رئيس الشيوخ يهنئ الشعب المصري بمناسبة العام الميلادي الجديد    حقوق الإنسان بمجلس الشيوخ تعقد اجتماعا بحضور وزير الخارجية الخميس المقبل    رئيس الوزراء يتابع جهود جذب المزيد من الاستثمارات للمنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبي    وزير الاتصالات: استثمار 3.3 مليار دولار لرفع كفاءة الإنترنت أدى لزيادة السرعة 16 ضعفا    الخطيب يبحث مع وزير التجارة الكوري تعزيز العلاقات الاستثمارية    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    محافظ المنيا يفتتح توسعات مدرسة قلبا الابتدائية المشتركة بمركز ملوى    هبوط المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 0.6% بختام تعاملات جلسة الإثنين    تفجير غامض في قلب موسكو.. مقتل جنرال روسي واتهامات لأوكرانيا| تفاصيل    وزارة شئون القدس تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف هدم منازل المقدسيين    اعتقالات واحتجاجات في القدس رفضاً للجنة تحقيق حكومية بأحداث السابع من أكتوبر    مصر تواجه زيمبابوي.. الأهلي يستضيف الزمالك.. تفاصيل جديدة في واقعة وفاة يوسف محمد | نشرة الرياضة ½ اليوم    الحكم أحمد الغندور يتوجه باستغاثة لرئيس الجمهورية بعد استبعاده من القائمة الدولية للتحكيم    فابريزو رومانو: مطالب الأهلي تعطل انتقال جمزة عبد الكريم إلى برشلونة    السيطرة على حريق بسوق عرفان فى الإسكندرية (صور)    الانتقام المجنون.. حكاية جريمة حضرها الشيطان في شقة «أبو يوسف»    حملات مرورية.. رفع 43 سيارة ودراجة نارية متهالكة    حداد ودموع في طابور الصباح.. مدرسة بمعصرة صاوي تنعى تلميذين لقيا مصرعهما في حادث الطريق الإقليمي    هل عاد أحمد الفيشاوى لاستقبال واجب العزاء فى وفاة سمية الألفى اليوم؟    ريهام عبدالغفور: ترددت في قبول دوري بفيلم "خريطة رأس السنة"    الأعلى للإعلام والملكية الفكرية يبحثان التعاون المشترك لحماية الإرث الإعلامى    حكم المسح على الشراب الخفيف أثناء الوضوء.. دار الإفتاء توضح    مدبولي: الرئيس السيسي وجه بسرعة تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل في جميع المحافظات    مدبولى: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى فى تنفيذ منظومة التأمين الصحى الشامل    محافظ المنوفية يتفقد مركز خدمة عملاء مركز معلومات شبكات المرافق بقويسنا.. صور    رئيس جامعة سوهاج يلتقي الفريق الطبي المُنقذ للطفل «يوسف» ويشيد بجهودهم    كنز بطلمي يخرج من باطن الأرض محافظ بني سويف يتفقد أسرار معبد بطليموس الثاني بجبل النور بعد أكثر من عقد على اكتشافه    تأجيل اعادة إجراءات محاكمة متهم بخلية اللجان النوعية بالمرج    مصر تواصل تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة إلى قطاع غزة    جامعة قناة السويس تكرّم قياداتها الإدارية بمناسبة التجديد    غرف دردشة الألعاب الإلكترونية.. بين التفاعل الرقمي وحماية الأطفال    الأزهر يشارك في احتفالية اليوم العالمي للغة العربية بجناح وورش للخط العربي وجولة لطلابه بمتحف الحضارة    اتحاد المهن الطبية: 30 ديسمبر آخر موعد للاشتراك في مشروع العلاج    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    بعد قليل.. أمين «البحوث الإسلامية» يشهد مراسم صلح في خصومة ثأريَّة بالأقصر    جيفرى إبستين.. العدل الأمريكية تدافع عن النشر الجزئى وعودة صورة ترامب المحذوفة    البيت الأبيض يكشف عن الأموال التي حصلتها أمريكا من الرسوم الجمركية    منذ قليل .. مجلس الشيوخ يبدأ مناقشة تعديلات قانون نقابة المهن الرياضية لمواكبة التطور    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    شعبة الملابس الجاهزة تكشف ارتفاع الصادرات بأكثر من 21% منذ بداية 2025    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظتي الجيزة القاهرة    روائح رمضان تقترب    الهلال يخشى صحوة الشارقة في دوري أبطال آسيا النخبة    موعد مباراة بيراميدز ومسار في كأس مصر.. والقنوات الناقلة    الداخلية تفتتح قسمًا جديدًا للجوازات داخل مول بالإسكندرية    فى ظل تعقد الموقف .. غموض مصير عبد القادر من البقاء مع الأهلي واللاعب يقترب من بيراميدز    نائب وزير الصحة والسكان يعقد اجتماعاً مع وفد رفيع المستوى من دولة ليبيا    حصاد 2025 جامعة العاصمة.. 7 آلاف طالب وافد و60 منحة دراسية جديدة    أسعار السمك اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    مستشار رئيس وزراء العراق: تقدم ملحوظ فى ملف حصر السلاح بيد الدولة    ويتكوف: روسيا لا تزال ملتزمة تماما بتحقيق السلام فى أوكرانيا    «المهن التمثيلية» تكشف تطورات الحالة الصحية للفنان إدوارد    أستاذ بالأزهر يوضح فضائل شهر رجب ومكانته في ميزان الشرع    أمم إفريقيا – محمد الشناوي: هدفنا إسعاد 120 مليون مصري بكأس البطولة    تامر النحاس: سعر حامد حمدان لن يقل عن 50 مليونا وصعب ديانج يروح بيراميدز    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين زادك للرحيل؟!
