أهم أخبار الكويت اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025.. «نزاهة» و«سهل» يفوزان بجائزة التميز الحكومي العربي    رئيس مصلحة الجمارك: نتطلع إلى نقلة نوعية في كفاءة وسرعة التخليص الجمركي للشحنات الجوية    نعيم قاسم: تعيين مدني بلجنة الميكانيزم سقطة لحكومة لبنان    توغل إسرائيلي جديد في ريف القنيطرة جنوب سوريا    بعد مقتل أبو شباب.. داخلية غزة تدعو المرتبطين بإسرائيل لتسليم أنفسهم    النني: أغلقنا صفحة الكويت ونستعد بقوة لمواجهة الإمارات    أجيال مختلفة في رحاب متحف نجيب محفوظ ضمن مبادرة فرحانين بالمتحف الكبير    مخالفات جسيمة.. إحالة مسؤولين بمراكز القصاصين وأبو صوير للنيابة    رويترز: بشار الأسد تقبل العيش في المنفى.. والعائلة تنشئ جيشا من العلويين    الداخلية تشارك المواطنين الاحتفال باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة| فيديو    الزمالك يترقب قرار اتحاد الكرة بشأن قضية زيزو.. واللاعب يجهز للتصعيد    حلمي طولان: تصريحي عن الكويت فُهم خطأ وجاهزون لمواجهة الإمارات    حالة الطقس.. تغيرات مفاجئة فى درجات الحرارة وانخفاض يصل 4 درجات    تموين المنوفية تضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة وتحرر 231 محضرًا خلال يومين    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    السقا ولقاء الخميسى وعمرو مصطفى والشرنوبى يحضرون مسرحية أم كلثوم    ميادة الحناوي ترد على استخدام AI لتحسين صوتها: مش محتاجة    رمضان 2026| جهاد حسام الدين تنضم لمسلسل عمرو سعد "عباس الريس"    الصحة: فحص 7 ملايين طالب بمبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    سام ألاردايس: انتقاد كاراجر ل صلاح «مثير للشفقة»    لجنة المسئولية الطبية وسلامة المريض تعقد ثاني اجتماعاتها وتتخذ عدة قرارات    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    اتهامات جديدة لوالد المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية    اختيار مشروع جامعة عين شمس ضمن مبادرة "تحالف وتنمية" لتعزيز الأمن الغذائي وتوطين الصناعة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    لاعب الإمارات: مصر تنتج لاعبين وأساطير على مستوى عال وهذا ليس غريبا    الصين وفرنسا تؤكدان على «حل الدولتين» وتدينان الانتهاكات في فلسطين    سورة الكهف نور الجمعة ودرع الإيمان وحصن القلوب من الفتن    لمدة 12 ساعة.. انقطاع المياه غرب الإسكندرية بسبب تجديد خط رئيسى    إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية عبر البريد المصري    وزارة العمل تقدم وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    «الداخلية» تواصل حملاتها لضبط الأسواق والتصدى لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    «البريد» يكشف تفاصيل إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية    منافس مصر.. الإمارات أغلى منتخبات بطولة كأس العرب 2025    الفيلم اللبناني Suspension بمهرجان القاهرة للفيلم القصير بعرضه العالمي الأول    طليق بوسي تريند البشعة: لم أشارك في أي جلسات لإثبات براءتها    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالترعة الإبراهيمية فى سمالوط بالمنيا    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    جميلات فنزويلا يحملن البنادق الآلية للتصدي لمواجهة ترامب    كأس العرب - وسام أبو علي يكشف حقيقة مشاركته مع فلسطين في البطولة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    رئيس جامعة القاهرة: نولي اهتمامًا بالغًا بتمكين أبنائنا من ذوي الإعاقة    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاجة "صيصة".. مقابلة رئاسية.. أم مثالية.. و"لسه لابسه الجلابية"
نشر في مصراوي يوم 27 - 04 - 2015


تصوير-علاء القصاص
بعد ظهور "صيصة" –ذات الرداء الرجالي- في البرامج التليفزيونية، ومن بعدها لقاءها مع الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ صارت السيدة الستينية حديث البلاد، خاصة مدينتها في الأقصر، يعرفها الكثير من المارة في الشوارع، يقتربون منها "عشان ياخدوا البركة"، يلتقطون الصور معها كأنها عَلم من أعلام البلد، حياة جديدة كُتبت لابنة "أبو دوح النمر" واهتمام حازت به لأول مرة في حياتها، غير أن شهرتها تلك ظلت تُعيد إليها سيرتها الأولى عندما كانت "مدفونة في الطين"، لا أحد يقف بجوارها، لا يساندها أو يدعمها بأي شيء، وتواجه شرور الحياة وحيدة.
