الجوارح، والحركة لمنطق الدين ولمنطق الإسلام، لماذا؟ لأن النبيّ وهو ملتزم بشرع الرسول السابق عليه، حينما يلتزم بدين الله بين جماعة من غير الملتزمين يكون سلوكه قد طعن غير الملتزمين.
إن وجود النبيّ الذي يتمسك بشرع الله، ويخضع جوارحه، وسلوكه لمنهج الله بين جماعة تدّعي أنها تدين الله، ولكنها لا تتمسك بمنهج الله تحملهم إلى أن يقولوا: لماذا يفعل النبي هذا السلوك القويم، ولماذا يخضع جوارحه لمنطق الإيمان، ونحن غير ملتزمين مثله؟ وهذا السؤال يثير الغيظ والحقد على النبيّ بين هذه الجماعة عير الملتزمة بدين الله، وإن أعْلنت في ظاهر الأمر التزامها بالدين.
إنهم يحقدون على النبيّ لأنه يرتفع بسلوكه المسلم، وهم لا يستطيعون أن يرتفعوا ليكونوا مثله.
إن النبيّ بسلوكه الخاضع لمنهج الله يكون أسوة واضحة جلية يظهر بها الفرق بين مجرد إعلان الإيمان بمنهج الله، وبين الالتزام السلوكي بمنهج الله، وتكون أسوة النبيّ مُحقرة لفعلهم. ولذلك حين نجد إنسانا ملتزما بدين الله ومنهجه، فإننا نجد غير الملتزم ينال الملتزم بالسخرية والاستهزاء، لماذا؟ لأن غير الملتزم يمتلئ بالغيظ والحقد على الملتزم القادر على إخضاع نفسه لمنهج الله، ويسأل غير الملتزم نفسه: لماذا يكون هذا الإنسان قادرا على نفسه مخضعا لها لمنهج الله وأنا غير قادر على ذلك؟ إن غير الملتزم يحاول إزاحة الملتزم وإبعاده من أمامه. لماذا؟ لأن غير الملتزم يتضاءل في نظر نفسه ونظر الآخرين إذا ما قارن نفسه بالملتزم بمنهج الله، وعندما يقارن الآخرون بين سلوك الملتزم بمنهج الله وسلوك غير الملتزم بمنهج الله فهم لا يحترمون غير الملتزم فيشعر بالصغار النفسى أمام الملتزم وأمام الناس فيحاول غير الملتزم أن يزيح الملتزم وينحيه عن طريقه، إن غير الملتزمين بمنهج الله يسخرون ويتغامزون على الملتزمين بمنهج الله، كما يقول الحق سبحانه وتعالى: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ}.. [المطففين: 29-33].
ألا توضح لنا تلك الآيات البينات ما يقوله غير الملتزمين في بعض مجتمعاتنا للملتزمين بمنهج الله؟ ألا نسمع قول غير الملتزمين للملتزم بمنهج الله: (خذنا على جناحك)؟ إن هؤلاء غير الملتزمين ينطبق عليهم قول الحق: {وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ}.. [المطففين: 30-32].
إن غير الملتزمين قد يفرح الواحد منهم، لأنه استطاع السخرية من مؤمن ملتزم بالله. وقد يتهم غيرُ الملتزمين إنسانا ملتزما بأن الالتزام ضلال. والحق سبحانه وتعالى يرد على هذا الاتهام بالقول الكريم: {وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ}.. [المطففين: 33].
الحق يرد على الساخرين من الملتزمين بمنهج الله، فيضحك الذين آمنوا يوم القيامة من الكفار، ويتساءل الحق بجلال قدرته وتمام جبروته: {فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.. [المطففين: 34-36].