نشر في مصراوي يوم 12 - 03 - 2015

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد:
أخي الكريم: ما أحوجنا إلى وقفة متأملة.. مع حقيقة الموت.. تلك الحقيقة المرّة التي يرحل بها الإنسان من حياة إلى أخرى.. ومن دار إلى دار.
تلك الحقيقة التي حيّرت العقول.. وحطّمت أماني الخلود.. وأجبرت الناس على اختلاف منازلهم أن يروا الحياة محطة عابرة.. لا خلود فيها ولا قرار.
ففريق منهم أدرك سرّ الحياة.. فآمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً ورسولاً، وعلم من دينه أن الحياة رحلة ابتلاء، يعبرها المؤمن مسافراً إلى ربه، يرجو زاداً يبلغه إليه سالماً غانماً.
وفريق منهم أدرك تفاهة الحياة، وقصرها، واندثارها، بَيْدَ أنه ضلّ الطريق، فاتخذها قراراً، ورضي بها منزلاً، ولم يعمل لزاد رحلته حسابا! فهو في تناقض واضطراب، وتضادٍّ وعذاب.
أخي الكريم: فمن أي الفريقين أنت؟ وهل أعددت زاداً للرحيل؟
أنت عابر سبيل
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك أن تكون كذلك، ويقول: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل).. [رواه البخاري]، وابن عمر رضي الله عنهما الذي وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه الوصية يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك).. [رواه البخاري].
أخي: وسواء عددت نفسك من العابرين لسبيل الحياة أم عددت نفسك من المخلّدين المقيمين.. فأنت في النهاية سترحل ! وفي سائر الحالات أنت عابرها ! فمُنى الخلود.. كالظل الزائل.. {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}.. [الأنبياء : 34].
هكذا خلق الله الحياة.. وهكذا أرادها.. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبَقَى وَجْهُ رَبِكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ}.. [الرحمن : 26 - 27].
الكل وإن طالت الأعمار راحل، وبريق الدنيا مهما لمع زائل، وعمودها مهما استقام مائل.
ألا أيها الناسي ليوم رحيله *** أراك عن الموت المفرق لاهيا
ولا ترعوي بالظاعنين إلى البلى *** وقد تركوا الدنيا جميعاً كما هيا
ولم يخرجوا إلا بقطن وخرقة *** وما عمروا من منزل ظل خاويا
وهم في بطون الأرض صرعى جفاهم *** صديق وخلّ كان قبل موافيا
وأنت غداً أو بعده في جوارهم *** وحيداً فريداً في المقابر ثاويا
جفاك الذي قد كنت ترجو وداده *** ولم تر إنساناً بعهدك وافيا
فكن مستعداً للحمام فإنه *** قريب ودع عنك المنى والأمانيا
دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: (إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا)، قال: إنه لابد لك من متاع ما دمت هاهنا، قال: (إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه).
فتأمل أخي في هذا الفقه النبيه إذ قال أبو ذر: (إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه !) فالمنزل الدنيا.. وصاحبها هو الله، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاع وَإنَّ الآخرةَ هِي دَارُ الْقَرَارِ}.. [غافر : 39]، وهل يزين عاقل محطة عبور هو يدرك أنه عن قريب سيتركها؟!.
ودخلوا على بعض الصالحين، فقلبوا بصرهم في بيته، فقالوا له: إنا نرى بيتك بيت رجل مرتحل، أمرتحل؟، فقال: لا، أطرد طرداً.
وقال عمر بن عبد العزيز: (إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
وأحسن منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها).. [رواه الترمذي وأحمد].