رغم تغير الحال واطمئنانها على ابنتها، إلا أن "صيصة" ترفض خلع الجلباب الصعيدي، والعودة إلى الملابس النسائية "خلاص اتعودت على الجلابية.. برتاح فيها"، ماتزال تتذكر تلك الليلة التي دفعها فيها القدر إلى ارتداء الجلباب، كانت تجلس في أحد الشوارع، بليلة قاسية الأجواء، تحتضن طفلتها، تنتظر الفَرج الذي لا يأتِ، لا مأوى لها، ولا مال يكفيها شر الحاجة، زوجها رحل، وأسرتها فقيرة، حتى جاءها مَن يحتاج إلى رجل يعمل في صناعة الطوب "قولت ساعتها دراعي هو اللي هيعيشني"، قامت فورا، تخلصت من ردائها واستبدلتها بالجلباب وانطلقت إلى مكان العمل " ال 1000 طوبة ب 160 قرش".
عندما تُسأل الحاجة "صيصة" عن المرة الوحيدة التي اضطرت فيها إلى التخلي عن الجلباب، يبدو عليها الضيق "كنت حابة أفضل بالجلابية"، كانت في طريقها إلى البيت الحرام لأداء مناسك العمرة "روحت بملابس حريمي بس خنقتني"، تقولها بينما تُمسك بالجلباب "ماله ما زي الفل أهوه"، كأنه أصبح جزء من تكوينها، ترفض أن تلفظه، أو التقليل منه، أو اعتباره دخيل على ذاتها كأنثى.
تمسك الحاجة "صيصة" بصورة فوتوغرافية يتصدرها "عبد الفتاح السيسي" ومن حوله الأمهات المثاليات، تشير إلى وجوها بينهم، الجلي بأخر ركن بالصورة، بجلبابها الرجالي والعمة، تنظر السيدة الستينية للصورة التي باتت ذكرى تحتفظ بها في دفتر مقتنياتها، لم تتخيل يوما أن تصبح بين عشية وضحاها محط الأنظار، "صيصة قابلت الريس وسلمت عليه إيد في إيد" هكذا ذاع صيتها بين جيرانها وأهل قريتها، باتت كل خطوة لها يلحقها ترحاب أحدهم، "دلوقتي عرفتوا الحاجة صيصة؟" تحدث نفسها مع كل سلام يوجه إليها، تحب الجميع وتفرح لرؤية الناس، لكن الاهتمام بعد سنوات طوال كانت بها في مهب الريح يبعث في النفس رغما عنها هذا التساؤل.
كأنما حلم هو لقاء صاحب أعلى منصب بالبلاد، تهيأت له بجلباب أنيق "قلت لهم مش هروح غير بالجلابية والعمة"، وإن كان هذا لقاء وجه لوجه بالرئيس، غير أنه ليس أول تكريم لها "السادات بالسابق كرمني.. لما قال إن الأرامل تاخد بطاقة" كذلك تقول الحاجة "صيصة"، فالقرار الذي أصدره الرئيس الراحل بتخصيص معاش لمن مات عنها زوجها بالنسبة لها تكريم، "كان خمسة جنية إلا ربع" بذاكرة حديدية تتذكر المعاش الذي أتاها بوقت كانت في أمس الحاجة به لقروش وليس جنيهات.