هكذا ينال غير الملتزمين عقابهم، فماذا عن الذين يقتلون النبيين بغير حق؟ إن لنا أن نسأل: لماذا وصف الله قتل النبيين بأنه (بغير حق)، وهل هناك قتل لنبيّ بحق؟ لا يمكن أن يكون هناك قتل لنبي بحق، وإذا كان الله قد قال: {وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ حَقٍّ} هذا القول الكريم قد أتى ليوضح واقعا، إنه سبحانه يقول بعد ذلك في سلسلة أعمال هؤلاء الذين يقتلون النبيين بغير حق: {وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط مِنَ الناس} إنهم لم يكتفوا بقتل النبيين، بل يقتلون أيضا من يدافع من المؤمنين عن هذا النبيّ كيف؟ لأنه ساعة يُقتل نبيّ، فالذين التزموا بمنهج النبيّ، وكانوا معه لابد لهم أن يغضبوا ويحزنوا.
إن أتباع النبيّ ينفعلون بحدث قتل النبيّ فإن استطاعوا منع ذلك القتل لفعلوا وإن لم يستطع أتباع النبي منع قتل النبيّ فلا أقل من أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، لكن القتلة يتجاوز طغيانهم فلا يقتلون النبيين فقط فإذا قال لهم منكر لتصرفهم: ولماذا تقتلون النبيين؟ فإنهم يقتلونه أيضا، وبالنسبة لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن نعرف أن أعداءه قد صنعوا معه أشياء أرادوا بها اغتياله، وذلك يدل على غباء الذين فكروا في ذلك الاغتيال.
لماذا؟ لأنهم لم ينظروا إلى وضعه صلى الله عليه وسلم، فلم يكن نبيا فقط، ولكنه رسول أيضا. وما دام رسولا فهو أسوة وحامل لمنهج في آن واحد، فلو كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا فقط لكان في استطاعتهم أن يقتلوه كما قتلوا النبيين من قبل، لكنه رسول من عند الله، ولقد رأوه يحمل منهجا جديدا، وهذا المنهج يسفه أحلامهم، ويوضح أكاذيبهم، من تبديلهم للكتب المنزلة عليهم.
إذن، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا يحمل رسالة ومنهجا، وحينما أرادوا أن يقتلوه كنبيّ، غفلوا عن كونه رسولا. ولذلك قال الحق مطمئنا لنا ومحدثا رسوله صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الرسول بَلِّغْ ما أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين}.. [المائدة : 67].
الرسول الكريم إذن حامل رسالة ومعصوم بالله من أعدائه، والحق سبحانه وتعالى قد حكى عن الذين يقتلون الأنبياء، وأراد أن يطمئن المؤمنين، ويطمئن الرسول على نفسه، وأن يعرف خصوم رسول الله أنه لا سبيل إلى قتله، فيقول الحق: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ الله مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ}.. [البقرة: 91].
ولماذا يأتي الله ب (من قبل) هذه؟ إنه يوضح لنا وللرسول ولأعداء محمد صلى الله عليه وسلم أن مسألة قتل الأنبياء كان من الممكن حدوثها قبل رسول الله، لكن هذه المسألة صارت منتهية، ولا يجرؤ أحد أن يمارسها مع محمد رسول الله، وبذلك طمأن الحق المؤمنين، وطمأن رسول الله بأن أحدا لن يناله بأذى، ولذلك قال الحق: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس}.. [المائدة: 67].
وأيأس الحق الذين يريدون قتل رسول الله فقد قال لهم: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ الله مِن قَبْلُ}.. [البقرة: 91].
ولو أن المسألة مسألة نبوة، ورسالة رسول الله غير داخلة في مواجيدهم، وكان إنكارهم لرسالته عنادا، لكانوا قد قالوا: إن مسألة قتل الأنبياء لا تتوقف عند من قبل لأننا سنجعلها من بعد أيضا، لكانوا قد كتلوا قواهم وقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الله سبحانه أيأسهم وقنطهم من ذلك، وذلك من مناط قدرة الله.
وإذا كان الحق سبحانه وتعالى يحكي عن أمر في قتل الأنبياء، وقتل الذين يأمرون بالقسط، أكان ذلك معاصر لقول الرسول هذا؟ أو كان هذا الكلام لمن؟ إنه موجه لبعض من أهل الكتاب، إنه موجه لمن آمنوا باتباع الذين قتلوا النبيين من قبل، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط، لقد آمنوا كإيمان السابقين لهم من قتلة الأنبياء، وقتلهم للذين يأمرون بالقسط.