أخي: أنت معنيّ بالرحيل على كل حال، أيامك تسوقك إليه، وخطواتك تقبل بك عليه، وأنت في الحياة مجبور على العبور، وخاضع لموت مقدور.
موتك فاصل بين حياة وحياة.. وليس هو نهاية المطاف.. بل هو نقلة تسير بك إلى عالم جديد.. عالم البرزخ بما فيه من هول القبر وسؤاله.. وهول البعث وأحواله.. وطول الحساب وجلاله.. {أَفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْنَاكُم عَبَثاً وَأنكُمْ إلَينْاَ لا تُرْجَعُونَ}.. [المؤمنون : 115].
لأجل فهم هذه الحقيقة أخي بعث الله النبيين والرسل، كلهم اتفقوا على بيان هذه الحقيقة لقولهم: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاع وَإنَّ الآخِرةَ هَيَ دَارُ الْقَرَارِ}.. [غافر : 39].
لا تغفل فإنك لم تخلق سدى، وإذا رأيت الناس قد سخّروا فِطنَتَهم للدنيا، فاستعمل فِطْنَتك في الآخرة.. تفكر في رحيلك.. واجعل همك كل همك في معادك.. تذكر أن الموت يأتي على غرة.. وأعدّ لفجأته حساباً !
تفكر في لحظة احتضارك.. بم قد يختم لك.. وكيف يكون وقتها حالك !
تأمل في الناس وقد تمايلت بحملك أكتافهم.. إذ حملوك.. فأقبروك ودفنوك وودعوك.. ولم يملك لك أحدهم نفعاً ولا ضراً.. كيف ستلاقي يومها ربك؟! كيف ستدخل عالم البرزخ وحدك؟! كيف تجيب؟! وهل ستسعد وقتها أم تخيب؟!
اعرض أعمالك وانظر ماذا قدمت.. {بَلِ الإنسانُ عَلَى نَفْسِهِ بصيِرة}.. [القيامة : 14].
قال ابن الجوزي رحمه الله في نصيحته لابنه: (ومن تفكر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج منها رأى مدة طويلة، وعلم أن اللبث في القبور طويل فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنه خمسون ألف سنة، فإذا تفكر في اللبث في الجنة والنار علم أنه لا نهاية له، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا فرضنا ستين سنة مثلاً فإنه يمضي منها ثلاثون سنة في النوم ونحو من خمس عشرة من الصبا، فإذا حسب الباقي كان أكثره الشهوات والمطاعم والمكاسب، فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيراً، فبماذا تشتري الحياة الأبدية؟ وإنما الثمن هذه الساعات!!).. [لفتة الكبد لابن الجوزي : 16].
أجل أخي هي ساعات معدودات.. تحملك وتسوقك وتطوي بك مراحل الطريق.. وكلما انقضت ساعة انقضت مرحلة..
نسير إلى الآجال في كل لحظة *** وأيامنا تطوى وهن مراحلُ
ولم أر مثل الموت حقاً كأنه *** إذا ما تخطته الأماني باطلُ
وما أقبح التفريط في زمن الصبا *** فكيف به والشيب للرأس شاملُ
ترحل من الدنيا بزاد من التقى *** فعمرك أيام وهن قلائلُ
وكتب بعض السلف إلى أخ له: (يا أخي يُخيل لك أنك مقيم، بل أنت دائب السير، تُساق مع ذلك سوقاً حثيثاً، الموت موجه إليك، والدنيا تطوى من ورائك، وما مضى من عمرك، فليس بكار عليك حتى يكر عليك يوم التغابن).
زادك في هذا الرحيل
أخي.. يا من أيقن قلبك بطول السفر، وعلمت أنك إلى الله عائد ومحتضر، لا تناقض بأعمالك يقينك، ولا تدع الغفلة تنخره وتضعفه، حتى تنسيك زادك ومعادك.
فإن أقواماً أنستهم الغفلة زاد الرحل فقال الله لهم عند القدوم عليه: {لَقَدْ كُنتَ فيِ غَفْلَةٍ مّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَومَ حَدِيِد}.. [ق : 22].
قال الفضيل بن عياض لرجل: (كم أتت عليك؟) قال: ستون سنة، قال: (فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ)، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال الفضيل: (أتعرف تفسيره؟! تقول: أنا لله عبد وإليه راجع، فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول، فليٌعِدّ للسؤال جواباً). فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: (يسيرة). قال: ما هي؟ قال: (تحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وبما بقي).