رغم حياتها البسيطة التي قد تكون عذرا لها إن ظلت في عزلة عن حال البلاد، غير أنها على العكس حرصت أن تكون على علم بما يحدث، تربط أحداث مهمة في حياتها بوقائع مشهورة، حال أول يوم ارتدت به الجلباب يوم ما انضرب سيد زكريا –أسد سيناء- في السبعينات"، وتحفظ أسماء الرؤساء، فالسيدة التي جلد جسدها وطبعها بكت بحرقة على جمال عبد الناصر، كما فعلت حينما قابلت "السيسي"، وتترحم على أنور السادات "وبقرأ له الفاتحة كل يوم" جزاء ما فعل من تخصيص المعاش.
دعوات تتوالى على الحاجة "صيصة" للحضور إلى القاهرة سواء من برامج تليفزيونية أو شركات، تبغي تكريمها والالتقاء بها، لا ترد السيدة الستينية دعوة أبدا "مبحبش أزعل حد"، تقطع عشرات الكيلومترات من أجل فقط رؤية "الأحباب" كما تسمى كل مَن تلقاه ولو لم تعرفه، تجلس بين الجموع، تُلوح وترد التحية للمصفقين لها، تواصل سرد كفاحها.. هكذا غدت حياة "صيصة"، بعد أكثر من 40 عاما انقضت في العمل، من عامل صب إلى مزارع، وعامل إنشاء، وأخيرا ماسح أحذية.. أوقات صعبة عايشتها "كنت أقعد اشتغل 4 أيام عشان جنيه"، وأحيانا لا يتوفر عمل ولا ذلك الجنية "وقتها أرد بابي وافت لي لقمة أنا وبنتي إذا كان في"، وحينما لا يتواجد تأتي ببعض من قطع الخضار "واعمل أكلة جارفة "قرديحي" للبت".
خجل بدا واضحا على "صيصة" في أول لقاء تليفزيوني لها، لكن اليوم باتت أكثر إقبالا وتعاملا مع الحضور الذين لا تعرفهم، بتلقائية تتعامل، فلا تتردد في قطع الحديث، لتتلقي اتصال هاتفي من ابنتها "هدى" تطمئن عليها كعاتها في الصباح والمساء، ولا تنهي حديثها إليها قبل أن تعيد عليها وصيتها "لو مت متزعليش افرحي وكلي لحم والبسي أحسن لبس"، ثم تطلب منها سماع صوت أحفادها "الغالين؛ 5 أولاد أكبرهم وأقربهم لقلبها "أحمد"، حضورهم له فِعل السِحر في حياتها، وصوتهم كفيل بتحول نبرة صوتها الخشنة الحزينة إلى لين وفرحة "أيامهم غير أيام بنتي"، هم يعرفونها أنها جدتهم، أنثى رغم ملابسها الرجالي، لكن "هدى" ظلت فترة جائرة في طفولتها "كنت بقول لها وهي صغيرة أمك ماتت فتعيط"، والدة السيدة المكافحة عنفتها "قالتي حرام عليكي قولي لها الحقيقة"، فأخبرتها بأن كشفته لها عن صدرها "قولت لها أنا أمك.. راحت قعدت تعيط برده بس على أبوها" كلمات قالتها ضاحكة مع تذكر الموقف.
فستان أبيض بسيط "على قد الحال" ارتدته "هدى" في جلسة عائلية، لم تخل من "الهيصة" والفرح بالعروس، زوجت الحاجة "صيصة" ابنتها الوحيدة، ضحكت من قلبها وملئ ثغرها للمرة الأولى، لكنها لم تخلع عنها زيها، الجلباب والصديري الصعيدي والعمة، كانوا دليل على تعب الأيام وقسوتها على سيدة شابت من أجل ابنتها، فلو كان هناك أشد من الشقاء، لكان وصف أيام السيدة المسن، التي نذرت شبابها ورخاء معيشتها "كنت زي السودانية.. نزيهة وبلبس فساتين وايشاربات بعرعورة" بابتسامة تسترجع الأيام الخوالي في بيت أبيها، قبل أن تواجها مصيرها "ليالي ربنا لا يعيدها كانت طين"، ومع ذلك لم تستطع ترك عملها بعد أن أصبح بالبيت رجل "لو جوز بنتي قال لي اقعدي كنت طلقتها منه" بحزم تقولها السيدة الستينية.