وهذا تقريع لهؤلاء الذين اتبعوا في الإيمان قوما قتلوا الأنبياء من قبل، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط، إنه تقريع وتساؤل. كيف تؤمنون كإيمان الذين قتلوا الأنبياء؟ وكيف تتبعون من فعل مثل ذلك؟ وقد قص رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن بني إسرائيل قد قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا دفعة واحدة، فقام مائة وسبعون من أتباع الأنبياء لينكروا عليهم ذلك، فقتلوهم، وهذا هو معنى هذه الآية الكريمة: {وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط مِنَ الناس فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.. [آل عمران: 21].
لماذا يبشرهم الحق بعذاب أليم؟ أليس معنى التبشير هو إخبار بما يسر في أمد يمكن أن يؤتى فيه الفعل الذي يسر؟ إن التبشير دائما يكون للفعل الذي يسر، كتبشير الحق للمؤمنين بالجنة، ومعنى التبشير بالجنة أن الله يخبر المؤمن بأمر يُسر له المؤمن، ويعطي الحقّ الفرصة للمؤمن لينفذ منهج الله ليأخذ الجائزة والبشارة.
لماذا يكون الحديث بالبشارة موجها لأبناء الذين فعلوا ذلك؟ لأننا نعرف أن الذين قتلوا النبيين وقتلوا الذين أمروا بالقسط من الناس لم يكونوا معاصرين لنزول هذا الآية، إن المعاصرين من أهل الكتاب لنزول هذه الآية هم أبناء الذين قتلوا الأنبياء وقتلوا الذين أمروا بالقسط، ويبشرهم الحق بالعذاب الأليم؛ لأنهم ربما رأوا أن ما فعله السابقون لهم كان صوابا. فإن كانوا قد رأوا أن ما فعله السابقون لهم كان صوابا فلهم أيضا البشارة بالعذاب.
وتتسع دائرة العذاب لهم أيضا ولكن لماذا يكون العذاب بشارة لهم، رغم أن البشارة غالبا ما تكون إخبارا بالخير، وعملية العذاب الأليم ليست خيرا؟ إن علينا أن نعرف أنه ساعة نسمع كلمة (أبشر) فإن النفس تتفتح لاستقبال خبر يسر وعندما تستعد النفس بالسرور وانبساط الأسارير إلى أن تسمع شيئا حسنا يأتي قول: أبشر بعذاب أليم، ماذا يحدث؟ الذي يحدث هو انقباض مفاجئ أليم ابتداء مطمع (فبشرهم) وانتهاء مُيْئِس (بعذاب أليم) وهنا يكون الإحساس بالمصيبة أشد، لأن الحق لو أنذرهم وأوعدهم من أول الأمر بدون أن يقول: (فبشرهم) لكان وقوع الخبر المؤلم هينا.
لكن الحق يريد للخبر أن يقع وقوعاً صاعقا، ومثال لذلك قول الحق: {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً}.. [الكهف: 29].
إنهم يستغيثون في الآخرة، ويغاثون بالفعل، ولكن بماذا يغيثهم الله؟ إنه يغيثهم بماء كالمهل يشوي الوجوه. إننا ساعة أن نسمع (يغاثوا) قد نظن أن هناك فرجا قادما، ولكن الذي يأتي هو ماء كالمهل يشوي الوجوه. وهكذا تكون البشارة بالنسبة لمن قتلوا الأنبياء أو لأتباع القتلة الذين آمنوا بمثل ما آمن به هؤلاء القتلة. {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وكلمة (عذاب) تعني إيلام حيّ يحس بالألم. والعذاب هو للحيّ الذي يظل متألما، أما القتل فهو ينهي النفس الواعية وهذا ليس بعذاب، بل العذاب أن يبقى الشخص حيَّا حتى يتألم ويشعر بالعذاب، وقول الحق: {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} يلفتنا إلى قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب إِنَّ الله كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً}.. [النساء: 56].
أي أن الحق يديم عليهم الحياة ليديم عليهم التعذيب. وبعد ذلك يقول الحق: {أولئك الذين حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ...}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.