وأنت أخي أيضاً عبد لله.. وعائد إليه.. {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِح إلى رَبِكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}.. [الانشقاق : 6].. أحسن فيما بقي يغفر الله لك ما مضى.. ربك حليم غفور.. تواب كريم.. يحب التائبين.. ويبدل سيئاتهم حسنات.. ويعفو عن الخطايا والزلات..
فبادر أخي.. بتوبة صادقة مع الله.. أظهر له فيها عزمك على طاعته.. وندمك إلى معصيته.. وحبك لدينه.. واسأله برحمته فإنه لا أحد أرحم منه.. وبإحسانه ونعمه.. وبين له ضعف حيلتك.. وشدة افتقارك إليه.. واعلم مهما كانت ذنوبك.. فهو يغفر الذنوب جميعاً.
أسرع أخي بالتوبة.. فإنه زاد الرحيل الأول.. وبدونها لن تظفر بزاد. بادر قبل بغتة المنية.. وحلول الحسرة والعذاب!
{قًل يَا عِباديَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رّحْمة الله إنَّ الله يَغْفرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأنيُبوا إلى رَبِكُمْ وَأسْلُموا لهُ مِن قَبْلِ أن يَأتَيِكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لا تُنصَرُونَ * وَاتَّبعُوا أحْسَنَ مَا أُنزَلَ إِلَيَكُم مّن رَّبّكُم من قَبل أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأنتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أن تَقُولَ نَفْس يَا حَسْرتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ الله وَإن كُنتُ لَمنَ السَّاخِرِينَ * أو تَقُولَ لَو أَنّ الله هَدَاني لَكُنتُ َمنَ المُتَّقِينَ * أوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَو أَنَّ ليِ كرّة فَأكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.. [الزمر : 53-57).
أخي.. الإنابة الإنابة.. قبل غلق باب الإجابة.. الإفاقة الإفاقة فقد قرب وقت الفاقة. ما أحسن قلق التواب.. ما أحلى قدوم الغياب ! ما أجمل وقوفهم بالباب !
أسأت ولم أحسن وجئتك تائباً *** وأنى لعبد من مواليه مهربُ
يؤمل غفراناً فإن خاب ظنه *** فما أحد منه على الأرض أخيبُ
أخي.. غدك قريب.. فانظر ما قدمت له.. {يَا أيُهَا الْذيِنَ آمَنُوا اتَّقُوا الله ولْتَنظُرْ نَفْس مَّا قَدَّمتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله إنَّ الله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ}.. [الحشر : 18].
قال ابن كثير رحمه الله: {ولتَنَظُر نَفْس مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أي: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.. واعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية).. [تفسير القرآن العظيم:4/365].
قال إبراهيم التميمي رحمه الله: (مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي أي نفس: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً. قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي).
واعلم أخي أن خير زادك في الرحيل هو زاد التقوى.. {وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}، وهي: اسم جامع لكل ما يحبه ويرضاه من القيام بفرائضه، والتزام أوامره، واجتناب نواهيه، والمسارعة إلى محابه.
فصحح أخي مسارك.. وابذل جهدك لمعرفة حقيقة أعمالك.. أين تصرف نظراتك؟ وأين تخطو خطواتك؟ وبم تتكلم لفظاتك؟ وما هي آمالك وخطراتك؟
يا غافل القلب عن ذكر المنيات *** عما قليل ستثوى بين أموات
فاذكر محلك من قبل الحلول به *** وتب إلى الله من لهو ولذات
إن الحمام له وقت إلى أجل *** فاذكر مصائب أيام وساعات
لا تطمئن إلى الدنيا وزينتها *** قد حان للموت يا ذا اللب أن يأت
يقول ابن القيم رحمه الله: (إن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالاً منه، فإن العاقل يعلم وعد الله ووعيده.. لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك، ويقعده عن الاستدراك سنة القلب وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده.. وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات.. ومخالطة أهل البطالات.. ورضي بالتشبه بأهل إضاعة الأوقات، فهو في رقاده مع النائمين.. فمتى انكشف عن قلبه سنة الغفلة بِزَجرَة من زواجر الحق في قلبه، استجاب فيها لواعظ الله في قلب عبده المؤمن.. ورأى سرعة انقضاء الدنيا.. فنهض في ذلك الضوء على ساق عزمه قائلاً: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فيِ جَنبِ اللهِ }، فاستقبل بقية عمره مستدركاً بها ما فات، مُحيياً بها ما أمات، مستقبلاً بها ما تقدم له من العثرات).. [الروح لابن القيم:223].
فاجعل أخي التقوى زادك.. واحذر الغفلة فإنها تنسيك حقيقة سفرك.. وتغريك بزخرف الدنيا وتمنيك بالإقامة الزائفة..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.