الشقاء والعمل بات جزء من الحاجة "صيصة"، لا تقدر على التخلي عنه بعد تلك السنوات، فضلا عن يقينها أنه مصدر عزتها وما وصلت إليه الآن من تكريم وشهرة لم يكونا يوما بحسبانها، لذا حينما مَن الله عليها بكشك يمكنها العمل خلاله لم تتنازل عن صندوق مسح الأحذية "ده اللي خلاني صالبة" تقولها وتضرب بيدها الاثنين على رجليها.
الابتسامة التي لا تفارق حضور "صيصة" اليوم، كانت بأيام سابقة معدودة، وإن زاد الفرح شيئا ما بعد زواج ابنتها، فمع وصول الحفيد الأول "أحمد" ذاب قلب السيدة المسن، اطمأن قلبها، ابتسمت برضا لتكليل تعبها ب"ستر" ابنتها في البدء، واستقرارها بتوالي "غزوتها" من الأبناء واحدا تلو الآخر حتى بلغو خمسة صبية، وأخر فرحتها، التي بعد مجيئها، باتت على صدر قائمة أيامها الهنيئة، هي قيامها بالعمرة "وزيارة النبي"، والتي كان تأثيرها عليها بالغ الأثر "وقتها زدت ووشي وسع".
"كشك" بموقف البياضية بالأقصر.. الآن أصبح للحاجة "صيصة" مِلك، ومن منطلق اِنساب الحق لأصحابه تصر على ذكر أن جمعية الأورمان منحتها إياه، بعد سنوات طوال افترشت بها السيدة المسن الطرقات لمسح الأحذية، ولا يحميها سوى علاقتها الطيبة بمن حولها سواء أصحاب "الكار" أو الفنادق، وكذلك الأمن، الذي لم يتعرض لها سوى ببداية عملها بالصندوق الخشبي.
كانت تجلس على الكورنيش حينما تعرض لها ضابط بشرطة السياحة "قلت له لو هتعملي بلاغ هروحك من هنا بإذنه هو" لم تكن تملك "صيصة" إلا الثقة والإيمان بما تفعل، توقن أن الله معها لأجل ابنتها، لذا كانت رودوها سريعة، حتى حين أخذها الضابط على قسم الشرطة، محررا لها محضر، لتُعرض على النيابة، كان لا يفارقها سوى دعاء "اللي ودوني على النيابة منهم لله"، وقد استجاب الله لها كما تقول، بدءً من وكيل النيابة الذي تعامل معها بود مكتفيا بتطبيق غرامة مالية عليها "قلت له لو هتغرموني هاخدها من جيبه.. هو أنتم ماسكيني متلبسة أنا بجري على بنتي".
10 جنيهات ونصف كانت الغرامة المالية، تتذكرها السيدة المسن جيدا، كما لا يمكنها إغفال ما حدث لدفع تلك الجنيهات التي لم تكن تملكها "الضباط دفعوهالي" وعادت "صيصة" منتصرة إلى مكانها "وظابط شرطة السياحة مقعدتش بعدها كتير" كما تقول.
لم تعد "صيصة" تقدر على العمل، طبيعة العمر تمكنت منها أكثر مما فعلت سنوات "الشقا"، لذا كانت فرحتها ب"الكشك" لا توصف، "مش طمّاعة" تصف نفسها الحاجة "صيصة"، لم تطلب يوما شيء من أحد، تستحي من فعل ذلك غير أن بعد سنوات طوال قررت أن تبوح بأمنيات تستحي أحيانا كثيرة أن تقولها، فآخر ما ترجوه "شقة تجمعني أنا وبنتي وأحفادي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.